نتيجه لتوسع الرقعه الجغرافيه للاسلام فقد ازدادت الحاجه الي نسخ القرآن لارسالها الي شعوب الامصار الجديده التي فتحها المسلمون غير ان الخط العربي ظل يراوح مكانه و لم يطرا عليه اي تطور الابعد ان انتقلت عاصمه الخلافه الي الكوفه في زمن الامام علي حيث اهتم الامام (ع) بتطوير الخط و وصاياه لا تزال يعتزبها الخطاطون الي يومنا هذا.

يقف في الخط في المرتبه الاولي من فنوننا الاسلاميه التي سخرت لخدمه الدين الحنيف، فابدع فيه المسلمون و طوروه ايما ابداع و تطوير، *فغدوا يتنافسون في ابتكار زخاف انواع الخطوط و الابداع فيها.






لقد اهتم الرسول الاعظم بمساله القراءه و الكتابه، فاولاهما اهتماما متزايدا لنشرها بين المسلمين الاوائل، اذ كان عدد الذين كانوا يجيدون القراءه و الكتابه لم يتجاوز السبعه عشر رجلا،* منهم الامام علي،* عمر بن الخطاب، و عثمان بن عفان، اما النساء اللواتي كن يكتبن فاقل عددا من الرجال منهن الشفاء بنت عبدالله العدويه و عائشه بنت سعد.

ان من اسباب اهتمام الرسول (ص) بالخط العربي، انه سيمثل الخط المشترك لكل المسلمين و لتدوين الآيات القرآنيه في المصحف حفاظا عليها من الضياع او النسيان.

و نتيجه لتوسع الرقعه الجغرافيه للاسلام فقد ازدادت الحاجه الي نسخ القرآن لارسالها الي شعوب الامصار الجديده التي فتحها المسلمون،* غير ان الخط العربي ظل يراوح في مكانه و لم يطرا عليه اي تطور الا بعد ان انتقلت عاصمه الخلافه الي الكوفه في زمن الامام علي (ع) حيث اهتم الامام علي بتطوير الخط، و وصاياه لا تزال يعتز بها الخطاطون الي يومنا هذا.



لذلك يتفق المهتمون بالحرف العربي الامام عليا كان الرائد الاول للخط العربي فمن وصاياه عليه السلام (اطل جلفه قلمك و اسمنها،* و حرف القطعه و ايمنها و ادق القلم فانه ابقي للقرطاس، و اوجز للحرف و اكتب).

و بعد انتقال مركز الخلافه من الكوفه الي الشام ابان حكم معاويه بن ابي سفيان اتسعت رقعه الدوله الاسلاميه كثيرا و امتدت الي جبال البرنيز في شمال اسبانيا و شاطيء المحيط الاطلسي غربا و الي حدود الصين شرقا.

تميز هذا العصر و ما تبعه بتقدم الفنون المعماريه كما مال الخلفاء و الامراء الي الخط و النحت و التصوير و الزخرفه و كان طبيعيا ان يستعين هؤلاء الخلفاء بفناني و صناع البلدان المفتوحه و ممن تتلمذ عليهم من العرب انفهسم.



المسجد الأموي الكبير



ان المتتبع لاطوار تلك الحقبه يلاحظ ان الفن آنذاك كان مزيجا من الفنون البيزنطيه ـ السوريه و القبطيه من جهه و فنون الايرانيين و العراقيين من جهه اخري.

و الذي جعل من الخط العربي ان يكون احد اشكال العباده، هي الروايات الكثيره المتوافره لدي المسلمين عامه، فقد روي عن الامام علي (ع) قوله (الخط الحسن يزيد الحق وضوحا).

كما روي القلقسندي (من كتب بسم الله الرحمن الرحيم،* فاحسنه احسن الله اليه). هذا بالاضافه الي ما ذكره الله في كتابه الحكيم عن القلم.





الخط و الزخرفه في العصر الاموي و العباسي

اعتني الامويون بالكتابه لادراكهم مكانتها في الترويج لخلافتهم، فقد اشتهر في وقتهم الخطاط ـ قطبه المحرر ـ و هو الذي بدا بتحويل الخط الكوفي،* و اوجد خط الطومار و قيل انه او جد خط الجليل و الثلث و الثلثين، و يعتبر ايضا كاتب المصاحف الاول للامويين و هناك خطاطون آخرون لم ينالوا شهره امثال الخطاط (سعد) الذي كتب سوره (الشمس و ضحاها) بالذهب علي قبه مسجد النبي في المدينه و الخطاط (مالك بن دينار الفارسي).



اما هندسه الحروف العربيه و تجويدها في الفتره الاولي من العصر العباسي فهي تنسب الي رجلين من اهل الشام (الضحاك بن عجلان) و (اسحق بن حماد).

و في هذه العهد تعددت الاقلام العربيه حتي بلغت 12 قلما هي:

1) قلم الجليل 2) قلم السجلات 3) قلم الديباج 4) قلم الطومار الكبير 5)* قلم الثلثين 6) قلم الزنبور
7) قلم المفتح 8) قلم الحرم 9) قلم المؤامرات 10) قلم العهود 11) قلم القصص 12)* قلم الخرخاج. و يظل الوزير (ابو علي محمد بن حقله)* و اخوه ابو عبد الله الحسن بن مقله. خير من اجاد في الخط و تحريره، حيث يعتبر ابن مقله مهندس الحرف و عنه انتشر الخط في مشارق الارض و مغاربها فهو الذي ابتكر القوانين و القواعد لكل حرف من حروف الخط العربي، و هو الذي اطلق علي قلم النسخ اسم (البديع) و اجاد خطا عرف بـ(الدرج).

اما الزخرفه في زمن الامويين و العباسيين فكان للساسانيين و البيزنطينيين الاثر في تطويرها و نشاه الفن الاسلامي.





بدا المسلمون يتحركون ببطء للحصول علي تلك العناصر الزخرفيه التي اختاروها من تراث الامم القديمه، و بسبب من الابتعاد الزمني الكبير ازداد ابتعاد المسلمين عن تلك المصادر. الفنان المسلم لم يبتكر وحدات زخرفيه جديده بل استغل ما وجد بين يديه من وحدات من الفنون السابقه علي الاسلام،* الا انه رتب هذه الوحدات ترتيبا غير مسبوق ولاءهم بينها بطريقه مبتكره، و نسق بين اجزائها تنسيقا جعلها تبدو وكانها اختراع جديد و هي في حقيقتها كذلك، فجمع الوحدات القديمه و صهرها في بوتقته، و سلط عليها اشعه عبقريته فخرجت من بين يديه شيئا جديدا .. انه لم يبتكر في باديء الامر وحدات و لوحات نباتيه او حيوانيه،* بل رسم الازهار و الاشجار و الاوراق، *و قد تالقت تلك الزخرفه في قتصر الخضراء و في الجامع الاموي بدمشق في مستهل الحكم الاموي.



اما العمائر و من بينها قبه الصخره فقد شيدت بزخارف الفسيفساء التي تزين الكثير من جدرانها. و قوام هذه الزخارف الاشجار المختلفه و الفاكهه المتنوعه و الاواني التي تخرج منها الفروع النباتيه و رسوم الاهله و النجوم.

كما انشيء في زمن الامويين قصر المشني و لعل اهم اجزاء هذا القصر هو الواجهه الرئيسيه لما تحفل به من زخارف رائعه من الحجر الجيري الغائر، و يمكن تقسيم زخارف واجهه القصر الي قسمين: الاول و يشمل المثلثات التي توجد علي يسار المدخل، و فيها تظهر زخارف من اشكال الحيونات و الطيور و الاشكال الآدميه، صيغت وسط تفريعات من سيقان العنب، و اشتقت اشكالها من الفن المسيحي السوري. اما القسم الثاني فيشمل المثلثات التي توجد علي يمين المدخل، و لا يظهر من زخارف هذه المجموعه اثر لاشكال الكائنات الحيه، كما ان تفريعات سيقان العنب صيغت بطريقه جديده، مستنده علي الاساليب القديمه في بلاد الشرق. و يلاحظ تجنب نحات المجموعه الاخيره، الابقاء علي المسطحات الحجريه الكبيره، امعانا في ايضاح التاثر الزخرفي عن طريق الضوء و الظل، بحيث تبدو المنحوتات وكانها مفرعه.

و ظلت الاساليب الاوليه مستمره حتي الحقبه الاولي من العصر العباسي، و هذا ما يلاحظ علي قصور و بيوتات العباسيين، اذ وجدت في المساكن الخاصه نقوش بارزه من الجص كانت اسفل الجدران المصنوعه من الطين، و كذلك اطر الابواب و احيانا الاخاريز،* و السقوف كانت من الخشب المحفور و المدهون.





روعه الزخرفه تظهر في بغداد التي بناها المنصور، فقد جمع هذا الخليفه العباسي مهره رجال الفن و الصناعه من سوريا و ايران و الموصل و الكوفه و واسط و البصره، و قد اتبع هذا التقليد في بناء مدينه سامراء ايضا، و يعتبر العصر العباسي من اروع العصور في مجال الزخرفه بسبب كثره الاتجاهات الفنيه التي سادته خاصه في زمن الخليفه المعتصم الذي بني مدينه سامراء، فقد تميزت في سامراء ثلاث مراحل مرت فيها الزخارف الجصيه.

يتضح من المجموعتين الثانيه و الثالثه ان الزخارف حفرت علي الجدران نفسها، او علي حشوات جصيه منفصله ثبتت بعد ذلك علي الجدران، اما في المجموعه الاولي فقد صبت الزخارف في قوالب. و يمكن اعتبار اسلوب المجموعه الثالثه اقدم هذه الاساليب جمعيا. و تتكون زخارفها من تفريعات العنب و كيزان الصنوبر و المراوح النخليه و اشكال الزهريات داخل تقسيمات هندسيه و زخارف سداسيه الفصوص. و الفنانون ابتكروا اشكالا جديده ذات مظهر زخرفي رائع.

و من الخصائص المميزه للزخرفه في العصر العباسي اختلاف عمق الحفر الذي نري فيه امثلته في منبر خشبي هام بمسجد القيروان،* و في حشوه خشبيه.



الزخرفه من خلال الحرف

عرفت بعض الحضارات السالفه الزخارف، غير ان الفنان المسلم من خلال استعماله للآيات القرآنيه كوسيله تعليميه و عباديه، زين بها المساجد كونها محطه ارتياد المسلم ثلاث مرات يوميا علي الاقل،* و من جانب آخر تزين المساجد بآيات القرآن حفاظا لها من النسيان و تعويد عيون المسلمين علي النظر اليها و قراءتها باستمرار.

فقد ادرك الفنان المسلم ان الخط العربي يتصف بالخصائص التي تجعل منه عنصرا زخرفيا طبيعيا، يحقق الاهداف الفنيه، و كثيرا ما استعمل الخط استعمالا زخرفيا بحتا دون الاهتمام بالمضمون المكتوب و استعلمت اشرطه الكتابه علي التحف المختلفه، و علي العمائر تحت السقف لربط المستويات الراسيه بالمستويات الافقيه او بالقبه.

الفنانون المصريون في العصر الفاطمي استعملوا الخط التزييني و اعتبروا الخط الكوفي عنصرا زخرفيا. و قد ظهر ذلك علي الرخام و الخشب و علي السقوف. و الكتابه الكوفيه غنيه الاشكال. و ظل هذا الفن مستعملا في المنشآت المعماريه و علي المسكوكات النقديه، حتي القرن الثاني عشر حيث ظهر الخط اللين ليحل محله في الزخرفه. و عالج المزخرف هذه التفريعات بتغطيه الفراغ بعناصر نباتيه. كما ابتكر الخطاطون كتابه العبارات بالخط الكوفي المربع او الكوفي المتداخل لتبدو علي شكل حيوان او طائر.

و المعروف ان للخطاطين المنزله الاولي بين الفنانين، فالخطاط هو الذي يحدد الفراغات التي يملاها الرسام بالصور التوضيحيه لتزيين الكتاب.

ظلت الزخرفه الكتابيه وحده محافظه علي شكلها القديم في مختلف البلدان، كاستعمال الحروف الكوفيه الطيعه المائله في نقوش الابنيه و مشاهد القبور.

و بقي الخط الكوفي مفصلا في الكتابه الزخرفيه مع تحرير الجمود الهيراطيقي الذي ساد العصر الاموي.

و للزخرفه المقصود بها التحليه اثر كبير و ملحوظ في صناعه الخزف في سمرقند.



الاهتمام بكتابه المصاحف و زخرفتها

من اجل الحفاظ علي آيات القرآن الكريم من الضياع و النسيان اعتني المسلمون بكتابه القرآن بانواع الخطوط المختلفه، فكتبوه علي صفائح من الذهب و الفضه و علي صفائح من العاج و طرزوا آياته بالذهب و الفضه علي الحرير و الديباج، و زينوا بها محافلهم و منازلهم، و نقشوها علي الجدران في المساجد و المكاتب و المجالس العامه.

رسموا بكل الخطوط علي كل اصناف الجلود و الاوراق بالادراج و الكراريس و الرقاع باصناف المداد و الوانه و ملؤوا بين جمل الكلام بالذهب.








و طبيعي ان تكون كتابه المصحف او الميادين التي عمل فيها لا خطاطون و المذهبون، و قد كانت العنايه الفائقه بالخط سببا في تطويره علي يد خطاطين تفننوا في تجميل حروفه و تقويسها و مدها، و زخرفه رؤوسها و ذيلوها بالاوراق و الازها ر و السيقان، حتي انفرد الفن الاسلامي من بين الفنون اجمع بالخط الزخرفي الذي استعمل في اوسع نطاق.

و لم يقتصر التفنن علي تجميل المصاحف و زخرفتها بل حفظ المسلمون في كتبهم تاريخا مجيدا لصناعه التصوير الملونه. و من اقدم الكتب التي زوقها المسلمون من غير القرآن هي الكتب الادبيه و في مقدمتها كتاب كليله و دمنه لابن المقفع .. و كتاب مقامات الحريري .. و كتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني.