التجربة النحتية في المملكة العربية السعودية :

الفن جزء لا يتجزأ من تاريخ الإنسان ، وثقافته وتراثه ، ولعلنا نجد في العديد من المتاحف العالمية مدى أهمية الفنون في حفظ التاريخ ، وفي قديم الزمان قبل معرفة الإنسان العديد من الأدوات المساندة للعمل الفني أو النفعي ، كان يعتمد على مكنوزات الأرض ، مثل الحجر والحديد ، ليرسم بها خرائطه وحاجاته ، لقد أفرزت الحاجة للنحت على الحجر في الزمان الماضي على الكهوف والمغارات وسفوح الجبال وكذلك المنحوتات الصخرية كما نجدها في العديد من المتاحف للدلالة على فترة من الحقب الزمكانية ، والنحت من هذه الفنون التي عرفت منذ قديم الزمان للحاجة الماسة لمظاهر الحياة العامة ، وفي العصور القديمة استخدم الإنسان البدائي كافة أنواع النحت بغــية منه في تحقيق المتطلبات اليومية ، وتطور النحت ليكون من مظاهر القيم الجمالية لا النفعية ، فمن خلال الآثار المكتشفة في الجزيرة العربية ( مثالاً ) تدل على وجود العمل النحتي منذ فجر التاريخ ، وفي جزيرة تاروت تحديداً عثر على العديد من الأعمال النحتية والتي أشهرها تمثال آلهة عشتار الذي يحتفظ به في متحف الرياض ( متحف الملك عبد العزيز التاريخي ) وكذلك العديد من الأعمال المكتشفة في الأماكن التاريخية في الأماكن التاريخية المنتشرة في المملكة ، من هنا يتأكد أن المملكة تتفاعل إيجابياً مع حضارات العالم ، حضارة عشتار وحضارة الفينيقيين وغيرها من الحضارات التي شكلت صورة وجوده الحضاري في المملكة ، ولاشك أن الفنان السعودي قد وقف كثيراً عند هذه الحضارة وتأملها ، ونهل من معطياتها ، وفي منطقة الدوادمي من المملكة العربية السعودية حيث يوجد مناخ خصب للعمل النحتي ، برزت عدة تجارب في النحت ، وأدركت جيداً أن النحت في هذا الزمان يختلف عما سبقه من أعمال نحتية سوأً عربية أو عالمية ، وهذا راجع لقناعات كثيرة ، منها تمرير عرض هذه الأعمال ، فوجدت أن الفن التجريدي هو الطريق الوحيد لمزاولة النحت ، وقد برز في هذا المجال الفنان علي الطخيس الذي حرض العديد من الراغبين في مزاولة هذا العمل في الخوض في غماره ، والفنان سعود الدريبي والفنان عبد العزيز الرويضان ومن المدينة المنورة نبيل النجدي وبعد مضي سنوات من العمل المضني برزت أسماء في هذا العمل ، من الطائف الفنان محمد الثقفي ، ومن القطيف كمال المعلم وعماد العلوان ومهدية آل طالب ورضية الأخضر، ومن الرياض عبد الرحمن العجلان وأسماء أخرى في أرجاء المملكة قلة .
تعد التجربة النحتية في المملكة حديثة العهد لاعتبارات كثيرة ، كان أهمها تحريم رجال الدين لممارسة هذا النوع من الفن ، وعدم قبول المجتمع لفن النحت خوفاً من الوصول لحالة التجسيد الحي للخلق ، وعدم وجود أكاديميات لتعليم الفنون الجميلة ، وقد استطاع هؤلاء الفنانين كسر هذا الرضوخ بعمل منحوتات بعيدة عن المفهوم السائد عن النحت المجسد للشخوص ، وكانوا أذكياء في التعامل مع الحجر والرخام بتحويل هذه القطع لمنحوتات مجردة ، يغلب عليها الزخرفة الهندسية والشعبية ، وأحياناً التجريد المختزل لشخوص لايمكن أن يتفهمها إلا من يعرف أسرار الفن التشكيلي .
وتعتبر تجربة الفنان سعود الدريبي من أبرز التجارب المحلية في معطياتها الفنية ، وجرأته في الطرح ، وقد تناول العديد من الأعمال ، منها ماهو مجرد ومنها ما هو واقعي بروح عصرية ، يمتزج فيها الفرح والألم ، والحلم والواقع ، والرمزية والتجريد ، ويتفرد الدريبي بالريادة في إبداعاته الفنية التي يتضمنها شحنات من التعبير الانفعالي من خلال إيقاعات رمزية متدفقة ، أما الفنان عماد العلوان الذي يتميز عن غيره بالخامة ، فقد اختار الخشب ليجسد بها عالمه الخيالي ، الممزوج بالفنتازيا ، ويبتعد الفنان عماد عن صالات العرض وهو مقل جداً من المشاركات لعدم اندماجه بالمجتمع التشكيلي ، ولو أتيحت له البيئة الخصبة لمزاولة العمل النحتي لأصبح من أهم الفنانين العرب في مجال النحت على الخشب ، أما الفنانة رضية الأخضر التي تنهج الحلم في الصياغة والتركيب ، حلم ما وراء الواقع ، على أن يكون هذا الخيال ممزوج بقدرة إبداعية غير طبيعية ، دافعها الرغبة في تحقيق حلمها بأن تكون فنانة شاملة في شتى ميادين الفن ، تعد تجربتها محدودة بقليل من الأعمال ، لكنها طموحة لحد أنها من الممكن أن تفاجئنا بمعرض خاص بالنحت وتبقى هذه المحاولات محسوبة للفن السعودي ، الذي يخطو خطوات جميلة نحو الرقي بمفهوم التقدم الفني .



عبد العظيم محمد الضامن
المنطقة الشرقية
فـنــان تشــكـيلي
www.dhamenart.com