النقد الفني في المملكة العربية السعوددية

يعتبر النقد الفني Art criticism أحد العناصر المؤثرة في الفنون التشكيلية، وهو يهتم بالحديث أو الكتابة عن مختلف أنواع الفنون، من خلال وصفها وتفسيرها وتحليلها وتقييمها، وذلك بغرض توضيحها وتقريبها إلى الجمهور المتلقي للفن، بواسطة وسائل الإعلام المتوفرة ومنها الصحافة. وتقوم بعض الصحف بنشر صفحات فنية متخصصة يرجى منها أن تعمل على إشاعة الذوق الفني ونشر الوعي بالفنون التشكيلية بين المواطنين. ويسد نشر هذه الصفحات الفنية وما تحتويه من كتابات، الفراغ الناتج عن عدم وجود دوريات متخصصة في الفن التشكيلي. ولكن يندر وجود النقاد المتخصصين الذين يكتبون عن الفنون التشكيلية. ويقوم بالكتابة النقدية عن الفنون التشكيلية في الصحافة. وخصوصاً في هذه الصفحات الفنية مجموعة من الكتاب والفنانين وهواة الفن التشكيلي، الذين يسدون بعملهم هذا النقص ويملئون الفراغ ويساهمون في دفع وتشجيع الحركة التشكيلية السعودية.
وتعتبر الكتابة النقـدية في الصحافة مهمة صعبة، إذ ينبغي أن يتحلى كاتب المقال النقدي بقدر عال من المعرفة في مجالات عدة مثل: تاريخ النقد الفني، وتاريخ الفن، وعلم الجمال، وأن يكون مطلعاً ومتواصلاً مع المنجزات الفنية المعاصرة محلياً وعالمياً، وأن يتعرف على كل جديد في الخامات والممارسات الفنية والتطورات الحاصلة في المجالات الفكرية الأخرى. وأن يكون كذلك قادراً على صياغة أفكاره بلغة أدبية رفيعة. هذا بالإضافة إلى درايته بالنقد الفني، ومفهومه، وقواعده، ومناهجه، وأصوله، وخطواته، ووظائفه، ودوره في المجتمع. إن امتلاك الناقد لكل هذه المقومات، بالإضافة إلى مواظبته على زيارة المعارض التشكيلية والمتاحف، يمكنه من تحليل ووصف وتفسير الأعمال الفنية ومن ثم إصدار أحكام على قيمتها، الأمر الذي يجعل قارئ المقال النقدي أكثر قدرة على فهم العمل الفني وأكثر إدراكاً لقيمته.
ويتضمن النقد الفني الوصف (Describing)، والتفسير (Interpreting)، والتقييم (Evaluating)، و التنظير (Theorizing) حول فلسفة العمل الفني، بغرض زيادة فهم وتقدير الفن ودوره في المجتمع. كما يشمل النقد الفني استعمال العبارات اللغوية والأفكار الذاتية للكتابة والتحدث عن الفن… وتكون نظرة النقاد إلى الأعمال الفنية من واقع تفاعلهم معها، الأمر الذي يجعلهم يسألون أسئلة أساسية حول " ماهية العمل الفني (إدراك ووصف Perception and Describtion)، ومعناه (تحليل وتفسير Analysis and Interpretation)، والقيمة التي يستحقها (إصدار الحكم Judgment)، ثم يناقشون طبيعة الفن (التنظير Theory)." ويعرض النقاد وجهات نظر متنوعة وواسعة النطاق حول وظيفة النقد الفني ومن أبرز هؤلاء أستاذ الفن هاري برودي Harry Broudy الذي يلخص هذه الأغراض بقوله: "يوضح النقد الفني أسباب إعجابنا بالعمل الفني.".
والنقد الفني هو التذوق (Art Appreciation) في أعلى مستوياته. ودور الناقد في تحديد أسلوبه النقدي هو في هذا المجال أن يربط بين المدارس والتيارات ويحدد المصادر والأصول ويعين خصائص كل اتجاه ويقارنه بالواقع أو بالقواعد الكلاسيكية أو بالفلسفات الشائعة. وللناقد دوراً ثانياً يتلخص في أنه دور تاريخي فهو يسترجع الاتجاهات والطرز ويتحدث عن تأثير الفن من حضارة ما على فن حضارة أخرى. أما الدور الثالث فهو دور إرشادي ليس كون الناقد معلماً ولكن في بعض المراحل يكون للناقد دور في تغذية اتجاه فني معين وتوجيهه وتشجيعه. والناقد الفني هو من يحاول تفسير وتوضيح العمل الفني، فقد يفسر معاني الرمز أو قد يتتبع البناء التشكيلي للعمل ويكشف عن دلالته التعبيرية وقد يصف من خلال ما تذوقه في العمل، التأثير الذي ينبغي أن يكون لهذا العمل على المشاهد. إن من أهم أغراض النقد، إيضاح العمل الفني ليفهمه الآخرين.
إن نشأة النقد الفني بمفهومه الحديث في الغرب لم تكن في أكاديميات الفنون، كما نشأ تاريخ الفن، بل كانت بدايته في الصحافة ووسائل الإعلام، التي كانت تقدم الأعمال الفنية إلى الجمهور. حيث يقوم نقاد متخصصون بتفسير تلك الأعمال ووصفها وتقييمها وعمل المراجعات النظرية الفلسفية لها. ولقد زادت الحاجة إلى النقد الفني في ظل التغيرات الحاصلة في المدارس الفنية الحديثة، وما صاحبها من غموض وتعقيد في بعض مفاهيمها وفلسفاتها. إذ لم تعد الأعمال الفنية تحاكي الصورة الواقعية كما كانت سابقاً، مما أدى إلى أن يلعب النقاد دوراً مهماً في مساعدة الناس لتحسين معرفتهم وفهمهـم للفـن المعاصـر وجعلهـم يتمكنـون من تذوق الفـن بصورة أحسن.
وفي الحركة الثقافية الفنية السعودية لم يكن النقد الفني موضع اهتمام الصحافة السعودية، التي لم يتجاوز عمرها الأربعين سنة، إلا خلال السنوات القليلة الأخيرة. حيث كانت الصحافة السعودية تهتم فقط بنشر الأخبار حول افتتاح المعارض الفنية من قبل شخصيات مهمة في المجتمع. وكان يقوم بكتابة هذه الأخبار مجموعة من الصحفيين العرب المتعاقدين مع المؤسسات الصحفية. وكانت هذه الصحف تقبل مشاركات بعض الفنانين ومعلمي التربية الفنية بنصوص عن الفن والقضايا الفنية مما زاد في اهتمام هذه الصحف بالفنون التشكيلية والكتابة عنها. ويظهر اهتمام الصحف السعودية الآن بالفنون التشكيلية في ما ينشر من صفحات متخصصة أسبوعية داخل أعدادها أو ضمن ملحق خاص، وتقدم هذه الصفحات أخباراً، وتقارير، وتحقيقات عن الفنون التشكيلية، بالإضافة إلى حوارات مع الفنانين، ومقالات متنوعة حول قضايا فنية محلية وعالمية، ومقالات في النقد الفني. هذه الصحف هي:
1- صحيفة البلاد.
2- صحيفة الجزيرة.
3- صحيفة عكاظ،
4- صحيفة المدينة.
5- صحيفة اليوم.
ورغم اهتمام الصحافة اليومية، وهي الأكثر انتشاراً بين المواطنين السعوديين، بالكتابة عن الفنون التشكيلية والنقد الفني، إلا أن كثيراً من الفنانين والمتابعين للحركة التشكيلية يرون أنه لا وجود للنقد الفني الجاد في هذه الصفحات التشكيلية. ويبدون استياءهم من ابتعاد الكتاب الأكاديميين عن النقد الفني. حيث يتجه بعض الكتاب إلى التجريح وإظهار العيوب في أعمال وتوجهات الفنانين ويكتبون عن أعمالهم الفنية بدون موضوعية أو ثقافة فنية. كما ويتجه البعض إلى كتابة تتصف بالسذاجة والسطحية التي يمكن وصفها بأنها دون المستوى الذي يفترض أن يكون عليه النقد الفني. ويرجع ذلك إلى ندرة الكتاب المتخصصين في مجال النقد الفني في المملكة.
ويكثر الجدل بين الفنانين والكتاب والأكاديميين حول هذه المشكلة ويتركز حول الطرق والأساليب المعاصرة في النقد الفني، وعدم وضوح المنهج المتبع في النقد المنشور في الصحافة المحلية، والخلفية الفكرية، والمفاهيم الفلسفية، التي يستند عليها هذا النقد. مما يدعوني إلى الكتابة حول هذا الموضوع .. وسوف يكون لي كتابات قادمة في هذا المجال إن شاء الله.

بقلم :
أ. طارق بكر قزاز ـ باحث في النقد الفني والجمالي ـ ماجستير تربية فنية - من جامعة أم القرى


========================
|64| لا حياة بالا فن |64|