لا تقولوا إنه معاق



لا تقل "إني معاقْ" ---- مُدَّ لي كفَّ الأخوّةْ
ستراني في السباقْ ---- أعبرُ الشوطَ بقوة
ما العمى أن تفقدَ العينُ الضياءْ ---- العمى أن تفقدَ النفسُ الأملْ
والذي يسمعُ أصوات الرجاءْ ---- لا يبالي إن عرَى السمعَ كللْ
رُبَّ طفلٍ مُقعَدٍ ليس يسيرْ ---- ذِكرهُ يسبحُ مابينَ الغيومْ
و أمانيْهِ إلى الشمس تطيرْ ---- ومراميهِ تناجيها النجومْ



المعاقون، أو ذوو الاحتياجات الخاصة: هم أشخاص يعانون من قصور في العقل أو الجسم أو النفس، ولا يستطيعون ممارسة بعض أعمالهم واكتساب طاقاتهم بشكل فعّال.

والمشكلة التي نحن بصدد الحديث عنها تكمن في "نظرة المجتمع إلى المعاق"..

فنجد الكثيرين ممن لا يراعون أبناءهم وإخوتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.. ولا تتعدى نظرتُهم الشفقةَ والعطف و التذمّرَ ولفتَ أنظارهم إلى قصورهم بسبب الإعاقة، متناسين أن الإعاقة قدَرٌ من الله وأن عليهم أن يرضَوه ولا يعترضوا عليه، ومتجاهلين أنهم معرَّضون للإعاقة في أي وقت..! وأنهم أناس مثلهم ولكنهم يفتقدون (حاسّةً ما).. فقط، وبدون تحفيزٍ لهم أو احترام أو توجيه أو تحبّب.. لتكون نظرة قاصرة محتاجة إلى توعية خاصة بحقوق المعاقين التي من أهمها العلاج والتعليم والنظر في حاجاتهم وقدراتهم الكامنة التي قد لا يملكها الإنسان الصحيح..

وفي تاريخنا الإسلامي، وعلى مر العصور السابقة.. حتى نصل إلى يومنا هذا؛ رأينا الكثير من المعاقين ممكن قدموا خدمات جليلة لمجتمعاتهم وللعالم أجمع..

وقد ضرب لنا الصحابي عمرو بن الجموح -رضي الله عنه- مثلاً إيمانيًّا رائعاً في ذلك، حين قال جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بدر يشكو أبناءه ويقول: (إن بَنيَّ يريدون أن يحبسوني عن الخروجِ معك إلى الجهاد، ووالله إني لأرجو أن أخطر بعرجتي هذه الجنة).. فما أجلّه من مثَل!

وقبل أن نتأمل ونتعلم من القصيدة التالية، نتذكر معاً القول المشهور: "ليس المعاقُ معاقَ الجسد؛ إنما المعاقُ معاقُ الفكر والخلُق"..
• • • • •

الحَقُّ أَنْ يَرْعاهُ أغلَى حُبِّنا
شِعْرُ: مُحَمَّد سَعْد دِيَاب


لا .. لا تَقُولُوا إِنَّهُ لَمُعَاقُ ---- كَلاَّ وَلا هُوَ وَالْقُنُوطُ رِفَاقُ
فَهُوَ الإرادة كَمْ تُزَلْزِلُ رِيحُهَا ---- صَخْرَ الطَّرِيقِ، أُوَارُهَا دَفَّاقُ
تَتَكَسَّرُ الأَهْوَالُ تَحْتَ صُمُودِهِ ---- وَلِرَعْدِ عَزْمَتِهِ الوَلُودِ مَذَاقُ
يَرْنُو إِلَى هَامِ الذُّرَا.. فِي رُوحِهِ ---- سَكَبَ الجَسَارَةَ بَيْرَقٌ خَفَّاقُ
وَيَصُوغُ مِن مَأْسَاتِهِ أُهْزُوجَهً ---- تَهْوَى العُلا هِيَ بَارِقٌ خَلاَّقُ
وَنَظُنُّ أَنَّ إِعَاقَةً حَاقَتْ بِهِ ---- سَتُمِيتُهُ وَعْدًا.. وَلاتَ لِحَاقُ
يَا بَئْسَنَا الرَّاؤُونَ مِحْنَةَ عُمْرِهِ ---- هِيَ هَكَذَا يُضْنِي يَدَيهْ وَثَاقُ
هُوَ شَامِخٌ لا يَرْتَضِي مِن مُشْفِقٍ ---- عَطْفًا، لَكَمْ يُؤْذِيهِ ذَا الإِشْفَاقُ
هُوَ طَاقَةُ الإِصْرَارِ لا شَطٌّ لَهَا ---- هُوَ جَذْوَةٌ فَاضَتْ بِهَا الأَحْدَاقُ
يَسْتَبْدِلُ الْيَأْسَ الْمَرِيرَ تَفَاؤُلاً ---- سَمْحًا، وَمِلءُ أَكُفِّهِ الإِشْرَاقُ
كَمْ نَابِغٍ حَفِلَ الرُّوَاةُ بِذِكْرِهِ ---- وَهُوَ الْمُعَاقُ.. فَإِذْ بِهِ الْعِمْلاقُ
حَفَرَ اسْمَهُ حَفْرًا، فَضَاءَ بِرَسْمِهِ ---- تَارِيخُ دُنْيَا، هَامَتِ الآفَاقُ
كَمْ مِنْ مُعَاقٍ كَانَ وَاحِدَ عَصْرِهِ ---- زَانَ الشُّمُوسَ بَهَاؤُهُ الرَّقْرَاقُ
مِنْهُمْ أَتَى الْعُلَمَاءُ، مِنْهُمْ قَادَةٌ، ---- مِنْهُمْ ثِقَاتٌ بَحْرُهُمْ صَفَّاقُ
تَاهَ الْوُجُودُ بِهِمْ وَسَطَّرَ نُورَهُمْ ---- زَهْوًا، فَهُمْ رَيْحَانُهُ الْعَبَّاقُ
أَنَّى الْتَفَتْنَا فَالشَّوَاهِدُ ثَرَّةٌ ---- لِفَيَالِقٍ إِنْجَازُهُا سَبَّاقُ
وَشَمُوا جَبِينَ الْبَدْرِ فَجْرًا صَادِحًا، ---- غَرَسُوا السَّنَا.. فَإِذَا الدُّنَا إِبْرَاقُ
هُوَ هَذِهِ الأَمْجَادُ.. هَلْ مِنْ عَاهَةٍ ---- قَدْ كَبَّلَتْهُ خُطًى فَقِيلَ مُعَاقُ؟!
الْحَقُّ أَنْ يَرْعَاهُ أَغْلَى حُبِّنَا .. ---- أَنَّى مَشَى حَفَّتْ بِهِ الأَشْوَاقُ


المصدر: مجلة الفيصل – عدد (223) شهر 1 / 1416هـ

إعداد وكتابة فنان هجر.