ورث الغزاة المسلمون فيما ورثوه عن أهل البلاد التي أخضعوها لسلطانهم، تقاليدهم الفنية، و أساليبهم الصناعية، إذا تخذوا الفنانين من أهل هذه البلاد الصناعية، لأنهم جاءوا إلي هذه البلاد و هم فارغو الأيدي من التقاليد الفنية خاوو الوفاض من الأساليب الصناعية الناضجة.
و لهذا ظهرت العناصر الزخرفية التي نعرفها عن فنون تلك البلاد قبل خضوعها للحكم الإسلامي في منتجاتها الفنية بعد الفتح الإسلامي، وأستمر ظهور تلك العناصر ردحا من الزمن إلي أن تمكن المسلمون من تكوين فن إسلامي خاص يهم، و هو و إن كان في مجموعة ـ من حيث العناصر و الأساليب ـ مستمدا من الفنون السابقة للإسلام ، في الأقطار الّتي خضعت للمسلمين ، إلا أنه اكتسب صفات خاصة، أصبحت ذاتية له.
و تسمي هذه الفترة السابقة علي تكوين الفن الإسلامي ـ و التي تسود في منتجاتها العناصر الزخرفية، للأقطار المفتوحة قبل الفتح الإسلامي ـ بفترة الانتقال و هي تلك الفترة التي نجد الفنان فيها حائرا بين تقاليده التي ورثها عن آباءه و أجداده و بين الأساليب أو الأفكار و الاتجاهات الجديدة التي جاءت مع الغزاة الفاتحين،
أيهما يتبع، و لهذا نجد المنتجات الفنية في هذه الفترة تجمع بين التقاليد الفنية القديمة و الأساليب الجديدة.
و فترة الانتقال هذه فيما يتعلق بزخرفة الأخشاب في مصر قد استمرت من الفتح الإسلامي حتى العصر الطولوني. و نشاهد في القطع الخشبية التي وصلت إلينا من هذه الفترة، استمرار الأساليب الصناعية و العناصر الزخرفية، التي و رثها المسمون عن الفن القبطي. فنجدهم يستعملون في زخرفة الأخشاب الحفر و التطعيم و يزخرفون الأخشاب بالعناصر الحيوانية و النباتية مثل الطيور و الأسماك و العنب بعناقيده و أوراقه و الرسوم الهندسية مثل الدوائر المتداخلة و العقود المتشابكة والمستطيلات الصغيرة المفرغة و الموضوعات الزخرفية المجنحة الساسانية الأصل.
غير أن العناصر الحيوانية و الآدمية، كانت في الغالب محلا للاعتراض و الاحتجاج من المسلمين و بخاصة رجال الدين منهم، لأن الدين الإسلامي يكره التصوير، و لأن كثيرا من هذه الرسوم كانت له صفة دينية، إما صفة واضحة مثل رسوم المسيح و رجال الكنيسة، و إما صفة رمزية، مثل العنب و السمك و الحمام، و لهذا يندر ظهور مثل هذه العناصر. و لا تجد أثرا للرسوم الآدمية في فترة الانتقال في حين أننا نجد الرسوم النباتية و الحيوانية، ولكن أغلب ما ظهر منها خضع للتهذيب و التحوير. أي البعد به عن أصوله الطبيعية. و يجب أن نقول إن أوامر الدين الإسلامي بخصوص التصوير، لم تتبع في مختلف العصور و ي كل الأقطار، كما سنري فيما بعد.
و هذا التهذيب أو التحوير هو الاتجاه الذي سار فيه المسلمون، و إن كانت حركة التهذيب و البعد بالعناصر عن أصولها الطبيعية قد ظهرت في الشرق في أوائل لعصر المسيحي نتيجة تأثير جاء من الهضبة الإيرانية، غير أن هذه الحركة كانت بطيئة السير، و لم يكن هناك من البواعث ما يدعو إلى السير فيها بجد، و هذا علي عكسي ما حدث بعد ظهور الإسلام، إذ كان للدين الإسلامي أثره الواضح في التعجيل بالوصول بها إلي أقصي درجات التحوير و التهذيب.
ولما كانت هذه الفكرة الجديدة غير مصوبة بتقاليد فنية تساعد الفنانين علي تحقيقها بالتجائهم إلي هذه التقاليد الجديدة بدلا من اعتمادهم علي تقاليدهم الموروثة، فقد طالت فترة الانتقال و لم تختلف زخرفة بعض القطع الخشبية التي و صلت إلينا من هذه الفترة عن مثيلاتها في العصر القبطي، و لو لا ظهور الخط الكوفي علي بعض هذه الفترة عن مثيلاتها في العصر القبطي، ولا لا ظهور الخط الكوفي علي بعض هذه القطع لما تردد أحد في نسبتها إلى الفن القبطي، والواقع أن ظهور الخط الكوفي علي القطع الخشية كان من الصفات البارزة و العوامل الأساسية التي ساعدتنا علي نسبه هذه القطع إلي فترة الانتقال.
و بقيام الدولة الطولونية يحدث تطور واضح في الأساليب الفنية و تغير ظاهر في العناصر الزخرفية، و نكاد لا نري أثرا للعناصر التي كانت سائدة في فترة الانتقال، و الحق أن الفنانين المصريين سواء أكانوا مسلمين أم قبطا، قد استبدلوا بعناصرهم الزخرفية، العناصر الجديدة المكونة من رسوم تخطيطية، و أشكال حلزونية، و أقراص صغيرة، و أشكال تشبه علامة الاستفهام أو الكلي أو حرف
() في الحروف اللاتينية، و بعض الأوراق النباتية، و بعض الحيوانات المحورة عن الطبيعة، كل أولئك العناصر، استخدام في إظهارها طريقة في الحفر جديدة، ألا وهي طرية الحفر المائل غائرا أو غير غائر.
و هذا الأسلوب الجديد صورة من أسلوب سامرا، حيث نشأ و ترعرع أحم ابن طولون، و شاهد ما كانت عليه سامرا من عظمة و أبهة و ازدهار فني، و مما يدعو إلي التساؤل عدم وجود مقدمات أو ممهدات أو فترة انتقال بمعني آخر، لهذا الأسلوب الجديد فيما وصل إلينا من تحف خشبية، و لعلنا نستطيع تفسير دلك إذا ما عرفنا أن الفن الإسلامي فمن ملكي، يعتمد علي تعضيد الحكام من السلاطين و الأمراء، و هذا يقتضي بالطبع أن تحوز المنتجات الفنية إعجاب هؤلاء الحكام، و هو ما دعا إلى اقتباس الأسلوب الجديد الذي ساعد علي انتشاره الصناع والفنانون، الذين جاءوا من سامرا إلي مصر بمجيء أحمد بن طولون إليها، و نستطيع أن نقول أن مصر شهدت في عهد الدولة الطولونيّ، أول مرحلة في تكوين فن إسلامي بها، إلا أنها لم تشمل كل الميادين الفنية.
و لم يحدث انقلاب فني في الأساليب أو العناصر بمجىء الفاطميين، إذ استمرت الأساليب الطولونية مستخدمة، و بخاصة في أوائل العصر الفاطمي مع تغير طفيف، و هو صغر مساحة العناصر الزخرفية في العصر الفاطمي عن العصر الطولوني، و تغير أسلوب الحفر إذ أصبح هنا عموديا بعد أن كان مائلا، و لعل الذي ساعد علي استمرا الأسلوب الطولوني هو معرفة الفاطميين لهذا الأسلوب العباسي الأصل أثناء وجودهم في شمال أفريقية قبل مجيئهم إلي مصر.
و تدلنا التحف الخشبية التي و صلت إلينا من العصر الفاطمي علي براعة المصريين في زخرفة الأخشاب بطريقة الحفر، و قد وصلت منتجاتهم إلي درجة كبيرة من الإتقان و التوفيق من حيث استخدام الرسوم الحيوانية كعناصر زخرفية، و تظهر هنا رسوم الأشخاص و الحيوانات و الطيور، و قد تمثل بعض هذه الرسوم مناظر من الحياة العامة كالرقص و الصيد، و رسوم القديسين و رجال الدين، كما هو موجود في بعض الكنائس القبطية، و نجمد بجانب هذه العناصر الحيوانية الرسوم النباتية، و الأشكال الحلزونيّ مرسومة في دقة و إتقان، و قرب من الطبيعة، و قد تحفر الرسوم علي مستويين مختلفين، و هو أسلوب بدل و لا شك عل براعة الفنان و مهارته.
و يطهر في أواخر العصر الفاطمي ميل إلي استخدام الأشكال الهندسية في زخرفة الأخشاب، فنجد المربعات و المعينات و المستطيلات و الأشكال النجمية، وكان سبيل الوصول إلي هذه الأشكال، هو استخدام حشوات صغيرة من الخشب يجمع بعضها بجانب بعض، للوصول إلي الشكل المطلوب، و هذه الحشوات الصغيرة مزخرفة في أغلب الحالات برسوم خطوط متشابكة دقيقة مع رسم وريقات العنب و حباته، ، و ساعد استخدام هذه الحشوات الصغيرة علي تجنب التشقق الذي يصيب الأخشاب الكبيرة المساحة.
و يزداد هذا الميل نحو الأشكال الهندسية و يبلغ درة عظيمة من الاتقان في العصر الأيوبي و المملوكي، فتتداخل هذه الأشكال بعضها في بعض، أو يوضع بعضها فوق بعض، أو توضع في تراكيب مختلفة، كل ذلك دون تأثير في القيمة الفنية للحشوات التي تكوّن هذه الأشكال، و لا نجد موضوعا رئيسياً من هذه الإشكال يلفت النظر إليه بوضوحه و ظهوره، بل أن العين تستطيع أن تكون عدة أشكال هندسية مختلفة من الزخرفة الواحدة، قد لا يكون الفنان قصد إظهارها، بل إنه أراد إظهار نوع معين منها، ولكن تقاطع الخطوط و تداخلها و توازيها، قد سمح بتكوين كل هذه الأشكال المتنوعة، التي يستطيع الناظر إلي التحفة أن يكونها لنفسه.
و من العناصر المشهورة عن العصر المملوكي الأطباق النجمية، و يتكون الطبق من حشوات صغيرة مجمعة بعضها إلي بعض بشك خاص، ينج عنه هذا الطبق المكون من عدة أطراف، و تدلنا زخارف هذه الحشوات علي منتهى الإبداع و الإتقان، و مدي البراعة التي وصل إليها الفنانون المصريون، في رسم و حفر الأفرع و الأوراق النباتية، التي تزين هذه الحشوات الصغيرة.


و تنتشر في العصر المملوكي زخرفة الأخشاب بالتطعيم، و ذلك بأن تحفر الرسوم في الخشب و يملأ الفراغ الناتج عن الحفر بالمادة المطعمة، كالعاج أو العظم أو الخشب النفيس، كما نجمد الترصيع، و هو أن يغطي سطح القطعة الخشبية بالفسيفساء من العاج أو العظم أو الخشب النفيس أيضاء، ولقد وصلت إلينا قطع خشبية مطعمة من فترة الانتقال، و الملاحظ أن هذه الطريقة لم يظهر لها أثر في العصر الفاطمي و لعل الصناع فضلوا عليها طرية الحفر.
و ثمة أسلوب آخر زاغ استعماله في العصر المملوكي، و كثر استخدامه في المنازل، ألا وهو الخشب المخروط، و كانت العيون تضيق و تتسع و تملا بالقطع الخشبية الأخرى، لتكوين الزخارف المراد إظهارها، و من بين هذه الزخارف المشكاوات و المنابر. و من أحسن الأمثلة لهذه الصناعة المشربيات، و هي التي تغطي الفتحات الموجودة بالجدران، و المطلة علي الشوارع، و كانت تستخدم أيضا لتبريد مياه الشرب مما دعا إلي تسميتها بالمشربية، كما كانت تغطي فتحات المقاعد المطلة علي القاعات الكبرى بالمنازل حيث تقام حفلات الاستقبال و اللهو و الطرب.
و إن اقتباس هذا النوع من الصناعة لتغطية الفتحات سواء المطل منها علي الخارج أو الداخل ليفي بالغرض المقصود من تحجب النساء و تمكينهن في الوقت نفسه من التطلع إلي خارج المنزل و المشاركة في الحفلات التي تقام بداخله، دون أن يتمكن أحد من رؤيتهن.
و من الأساليب التي استخدمت في زخرفة الأخشاب التلوين، و قد تلون الزخارف المحفورة مثل ما حدث في العصر الطولوني و الفاطمي و قد ترسم الزخارف بألوان مثلها نشاهد في أسقف مباني العصر المملوكي.
و يجب ألا ننسي الكتابة الخطية، فقد لعبت دوراً هاماً في الزخرفة، و ساعد علي ذلك صلاحية الخط العربي لهذا الغرض، و لم يقتصر الأمر علي نوع واحد من أنواع الخط و لكنه شمل الخط الكوفي البسيط في العصر الطولوني، و الخط الكوفي المزهر في العصر الفاطمي و الخط النسخي في العصر المملوكي؟
و في التراث الفكري للمسلمين ذخائر ثمينة مزوية ، لو أبرزت للناس لكان لها أثر بعيد في العلم و التوجيه ، و تحت هذا العنوان ننشر بعض ذلك..
...........منقول ..............