المفردة التشكيلية فى اللوحة الزخرفية والجدارية


تعد المفردة التشكيلية أحد أهم عناصر التصميم التى لعبت دورا بارزا فى الأعمال الفنية الزخرفية والجدارية عبر العصور ؛ فقد إستخدمها الفنان منذ العصور البدائية بصور ولأغراض متعددة ومختلفة ؛ وحملها بدلالات وفقا لمعتقدات وأهداف أراد إبرازها أو تحقيقها فى أعمالة الفنية ؛ وسوف نعرض دور المفردة التشكيلية من حيث دلالاتها وتطورها فى فنون بعض الحضارات السابقة ، التى إتسمت بظهور تصميمات زخرفية وجدارية إستخدمت فيها المفردة التشكيلية بصورة زخرفية واضحة داخل العمل الفنى ؛ بالإضافة لدراسة دورها فى الفن الحديث والمعاصر ، نظرا لأهمية البحث فى إطار دور المفردة التشكيلية داخل اللوحات الزخرفية والجدارية ـ بإعتبارها أحد أشكال التصميمات الزخرفية ـ وذلك لمعرفة مدى التطور الوظيفى للمفردة ودلالاتها للمساهمة فى الخروج بسماتها العامة داخل الأعمال الزخرفية ، بالإضافة إلى المساهمة فى التعرف على المداخل المختلفة التى إستخدمها الفنان فى بناء المفردة التشكيلية داخل الأعمال الزخرفية .

ومن الفنون والحضارات التى إتسمت بظهور مفردات تشكيلية متنوعة فى أعمالها الزخرفية والجدارية :

الفن البدائى:
حيث تعددت أشكال المفردات المستخدمة فى الأعمال الزخرفية فى الفن البدائى ، وبرغم الإختلاف النسبى فى أشكال المفردات فى الأعمال الزخرفية البدائية ، إلا أنه ظهر تكرار لبعض تلك المفردات فى أماكن مختلفة فى أوروبا وآسيا وإفريقيا حيث تكونت حضارات " الباليوليثك the Paleolithic "، ،" والنيوليثك the neolithic " وبرغم قلة أو إنعدام سبل الإتصال بين تلك المناطق فى ذلك الوقت إلا أن تشابه المفردات نتج عن وجود الطبيعة كمصدر لإستلهام الفنان البدائى ، بالإضافة إلى قوانين التماثل التى غلبت على معظم أعمال تلك المناطق المختلفة ،وقد بدأ ظهور المفردات الزخرفية فى الفن البدائى فى رسوم الكهوف وحفائر الأحجار والعظام فى الحقبة الأولى من العصر ( الباليوثين ) ، حيث ظهر فيها ميل الفنان البدائى لإستخدام أسلوب تجريد وتبسيط شكل المفردة ، وتكرارها فى إطارات أو نماذج إتسمت بالتماثل ،الذى يوضح تكرارات متتالية لمفردة .

كذلك فقد راعى تحقيق أسس التصميم وبناؤه وفق خطة بناء محددة حيث كرر الفنان رسم المفردات بصورة متماثلة مع تبسيط الشكل والتفاصيل ، وقد راعى تحقيق الترابط بين أجزاء التصميم ، أى أنه قام ببناء المفردة داخل العمل الفنى بصورة مكنته من تحقيق الوحدة ـ القيم الجمالية ـ والترابط بين الفكرة والبناء .

كما استخدم فى بناء اعماله اسلوب التكرار المتماثل للمفردة مع التغيير فى أوضاعها الحركية ، فقد قام الفنان بتكرار مفرادته مراعيا شكل وحدود المساحة المحددة للتصميم فصاغ المفردة بصورة مختلفة كما يتضح فى الرسم ، وقد صاغ الفنان تكرارات المفردة وفق بناء خطى منحنى ليعبر عن هذا المعنى من جانب ويتناسب مع شكل مساحة التصميم على الآنيه من جانب أخر ، إذن فقد صاغ الفنان مفرداته بحيث تحقق الجانب الوظيفى ممثلا فى التعبير عن الحركة الإنسانية فى مساحة محددة وتحقيق الجانب الجمالى ممثلا فى تحقيقها للإيقاع والوحدة من خلال عملية تكرار المفردة .

المفردة فى اللوحات الزخرفية والجدارية المصرية القديمة :

خضع الفن المصرى القديم لأسس عقائدية عمل الفنان فى إطارها ولخدمتها وكان للجانب الزخرفى بما يشتمل عليه من مفردات تشكيلية مستمدة من العقيدة والبيئة المحيطة وجود كبير داخل الفن الفرعونى وإلى جانب إهتمام الفنان بالتصوير والنحت كان هناك إهتمام بالفنون الزخرفية والجدارية التى دخلت فى كافة المجالات بدءا من زخرفة الجدران والسقوف بموضوعات ذات دلالات عقائدية إلى زخرفة الأوانى والأدوات المستخدمة فى الحياة اليومية بإستخدام مفردات متعددة بإسلوب زخرفى .
وحينما يرسم الفنان المصرى القديم مفردة تشكيلية تعبر عن سمكة نيلية فإنه يتناول شكل السمكة كمفردة بأساليب متنوعة لتعبر عن مدى التغير فى شكلها وفقا لدلالات كل رسم والهدف منة فإذا كان الفنان يهدف لعمل دراسة للسمكة لذا فقد كان رسمة لها للدلالة على التفاصيل الشكلية والتشريحية حيث تظهر تفاصيل الزعانف وتكويناتها الشوكية بدقة كما يهتم الفنان برسم فتحة الخياشيم وشكل الفم والعين بدقة بالغة كما ترى فى الطبيعة .أما فى أعمال أخرى فقد تطور شكل السمكة لتتوافق مع العمل الزخرفى الذى أراد الفنان تنفيذه ، ويلاحظ أن الفنان أبرز السمات والخصائص التى تميز هذا النوع من الأسماك بوضوح برغم إتجاهه لإلغاء التفاصيل حيث رسم الزعانف على سبيل المثال بخطوط هندسية مبسطة لكنها إتخذت نفس الشكل المثلث المسلوب الذى تتميز به ، كما أصبحت العين تمثل بشكل دائرى ، وإمتد خط الخياشيم ليفصل الرأس عن الجسم ، وكذلك فقد رسمت قشور السمك على شكل أنصاف دوائر متتالية ومتراكبة ، ومثل الفم بخط رفيع منحنى .
مما سبق يتضح أن إسلوب صياغة المفردات فى الأعمال الزخرفية والجدارية فى الفن الفرعونى إتسم بالميل إلى التبسيط والتلخيص بما لا يفقد المفردة سماتها المميزة ويتفق فى الوقت ذاته مع دلالات العمل الفنى ، وبناؤه ، وظيفتها داخله .


من محاضراتى فى تصميم اللوحات الزخرفية والجدارية بقسم التربية الفنية - بجامعة المنصورة