قراءة تحليلية لعناصر وأسس العمل الفني في رسومات الأطفال
د/عبد الله ظافر الشهري
استاذ مشارك – قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية – جامعة الملك سعود
المقدمـــة :
نتيجة للدراسات التي أجريت على مراحل نمو الأطفال في بدايات القرن العشرين، أصبح من الواضح أن تصنف رسومات الأطفال في مراحل متتابعة لها خصائصها التي تميزها عن بعضها البعض ، وهذه المراحل مرتبطة بالعمر الزمني للأطفال Chronological age والتي تبدأ تقريباً من عمر سنتين وحتى (18) سنه، أي من مرحلة التخطيط وحتى مرحلة المراهقة .
فالطفل يبدأ التخطيط من سن سنتين تقريباً ثم ينتقل إلى تمثيل الأشكال في حدود السنة الرابعة ، وفي سن السادسة تقريباً يبدأ بإستخدام الرموز ليعبر عن الأشياء من حوله ، وفي سن العاشرة تقريباً يحاول الطفل أن يكون واقعياً في رسوماته ولكنه يبقى رمزياً ومن سن الثانية عشرة يكون أكثر واقعية ويهتم بالرؤية البصرية للأشياء ويحاول تمثيل التفاصيل الدقيقة للأجسام وبنهاية سن الرابعة عشرة يكون الطفل قد أنهى فعلياً مراحل رسوم الأطفال حتى أن التلاميذ البالغين وحتى سن الثامنة عشرة عندما يرسمون فإن رسوماتهم تماثل رسومات الأطفال في مرحلة التعبير الواقعي من سن 12 –14 سنة ، ولكن البالغين بعد سن الرابعة عشر يعبرون عن اهتمام حقيقي بالفن البصري وبتطوير مهاراتهم الفنية (1 ،
37 –42) .
ومن الملاحظات العامة على رسومات الأطفال ما يلي :
1-ليس للعوامل الاجتماعية والاقتصادية تأثير كبير على رسومات الأطفال في المراحل المبكرة ،كما أن رسومات الأولاد والبنات تتشابه في هذه المرحلة .
2-يميل الأطفال في المراحل الأولى في رسوماتهم إلى استخدام أقلام الرصاص وألوان الباستل والألوان الشمعية أكثر من استخدام الفرشاة والألوان الزيتية أو المائية لأنها أسهل في التحكم بها ، وبالتالي فإنهم يظهرون نوع من التقدم في استخدامها .
3-ينبغي ملاحظة أن هناك تداخل بين المراحل ، وقد تظهر خصائص مرحلتين في رسم واحد ، كما أن الطفل قد ينتكس إلى مرحلة سابقة قبل أن يتقدم إلى المرحلة اللاحقة .
4-من غير المرجح أن ينتقل الطفل فنياً إلى المرحلة التالية إذا لم تُقدم له التعليمات والثقافة اللازمة ، إذا أن التقدم والتطور في رسومات الأطفال لايكون بصورة عمومية (2 Introduction : )
ومن الملاحظ أن الطفل في مرحلة التعبير الواقعي والمراهقة يميل إلى الابتعاد عن ممارسة العمل الفني ، لأنه يصبح في هذه المرحلة أكثر حساسية ونقداً لما يرسمه وعادة ما يحاول تشبيه رسمه برسومات الكبار ، إذ أنه يعتقد أن ما يستحق أن يسمى فناً هو ما يرسمه الكبار مماثلاً للواقع ،ولذلك نجد أن الطفل في هذه المرحلة والمرحلة التي تليها وهي مرحلة المراهقة يحاول تقليد رسومات الكبار والنقل منها والإبتعاد عن التعبير والإبداع الذاتي ، ولذلك كان لزاماً على المربين أن يعملوا على تجنيب الأطفال هذه الانتكاسة في ممارستهم للعمل الفني ،ويمكن ذلك بإتباع الخطوات التالية : -
1-عرض بعض الاعمال الفنية لفنانين من مدارس مختلفة واقعية وتجريدية .. وتشجيع الأطفال على التعبير عن ذواتهم من خلال رؤيتهم الخاصة للعالم من حولهم وإعلامهم أن الرسم ليس فقط نقلاً من الواقع كما هو .
2-على معلميّ التربية الفنية إتاحة الفرصة أمام التلاميذ للتعبير البصري والتعبير الذاتي الخيالي ، مع إظهار الاحترام والتقدير لكلا الإسلوبين في رسومات الأطفال.
3-تشجيع ومساعدة التلاميذ على ممارسة العمل الفني وتوفير كافة الإمكانات والخامات والادوات . ( 3Summary : )
4-تشجيع التلاميذ على ممارسة الأعمال الفنية اليدوية ( التطبيقية ) كأشغال الخزف وأشغال الخشب وأشغال المعادن .. منفردين أو في شكل مجموعات .
ومما لاشك فيه أن رسومات الأطفال تحتوي على معان عميقة فقد أوضحت الطالبه إيمان الكعبي في دراسة أعدتها في قسم التربية الفنية بجامعة قطر أن من شأن رسومات الأطفال أن توضح الأسباب والدوافع التي تقف خلف قيام طفل ما بعمل فني ما وبالتالي فإنه يمكن استخدام هذه الرسومات في تحقيق جوانب صحية أفضل له وحل مشكلاته النفسية(4) . وحتى نستطيع أن نقرأ ونفسر رسومات الأطفال لابد من أن ننظر إلى عناصر وأسس العمل الفني في رسوماتهم .إن عناصر العمل الفنيElements هي الخصائص البصرية للعمل الفني وهي : الخط واللون والشكل وملامس السطوح والقيمة والفراغ في حين أن أسس العمل الفني Principles وهي : التوازن والحركة والتكرار والتباين والتكوين ، هي الأسلوب الذي يتم به استخدام وجمع عناصر العمل الفني للحصول على التأثير المرغوب ، إن تنظيم العناصر والأسس في فراغ الصفحة يسمى ( تصميم ) العمل الفني (5) . إن الطفل الذي يرسم في زاوية صغيرة من الصفحة يمكن أن يكون مضطهداً في البيت أو المدرسة ، كما أن الأشكال غير الملونه أو الرموز داخل أشكال ملونه قد تعطي دليلاً على أن الطفل يشعر بالخوف من شئ ما، كما أن تفضيل الطفل للألوان السوداء والبيضاء والرمادية قد تشير إلى وجود مشكلة في حياته تحتاج إلى حل ، كذلك فإن وضع الطفل لخطوط سوداء على عمله الفني قد يعني أنه يريد مسحه أو لايريد أحداً أن يراه ، وإذا فعل ذلك أثناء حديث الاستاذ فقد يعني ذلك أن الحديث مؤلم بالنسبة له ، وفي كلا الحالتين فقد تتمزق الورقة بين يديه أو قد ينكسر القلم بين أصابعه من شدة الضغط عليه . وعموماً فإننا كمربين لايمكن اعتبار مثل هذه الرموز من مرة واحدة وإنما لابد من ملاحظتها بشكل متكرر ولفترة زمنية لاتقل عن ستة أشهر (6) . إن جوهر العمل الفني عند الأطفال وكذلك البالغين يعتمد على استحضار الصور الذهنية ومعالجتها داخل العقل لتمكننا في النهاية من اكتشاف افكار واحتمالات جديدة . إن هذه المهارة موجودة لدى الصغار والكبار على حد سواء ، وبالتالي فإن الخطوة التالية لمعالجة هذه الصور والخيالات في الذهن هي تسجيلها على شكل رسومات (7) .

مشكلة البحث :
تتمثل مشكلة البحث في أنه من خلال التعبير الفني للأطفال في مراحل التعليم العام يمكن ادراك ارتباط الطفل ببيئته ومدى تفاعله معها والكشف عن شخصيته وتأثير ذلك على ماضي الطفل وحاضره بل ومستقبله . ومن خلال قراءتنا لعناصر وأسس العمل الفني في رسومات الأطفال يمكننا التعرف على عدد غير محدود من العوامل النفسية التي تتداخل في رسوماتهم وتتضح في اهتماماتهم ، إن تركيز الأطفال على بعض العناصر والأسس الفنية قد تبين مدى شغفهم وحبهم لممارسة الرسم أو دوافعهم للرسم أو مشكلاتهم الإنفعالية أو مقدار توافقهم الإجتماعي ورغباتهم الدفينة . والحقيقة أن رسوم الأطفال عبارة عن نشاط فني معقد لايعكس فقط ارتقاء مفاهيم الطفل ، ولكنه يتضمن كثيراً من الجوانب الانفعالية والمزاجية ويؤدي النظر إلى الرسوم بوضعها نشاط معرفي فقط إلى فهم ناقص أو متحيز على أقل تقدير (8 ، 96 – 97 )
أهمية البحث :
ترجع أهمية البحث إلى أنه يرتبط بالنشاط والتعبير الفني للتلاميذ في مراحل التعليم العام من سن 6 سنوات وحتى 18 سنه تقريباً والتي فيها تتفاوت أساليب وخصائص رسوم الأطفال وبالتالي فإن هذا البحث يعطينا الفرصة لقراءة وتحليل عناصر وأسس العمل الفني في رسوماتهم حتى نكون أكثر فهماً لما يقومون بالتعبير عنه في الموضوعات المختلفة .
هدف البحث :
يهدف هذا البحث إلى قراءة وتحليل عناصر وأسس العمل والفني في رسومات الأطفال وذلك بغية التحقق من معاني ودلالات هذه العناصر والأسس الفنية في رسوماتهم وصولاً إلى فهم أكبر لتعبيراتهم الفنية .
منهج البحث :
يقوم الباحث باتباع المنهج الوصفي ( تحليل المحتوى ) (9) وذلك من خلال قراءة تحليلية لعناصر وأسس العمل الفني في رسومات الأطفال .