مدارس الفن التشكيلي



الفن ينتج من إحساسنا بأننا أحياء ... والهدف دائما هو الارتقاء الثقافي إلى مستوى مدركات العصر . بما يلبي احتياجات فكرية أو روحية أو مادية للإنسان ... وليس الكلام عن المدارس الفنية التشكيلية من باب المفاضلة بين مدرسة فنية وأخرى , ما دمنا نستهدف الإنسان ... والحداثة في الفن ليست مطلقة . وان كانت أسلوبا وشكلا ونوعا جديدا من الجمال ... إنما تختلف باختلاف الأمم . وباختلاف الزمان والمكان ... والثقافة والتراث ... والحداثة ليست صفة دائمة للشيء . فالحديث اليوم ... قديم غدا . وليس كل جديد في الفن يعني حداثة ... فالحداثة هي ابتكار الأساليب , ما يساعد الإنسان على التكيف مع الظروف المستحدثة ... فالتكعيبية والمستقبلية والتجريدية ما هي إلا ضروب من الحداثة اتفقت مع المدركات العلمية في مطلع القرن . وكانت تلبي الاحتياج الفكري والوجداني للإنسان , حين تغير تذوقه للحياة وإدراكه لها ...

السيريالية
هي المدرسة الفنية التي خرجت من الحركة الدادية التي بدأ ظهورها عام 1916 , وقد دعمتها أبحاث رائد علم النفس " سيغموند فرويد " في العقل الباطن . وقد تميزت باسمها وحدد معالم المذهب السيريالي " أندريه بريتون " في بيان أصدره عام 1924 يعرفه بأنه المذهب الذي : " يعبر عن خواطر النفس البشرية في مجراها الحقيقي دون حجاب من الواقع الاجتماعي أو رقابة الضمير . ومعنى ذلك هو العودة إلى استعمال الأشكال الطبيعية في صياغة غير منطقية بالنسبة للعقل الواعي , وتشبه الصور التي نراها في الأحلام أو الكوابيس . وتسبب للمشاهد أو المتلقي أو المتذوق , صدمة الاندهاش بسبب مفاجأته بما هو غير مألوف أو متوقع " .
ومن أشهر السيرياليين الفنان الإسباني " سلفادور دالي " والإيطالي " دي كيريكو " الذي يسمي لوحاته " صور ميتافيزيقية " . وهي تبحث فيما خلف الواقع أو ما فوق الواقع ولهذا تسمى بالفرنسية " سيريالزم " ومن التسمية الفرنسية جاء المصطلح العربي .

العبثية
العبث أو " الأبسيرد " : هو الاتجاه الفني الفلسفي الذي يرى أنه ما دام الإنسان يولد ويعيش ويموت دون مبررات مفهومة , فلا معنى للاهتمام بأي شيء ما دام الوجود الفردي يخضع لهذه اللعبة السمجة أو هذا العبث , والتعبير السليم عن عبث ولا جدوى الوجود الإنساني يكون في شكل مماثل تلقائي بلا ترابط أو قوانين شكلية أو موضوعية , حتى يدرك المتذوق من خلال العمل الفني عبث ولا جدوى الحياة .

الكلاسيكية الجديدة
أنشأها " لويس دافيد " في فرنسا مع قيام الثورة الفرنسية , وتستلهم الفنون " الكلاسيكية القديمة " عند الإغريق والرومان . وقد تزعم هذا الاتجاه بعد " دافيد " الفنان " جرو " ثم " آنجر " وهي تحتم على الفنان اتباع مجموعة من القواعد والشروط مثل " نبل الموضوع " و " انتفاء الجانب العاطفي " و " مثالية الهدف " و " الالتزام في الرسم بقواعد علم المنظور " و " الالتزام بالتظليل الذي يعطي للأجسام الإحساس بكتلتها أو استدارتها " و " سيادة الخطوط على الألوان في الرسم " و " الالتزام بالتكوين المعلق " ... الخ ... وقد سيطرت الكلاسيكية الجديدة على الفن الفرنسي الرسمي طوال القرن التاسع عشر .

التأثرية
يسميها البعض خطأ باسم " التأثيرية " , كما تعرف في المشرق العربي باسم " الانطباعية " وهي تمثل حلقة في سلسلة الثورات على سيطرة " الكلاسيكية الجديدة " في فرنسا على الفن خلال القرن الماضي .
تكونت جماعة التأثريين عام 1784 عندما أقامت أول معارضها , وتفرقت بعد عام 1886 ولكن أول من اتجه إلى التأثرية هو " كونستابل " الإنكليزي ومعاصره " تيرنر " هما من فناني المرحلة الرومانتكية وقد تتلمذ على لوحاتهما التأثريون الفرنسيون , وكان " كلود مونيه " هو الرائد الأول لهذه المدرسة بمعناها العلمي , حيث أهمل الخط واهتم بالمساحة اللونية يكونها من ألوان صافية غير ممزوجة مع بعضها ... بهدف تسجيل التأثر البصري الخاطف لسقوط الضوء على الأشكال في لحظة معينة من النهار وقبل أن تتغير نتيجة لتغير الأضواء . وتعتمد هذه المدرسة على النظريات العلمية الخاصة بتحليل الضوء إلى ألوان الطيف . ويتلاعب التأثريون بالألوان التي يضعونها على لوحاتهم متجاورة في شكل نقط " التنقيطيون " فتقوم العين بمزجها وتراها من بعيد لونا خليطا , مثل البرتقالي المكون من نقط صفراء وحمراء متجاورة .

الأكاديمية
نسبة إلى أكاديميات الفنون أي معاهد تدريس الفن , ويقصد بها " الفن المدرسي " حيث يلتزم الطالب بالنقل الحرفي عن الواقع أو عن النماذج الكلاسيكية القديمة بهدف التدريب واكتساب المهارة اليدوية التي تمكنه من رسم ما يريد بعد ذلك , وتطلق كلمة الأكاديمية على كل اتجاه فني فات أوانه وأصبحت له قواعد وقوانين ومواصفات ثابتة جامدة .

التكعيبية

مدرسة فنية ظهرت نتيجة الإعجاب بالفن الزنجي , وهي في الرسم تقدم اللوحة دون أن يزيل الفنان الخطوط الأساسية التي استخدمها في بناء عمله وإحكام التكوين , فتبدو كعمارة حديثة البناء لم ترفع عنها الأخشاب التي تحيط بها خلال عملية البناء . وهي تهدف أيضا إلى تحطيم الأشكال وإعادة بنائها بشكل جديد وتعمل على اختزال العناصر والتفاصيل في صياغة هندسية اعتمادا على فكرة الفنان " بول سيزان " التي تقول أن جميع الأشكال أساسها هي الكرة والأسطوانة والمخروط ... ومن الناحية الفكرية تهدف التكعيبية إلى إعطاء المشاهد " صورة ذهنية " للشيء أكثر شمولا من الصورة الواقعية التي تبدو فيها الأشكال وكأننا ننظر إليها من ثقب في حائط , إن الصورة الذهنية تعني تلك الصورة التي ترد إلى أذهاننا عند سماع أسم الشيء أو تذكره ... وكان من رواد هذه المدرسة " جورج براك " و " بابلو بيكاسو " .

الوحشية
وهي تعرف عادة باسم " الفوف " ومعناها الضواري أو المتوحشين أكلة لحوم البشر . والوحشية اتجاه فني ظهر عام 1903 ثم 1904 في صالون الخريف بباريس عندما وضعت في صالة واحدة أعمال " فان جوخ " و " ماتيس " و " فلامنك " و " ديران " و " جوجان " و " جورج روو" و " دوفي " و " فان دونجن " ... وهي تمتاز بالثورة الصارخة الطاغية في استعمال الألوان القوية الصريحة المتفجرة , وقد عنوا في لوحاتهم عناية كبيرة بالتوفيق بين الألوان المتضاربة والمتصارعة والمتناقضة , بالإضافة إلى تخليع الأشكال وعدم الاهتمام بمطابقتها للتشريح أو الشكل الطبيعي ... وكانت القاعة التي عرضت بها أعمال هؤلاء الفنانين في الصالون بها عمل من أعمال " دوناتللو " , وقد هاجمهم الناقد " لويس فوكسيل " مشبها أعمالهم بقبائل " الفوف " الأفريقية آكلة لحوم البشر وقد تجمعت حول ضحيتها وهي العمل الفني " لدوناتللو " . فكتب مقالا هجوميا عليهم تحت عنوان " دوناتللو بين الفوف " أي بين المتوحشين , ومن هنا جاءت تسمية مذهبهم " الفوفيزم " .

التعبيرية

هي نقيض التأثرية التي تهتم بتسجيل مظاهر الأشياء . إن التعبيرية تهدف إلى إبراز أعماق ما تصوره مع المبالغة في خصائصه فهي لا تصور الثعلب مثلا وإنما ثعلبية الثعلب . ووحشية الوحش وشاعرية الشعر . وهكذا , وقد ظهرت التعبيرية في ألمانيا وان كانت بوادرها قد وضحت في أعمال " فان جوخ " الهولندي و " أدوار مونش " النرويجي و " فاسيلي كاندنسكي " الروسي و " كوكوشكا " النمساوي إلى جانب " جيمس آنسور " البلجيكي . وقد كانت مذهب جماعة " الفارس الأزرق " التي تكونت في " ميونيخ " عام 1911 بزعامة " كاندنسكي " و " فرانز مارك " واستطاعت هذه الجماعة خلال بضع سنوات خاصة بعد الحرب العالمية الأولى أن تجعل التعبيرية أعظم حركة فنية في ألمانيا , وعندما استولى النازيون على الحكم حاربوها وطاردوا أصحابها , وقد كان من أهم منتجات هذه المدرسة الأعمال التي تنبأت بالحرب والخراب والتشاؤم والانهيار .

التجريدية
هي الاتجاه الذي يبتعد بالرسم عن تصوير أي شكل معروف ويهدف إلى تأليف لوني أو شكلي لا يعالج موضوعا ما ولا يستخدم سوى الألوان والخطوط , وهناك نوعان من التجريدية : نوع يسمى التجريدية التعبيرية ويعتبر الروسي " كتندنسكي " ( 1866 – 1944 ) هو مبتدعه , ويحاول أن يجعل التصوير مماثلا للموسيقى التي تشبه أصواتها أي أصوات معروفة وقد بدأ هذا الاتجاه في ألمانيا عام 1910 , والنهوع الثاني هو التجريد الهندسي الذي ابتدعه " موندريان " الذي جعل المستطيل والمربع أساس للتصميم سواء في العمارة أو النحت أو التصوير . وقد طبعت بعض تصميماته على النسيج منذ بضع سنوات ...

الفن التلقائي
تعتبر تجربة الفنان الراحل " رمسيس ويصا واصف " زوج ابنة حبيب جورجي , في قرية الحرانية حيث ينتج أطفال الفلاحين سجاد الحائط بتصميماتهم ورسومهم وتأليفهم الخاص هي امتداد لتجربة حبيب جورجي في مجال الفن التلقائي عند الأطفال والتي استمرت من عام 1939 إلى 1951 وخلال 12 عاما جمع عددا من الأطفال كحقل تجارب ينتجون فنا دون أي ثقافة فنية وعلمية عدا القراءة والكتابة .
وخلال تسجيل النتائج اكتشف أن الحس الفني الدفين لدى المصريين يبرز على مراحل تمثل الفن البدائي ثم الفن الزنجي ثم الفرعوني ثم القبطي والإسلامي ... ثم محاكاة الطبيعة ويتم تدريس نتائج هذه التجربة في العديد من الجامعات الأمريكية والإنجليزية ... وقد استخدم رمسيس ويصا واصف أسس هذه التجربة الرائدة عند إقامة بيت الفن في قرية الحرانية على أساس إنتاجي له شهرة عالمية ...

الفن الحركي أو الرسم الأوتوماتيكي

هو فرع من المدرسة السيريالية ينتمي في النهاية إلى التجريدية من ناحية الشكل ... وهو يهدف إلى التعبير الفني بعيدا عن سيطرة الوعي , ويتم عن طريق تحريك الفرشاة المحملة بالألوان , حركات عضلية عشوائية على سطح اللوحة فتنتج شخبطة أو بقع تعبر عن حالات انفعالية , ولا يتوصل إلى تحليلها إلا المتخصصون في علم النفس والمتعمقون في مدارس الفن المعاصر ...
تميز بهذا الأسلوب " جاكسون بولوك " ( 1912 – 1956 ) الذي كان يلقي بلوحته العملاقة على الأرض ويدور حولها راقصا يسكب الألوان كيفما اتفق من الأواني والأقماع ويصعد على السلم المزدوج أحيانا ليلقي بألوانه من أعلى ...
وكان من روادها في مصر أكبر المدافعين عنها , الفنان الراحل " فؤاد كامل " وله كتابات كرسومه تعبر عنها .

اللونية
تجربة فنية حديثة ومعاصرة , تعتمد على فعل تداخلات الألوان بعضها ببعض , بكثافات مختارة أو شفافيات محددة ... عن طريق بعض الحركات العملية المعينة , المدروسة بدراية تنفيذية , والخاضعة لرؤى الفنان الخاصة , من حيث التجريب النظري والفعلي ...
وهذه التجربة لها عدة أصول وقواعد عملية , وتعتمد على أسس علمية وفنية , ومعايير تجريبية , يجب على الفنان الالتزام بها , ومراعاة مراحل التنفيذ , ضمانا لإعطاء النتائج الفنية المقبولة , مثل : " دراسة الألوان " و " عملية التوزيع " و " لزوجة المادة " و " نوعية ورق الرسم " و " سرعة التنفيذ " و " دقة الإخراج " و " نوعية الألوان المستخدمة " ... الخ ...
وهذه التجربة اللونية الحديثة , لا تسمح للفنان , إلا تنفيذ لوحة واحدة فقط , تحمل تشكيلات لونية معينة , لا يمكن إعادة تنفيذ صورة مطابقة لها , إلا عن طريق التصوير الفوتوغرافي أو المسح الضوئي ... إنما يمكن تنفيذ لوحة متماثلة لها , وكأنها نفذت عن طريق المرأة , باتباع بعض التعليمات العملية والفنية خلال عملية التنفيذ التشكيلي ...

أوب أرت

أو ما يسمى بالفن البصري , وتعتمد هذه الطريقة الفنية على التأثير بتشكيلات في دراسة الخطوط والتدرج في الألوان والمساحات الهندسية , على الرؤية البصرية , بإحداث صدمات سريعة , توحي للعين بتشكيلات معينة فيها الكثير من الخداع الذي يزعج عين المشاهد ...
ومبتكر هذه الطريقة ومقنن الفن البصري هو " فاساريلي "

السوبر رياليزم

نزعة فنية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية , تلك المدرسة أسفرت عن لوحات وتماثيل ملونة أكثر واقعية من الواقع , وتستند في نفس الوقت إلى فلسفة وفكر حديث ... ولقد وضع " أداو رد لوسي سميث " أول كتاب عن هذا الأسلوب الذي ظهر في السبعينات .

فن الأيقونة

يعود تاريخ فن رسم الأيقونات إلى التاريخ الماضي , حيث أن الأيقونة اليونانية قد تطورت , وخرجت بعض الشيء عن الأصول التي ترتسم بها الأيقونات . فان تقنية تجسيد النور في الأيقونة اليونانية تختلف تماما عن الأيقونة الانطاكية . فالأولى تراعي مبدأ النور والظل كما هو الحال في الرسم الحديث . فمصدر النور يمكن أن يكون على يمين أو يسار الأيقونة . أما الثانية فلا تعير للأمر اهتماما حيث أن النور هو فقط النور الذي يخرج من المسيح وينعكس على الموجودين في الأيقونة . فالظل هو على هؤلاء فقط وليس على المسيح مصدر هذا النور ومهما كانت وضعيته .
وتقنية الأيقونة تختلف ما بين الانطاكية واليونانية والروسية والبلغارية والرومانية ...

البوب آرت

نزعة فنية ظهرت في مطلع الستينات وأوساطها ... كانت محاولة نصف جادة ونصف ساخرة لخلق فن رفيع , مستخلص من القيم والمواقف وخصائص الثقافة الجماهيرية في المجتمع الاستهلاكي ...
والبوب آرت كان ردا على الإسفاف التجريدي العبثي الذي أصاب الحركة الفنية في الستينات بعد شيوع أسلوب : " جاكسون بولوك " المسمى " الفن الحركي .
ثار البوب آرت على الأساليب الذاتية البحتة في الفن الحركي وهبط بالفن من البرج العاجي إلى الجماهير ... وكلمة " بوب " اختصار كلمتي popular culture الإنجليزية , بمعنى " الثقافة الشعبية أو الجماهيرية " أو " ثقافة رجل الشارع " . وقد اقتبس فنانو هذه المدرسة عناصرهم المرسومة , من إعلانات الطريق والمعلبات ومختلف السلع الاستهلاكية و " فترينات " المحلات التجارية ... الخ ...

آرت بوفيرا

من البدع الفنية التشكيلية الحديثة , الموغلة في الإسفاف , اتخذت هذا الاسم لها سنة 1969 , حين أطلقه عليها الناقد الإيطالي " جرمانوسيلانت " , ويعني " الفن الفقير " . وكلمة " بوفيرا " تتضمن مفهوم البساطة والسطحية والتفاهة والتدني .
ففي مطلع الستينات , قدمت جماعة من فناني أوروبا وأمريكا أعمالا إبداعية أشد غرابة وأكثر شذوذا بل جنونا مما فعله أسلافهم " الداديون " قبلهم بأربعين عاما ... بحيث سئمت هذه المجموعة الدوامة الفنية التي لا تثبت على حال , فألقوا بكل القيم الفنية المتعارف عليها – قديمها وحديثها – خلف ظهورهم ...
والـ " آرت بوفيرا " يتمخض عن مجموعة من الأساليب الفنية التي تناسب التغيرات الثقافية . فهو يجمع في سلته مدارس فرعية مثل : " الفن المستحيل " و " الفن الادراكي " و " الفن الفعلي " و " الفن الأرضي " و " فن الحدث " ... الخ ...

ممارسات فنية أخرى
هناك العديد من الممارسات الإبداعية التي لم تتبلور بعد ولم تصادف ناقدا يسميها ... تشترك جميعا في أنها " لا شكلية " ولا " أخلاقية " و " مغرقة في الفردية " ولو راجعنا تعليقات هؤلاء الفنانين على ما ينتجونه من أعمال , لتبينا علاقات وثيقة بين كلماتهم وما يرد على ألسنة المرضى الواقعين تحت تأثير البنج بعد العمليات الجراحية , أو المدمنين
(للامانة منقول).