عين , شربات جولا Sharbat Gula

بعدسة , ستيف ماكوري
Steve McCurry


هذه الفتاه المسلمة التي يطلق عليها شربات جولا فتاة زهرة الماء العذب الموناليزا الأفغانية الفتاة و صاحبت أجمل عيون في العالم وهم العينين الخضراوين و التي جمعت الجمال والحزن والخجل والخوف والحاجة والصمت والانتظار والأمل .
. .


اللقاء الأول : البحث عن جماليات البؤس في تجربة حفرت على وجه شخص .


قام ماكوري باصطحاب عدسته من أقصى بلاد الغرب إلى بلاد الشرق حيث باكستان الأرض المسلمة النقية الطاهرة خلال عام 1984 م وأراد التقاط صورا حية تمثل جسد الجغرافيا وحقائق التاريخ وخلال تلك الرحلة صادف في أحد مخيمات اللاجئين الأفغان في شمال باكستان فتاة عمرها 6: 14سنة قتل السوفيت أبويها أثناء رميهم القنابل على قريتهم وفي ليلة ظلماء حالكة السواد توارى أبواها تحت أكوام التراب فوجئ بها تسأله باللغة البشتونية: هل تأخذ لي صورة ? قالت تلك العبارة باللغة البشتونية التي كان قد تعلم شيئًا منها لتساعده في إنجاز عمله وهى أيضا أكثر الأعراق السكانية للأفغان .

لم يعتقد أن صورة تلك الفتاة ستكون مختلفة عن أي شيء قام بتصويره في ذلك اليوم, غير أن الصورة كانت مختلفة بالفعل كل الاختلاف, فالصورة التي التقطتها أصبحت عقب نشرها على غلاف المجلة عام 1985 من أهم صوره , وعرفت في الأوساط الإعلامية بالفتاة الأفغانية
ظل اسم تلك الفتاة غير معروف طوال 17 عاماً إلى أن قرر تلفزيون الجمعية في عام 2001م, إرسال ستيف مرة أخرى للبحث عن الفتاة ذات العينين الخضراوين لمعرفة تأثير ما جرى في أفغانستان عليها.

. .


اللقاء الثاني : البحث عن فتاه تمتلك عيونا خضراء مليئة بالمعاناة الإنسانية


قام فريق البحث باصطحاب صورة الفتاة معهم وذهبوا إلى معسكر ”ناصر باغ” الواقع بالقرب من مدينة بيشاور الباكستانية للبحث عنها في مهمة مستحيلة والذي كانت تتواجد فيه الفتاة اظهروا صورتها للمقيمين في المعسكر وشاهد عدداً من الفتيات اللاتي يملكن عيوناً خضراء شبيهة بتلك التي تملكها ولكن لم تكن ولا واحدة منهم. وفجأة يرى أحد اللاجئين الأفغان صورة شربات في يد ماكوري ويقول إنه يعرفها فقد كانا يلعبان في نفس المخيم في الماضي عندما كانوا أطفالاً و أضاف انه يعلم أين تعيش الآن، استغرقت رحلة جلب الفتاه من أحد الجبال القريبة من منطقة جبالاً “تورا بورا” وتعنى الغبار الأسود حوالي ثلاث أيام قطع فيها المسافرون جبالاً تعتبر مهلكة ومات فيها العديد من اللاجئين أثناء هربهم من ويلات الحرب في أفغانستان المسلمة إلى مخيمات اللاجئين في باكستان المسلمة وهذه الجبال مليئة بالكهوف الشديدة التعقيد و نتيجة تركيبتها الجيولوجية الوعرة وامتدادها بين دولتين المغطاة بالثلوج شديدة الانحدار و معروف عنها أكثر دول العالم وعورة، وطبيعة أرضها الصحراوية



ولم تأت المرأة وحدها فقد اصطحبها أخوها الأكبر كاشير خان الذي بدأ سرد قصة عائلته قائلا: «لقد غادرنا أفغانستان هربا من الحرب.. فالروس كانوا في كل مكان يقتلون كل من يجدونه.. لم يكن لدينا خيار آخر سوى الهرب». وكانت العائلة وقتذاك تتألف من أربع فتيات شقيقات وأخ والجدة والأب وألام قبل أن يلقيا حتفهما قائلا أيضا : «ما من عائلة أفغانية ألا وقد ذاقت مرارة الحروب». هذا هو الحال في ذلك الوقت و في أوساط التسعينات وخلال الحرب المستعرة بين الأطراف الأفغانية المتحاربة عادت لموطنها الأصلي ولقريتها في رحلة على الأرجل اجتازت فيها جبال أفغانستان التي اجتازها ماكوري بحثا عنها .


وعندما دخلت الحجرة التي كان موجودا بها فريق البحث والمصور تيقن أنها هي بعينيها الخضراوين فلعيونها قوة يعرفها جيداً وها هي نفس النظرة التي رآها قبل 17 عاماً يراها الآن وكانت المفاجأة في شكلها لأنه رأى امرأة مهمومة في العقد الثالث, في حين ظلت ماثلة أمامه كطفلة صغيرة .


قالت له عندما أراها صورتها: “لم أشاهد هذه الصورة من قبل ولكن بالتأكيد هي صورتي”. لكنها تذكرت المناسبة التي التقطت فيها الصورة لأنها كانت المرة الأولى الأخيرة .
وقامت المجلة بعد التقاط الصورة الثانية بتطبيق تكنولوجيا المسح الإلكتروني على بؤبؤ عين الفتاة في الصورة القديمة والجديدة للتأكد من أنها الشخص نفسه




غلاف المجلة عام 1985


الصورة الأخيرة لإثبات تحقيق الشخصية لشربات جولا وفراق الأحبة .


يعني اسمها حرفياً بلغة البشتون فتاة زهرة الماء العذب والذي يعكس ولع قبائل البشتون بالزهور.وتعنى كلمه شربات عند المصريين المشروب الرسمي للمناسبات السعيدة .


هي لا تدري نفسها عمرها الحقيقي فهي تبلغ اما 28 او 29 او 30 عاما ، و لا تعرف شيئا عن سجلات المواليد ولا أي شيء أخر سوى الحرب .


تبدأ حياة شربات بروتين يومي فهي تستيقظ من النوم قبل طلوع الشمس لتصلي الفجر وبعدها تذهب للجدول لإحضار الماء ومن ثم تبدأ دورة الحياة اليومية من طبخ وتنظيف وخلافه،
و أهم محطات حياتها هو يوم زواجها وقد يكون أول يوم تفرح فيه في حياتها ، ويتمركز اهتمامها الآن على العناية بأطفالها وهم روبينا ثلاثة عشر سنة وزهيدة ثلاث سنوات وعلياء سنة واحدة، أما البنت الرابعة فقد ماتت في المهد. وتزوجت في السادسة عشرة من عمرها على حد قول زوجها . زوجها رجل بسيط يعمل في البناء في بشاور يعمل خبازا ًفي أحد محلات بيع وتصنيع الخبز لا يكسب في اليوم أكثر مما يعادل دولارا واحدا لم تستطع شربات أن تتحمل العيش معه في بيشاور فقد كانت قد أصيبت بالسل بسبب سوء المناخ في المعسكرات وبالتالي كان من الصعب عليها العيش في الطقس الحار والملوث الذي تعرف به بيشاور وبالتالي قررت أن تقضي بقية حياتها في الجبال في مناخ صحي لها أنها قوه الجغرافيا البديلة .


وترتدي شربات البرقع الملونة الذي تضعه على وجهها أينما ذهبت و تخفيها عن أنظار أي رجل آخر ما عدا زوجها وتقول “البوركا شيء جميل واستمتع بارتدائها” وتفتخر كثيرا بزيها الإسلامي
وعلى نحو غريب أدهش الحاضرين قالت ان الحياة تحت حكم طالبان كانت أفضل بكثير من الوضع الحالي «على الأقل كان هناك نظام وكل شيء كان تحت السيطرة» على حد قولها.
لا تستطيع القراءة ولكنها تستطيع كتابة اسمها وتقول أن أملها هو أن تعلم أطفالها فالتعليم على حد وصفها «هو النور الذي تستطيع من خلاله أن ترى العين». ولكن لم تكن تدري طوال اللقاء لماذا تم إحضارها كيف أحدثت صورتها هذا التأثير الكبير عند نشرها على غلاف المجلة ، أو عن جائزة “غولد كادا” التي حصدها ، بفضل نظرة عينيها ووجهها الطفولي .



لم يكن في اعتقاد ماكوري أن صورته ستحظى بهذه الشهرة، كما لم يكن يعلم يومًا أنه سيعود للبحث عن صاحبة الصورة، وأنه سيجدها بدا في عمله وبحثه عن الصورة كأنه يعيش الحب الأول ويبحث عن الحبيبة الأولى. ‏


وكانت تعبيراتها دائما تتسم بالحدة ولم تبتسم طوال اللقاء فلم يبق منها طوال تلك السنين سوى المعاناة والعينين الخضراوين وعندما سال كيف استطاعت أن تواصل الحياة على الرغم مما لاقته من أهوال ومصاعب أجابت بقولها: «أنها مشيئة الله».


يقول ماكوري أنه نظراً للتعاليم الدينية المحافظة لدى الأفغان فانه لا يجب للمرأة أن تنظر أو حتى تبتسم لرجل غريب غير زوجها ولهذا السبب فإنه لم ير شربات مبتسمة أبداً ودائماً ما كانت نظراتها على الأرض، فهي لا تعرف قوة عيونها .


لقد نجحت المهمة المستحيلة وعرف اسم صاحبته الصورة ولكن فشل في إقناعها بالسفر معه إلى أمريكا للعمل في الدعاية والإعلانات بعد الشهرة الواسعة التي حققتها صاحبة الصورة و ذلك لانه وجد امرأة مسلمة مقتنعة ومؤمنة بتعاليم وسلوكيات الدين الاسلامى التي تحرم ذلك .


وعاد معه اسم صاحبة الصورة وأخلاقها وسلوكيتها التي لا ينسها بمجرد النظر إلى الصورة ، غادرت شربات بنظرتها القوية ولكن لم تغادر عقلة و قلبه تلك المرأة التي ضحت بالشهرة والمال من اجل الاهتمام بزوجها وأبناءها فتجد في نظرتها المعاناة الإنسانية وفى ملابسها الاحتشام وفي عينيها يشاهد المرء أمامه خريطة لدولة مزقتها الحروب طوال فترة زادت على 23 عاما قتل خلالها 1.5 مليون شخص وشرد 3.5 ملايين آخرون ، يعيشون الآن كلاجئين بعيدا عن وطنهم .


أنها أفغانستان ارض الحرب المستمرة التي ما زالت تأتى بحصادها المر ، بلد الإمام ابوحنيفة النعمان و الإمام جمال الدين الأفغاني ، بلد الطبيعة الجبلية و المناخ القاري و الاقتصاد الزراعي .


كل هذا تجده في الصورة التي تعد أهم صورة في تاريخ الجمعية و حياه ماكوري ، وحبه لسلوكيات شربات أكثر من حبة للجائزة لأنه وجد امرأة معها جائزة أفضل منه وهى سلوكيات الدين الاسلامى .


وليعلم ماكوري أن هذه السلوكيات ليس أخلاق شربات في أفغانستان فقط إنما هي أخلاق كل أمه محمد صلى الله علية وسلم و بالفعل هي ليست عيون فقط أبهرت العالم بسحرها وجمالها و لكنها أيضا أخلاق أبهرت العالم بإتباعها والتزامها .





هل تأخذ لي صورة ؟!




شربات جولا : لم أشاهد هذه الصورة من قبل ولكن بالتأكيد هي صورتي .


. . . .

موقع المصور Steve McCurry


(منقول)