الفنّ التّشكيلي

بقلم: الدّكتور حسين أحمد سليم

يُفضّل المشاهد اللوحة التي يرى فيها ما يُحبّ أن يراه في الواقع, حالة مألوفة عند من لم يكتنز بثقافة فنّيّة تُعينه على قراءة وتذوّق الأنواع المجرّدة أو السّورياليّة, والتي تبدو كالألغاز والطّلاسم ولا ترتاح نفس المشاهد لها...
المشاهد يُحبّ الجمال في الطّبيعة ويشعر بالإمتنان نحو المصوّر الذي يُقدّم له أعمالا تُسجّل هذا الجمال... ولكنّ التمييز والكلف بكلّ ما هو مُستحبّ قد يدفع بالمشاهد إلى رفض الأعمال الخالية من الحسن والجمال, وقد يُحسّ بنفور عظيم أو بصدمة عنيفة إذا طالعته أعمال مصوّر ما بحقيقة مختلفة...
لا نستطيع أن ننسب قيمة اللوحة الفنّيّة لجمال موضوعها, فالمتذوّق العادي يُريد أن يرى أعمالا فنّيّة تُمثّل الواقع أو تُحاكيه... ولقد كرّس كبار الفنّانين في الماضي كلّ مواهبهم لتحقيق هذه الغاية, واستحدثوا جملة مبتكرات في حركات فعل الرّسم والتّصوير لتبدة عناصر اعمالهم قريبة من الواقع...
يُعتبر التّصوير فلسفة أسمى مكانة من الشّعر, لأنّ التّصوير قادر على إبداع صور للطّبيعة بصدق يفوق صدق الشّاعر... وفي رؤى أخرى يُعتبر التّصوير أعظم مكانة من النّحت, لأنّ النّحّات أو المثّال لا يستطيع استخدام الألوان, أو المنظور, أو توزيع الضّوء والظّلال ورسم السّحب, والعواصف وأشياء كثيرة... وتعتبر القدرة على تمثيل ورسم وتصوير الطّبيعة وتشخيصها أهمّ ميزة في الحكم على قيمة الفنّ...
المحاكاة الدّقيقة للطّبيعة شرط أساسي لإبداع العمل الفنّي, والعمل الفنّي الجدير بالتّقدير هو الذي يُحاكي الأصل محاكاة كاملة... التّطابق الفنّي بين الأصل والصّورة مدخل للجمال والكمال, بحيث أنّ فكرة المحاكاة تُعتبر على قدر كبير من الجمال... ولكن يجب ألاّ ننسى أنّ فعل الإنتقاء من الطّبيعة, يجعل الفنّان يعتمد على خياله للتّفوّق على الطّبيعة وجمالها... فالجمال في نظر الفنّان هو انعكاس قدرة الله في العالم المادّي, والفنّان الماهر قادر بروحه على تحويل الجمال الخارجي للطّبيعة إلى معنى سام يندر مصادفته خارج الإنسان...
الفنّان يعمل على إبراز فكرته في استخدام الأشكال على صورة رموز, وتُعتير الفكرة التي تجول في ذهن الفنّان أجمل بكثير من العمل الفنّي... بحيث أنّ الله هو مصدر الإلهام الفنّي لكلّ فنّان أو مثّال أو مصوّر, وهنا يتجلّى فعل الإبداع والخلق عند بعض الفنّانين ويبرزون نجاحا عن غيرهم... وهو ما يلتفت إليه المشاهد فترتاح نفسه لمثل هذه الأعمال ويتفاعل معها بإيجابيّة كبرى...
انتشر الفنّ التّشكيلي وانتشرت معه المذاهب والموجات والبدع والتّقاليع الفنّيّة, وخلق كلّ فنّان مذهبا خاصّا به, بحيث لم يرض في كثير من الأحيان الإنضواء تحت لواء مذهب مُعيّن, لأنّه رأى في هذا إنكارا لحرّيّته الفنّيّة وتعارضا مع الأصالة التي أصبحت من مرادفات العبقريّة الخلاّقة... ولم تعد البراعة تُقاس بمدى إلتزام الفنّان بالقواعد والأصول الأكّاديميّة الصّارمة, فمارس الفنّان العصري فعل التّمرّد الفنّي على نطاق واسع...