الأسباب التي تعين على الصبر على البلاء
إنَّ الابتلاء كيرُ القلوب ومِحكُّ الإيمان وآيةُ الإخلاص ودليل التسليم وشاهدُ الإِذعان للهِ ربِّ العالمين، وهُو كالدّواء النافع يسوقه إلىالمريضِ طبيبٌ رحيمٌ به ناصحٌ له عليمٌ بمصلحتِه، فحقُّ المريض العاقِل الصبرُ على تجرّع علقمِه، ولا يتفيَّؤُه بالسّخَط والشّكوى لئلاّ يتحوّل نفعُه ضررًا، {فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].
فعلى المسلمِ عندَ نزولِ البلاءِ أن يكون صابرًا على الخطوب، قائمًا بأمر الله، محتسبًا أجره عند الله، وللصبر على البلاء أسبابًا تعين عليه، وتذلِّل السبيلَ إليه، منها:
* صدقُ اللجوء إلى الله –تعالى-، وكمالُ التوكّل عليه، وشدّة الضراعة وتمامُ الإنابة إليه، وصِدق التوبَة بهجرِ الخطايا والتّجافي عن الذنوب، فقد قال أمير المؤمنين علي بنأبي طالب -رضي الله عنه-: (ما نزل بلاءٌ إِلَّا بذنب، ولا رُفِع إِلَّا بتوبة).
* وأيضًا عليه تحسينُ الظنِّ بالإخوَة في الدين عامّة، وبولاة الأمرِ وأهلِ العلم والفضلِ خاصّة، بحملِ أقوالِهم وأعمالِهم على أحسنِ المحاملوأجملِها، وعليه الرّجوع إلى الراسخين في العلم باستيضاحِ ما يُشكل والسؤالِ عما يُجهَل.
* وعليه أيضًا الحذر من الإعجاب بالرأي، والبعدُ عن التعجّل في إطلاقِ الأحكام، والتسرّع في تفسير المواقف بمجرّد الهوى أو بالوقوع تحت تأثير مايسمَّى بالتّحليلات على اختلافِ موضوعاتِها وتعدُّد مصادرِها، لا سيّما حين تصدُر عمّن لا يُعلَم كمالُ عقلِه ولا صحّة معتقَده ولا سلامَة مقصده ولا صِدق نصيحتِه ولا صفاءُ طويّته، ثم هي -أي: هذه التحليلات- مبنيّة في الأعمّ الأغلَب على المصالِح والمطامِح والأهوَاء، ولذا يشيعُ فيها الكذِب والخطأ والظلم.
* ويجبُ أيضًا تركُ القيل والقال الذي كرِهه الله لعبادِه، كما أخبر بذلك رسول الله بقوله في الحديث الصحيح المتّفق عليه بين الشّيخين عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه أنّ رسول الله قال: (إنَّ الله تعالى حرَّم عليكم عقوقَ الأمّهات ووأدَ البنات ومنعًا وهات، وكرِه لكم قيل وقال وكثرةَ السؤال وإضاعةَ المال)، ويدخل فيه التحديثُ بكلِّ مايسمعُه المرء، فقد زجرَ النبي عن ذلك في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه صلوات الله وسلامه عليه قال: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكلِّ ما سمع)، وفي لفظٍ لأبي داودَ في سننِه بإسنادٍ صحيح: (كفى بالمرء إِثمًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمِع).
وإنَّه إذا كان حَريًّا بالمسلم اتِّباعُ هذاالنّهج الراشدِ السديد كلَّ حين؛ فإنَّ اتباعَه له في أوقاتِ الشّدائدِ وأزمِنة المِحن أشدُّ تأكّدًا وأقوى وجوبًا، وصدق سبحانه وتعالى إذ يقول: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].

للشيخ: أسامة الخياط -حفظه الله-
((بتصرف))
منقول