على الرغم من حداثة الفن التشكيلي في السعودية إلا أن البدايات الأولى لانتشاره لاتزال مجهولة أو ضبابية لدى كثير من المتابعين والفنانين الشباب من الأجيال الأخيرة. وفي هذا العام الدراسي يكون قد مضت 15 عاما على إغلاق أحد المعاهد التعليمية الفاعلة في هذا المجال، وهو معهد التربية الفنية للمعلمين في الرياض.




ونظرا لأهمية إلمامنا بتاريخنا الفني، أكتب هذا المقال في جزءين، وإليكم الجزء الأول:

نظرا لقناعة وزارة المعارف "التربية والتعليم حاليا" بأن الدورات التدريبية والبعثات الخارجية لا تكفي لمواجهة النقص الكبير من المدرسين السعوديين في مجال التربية الفنية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، فقد قامت بإنشاء معهد التربية الفنية المتوسط للمعلمين في الرياض عام 1385هـ ـ 1965، للتقليل من هذا النقص. وقد كان لعدد من المسؤولين في الوزارة فضل في إنشاء المعهد ودعمه وتشجيعه، ومن أبرز هؤلاء كل من: عبد الرحمن التونسي الفضل، عباس حداوي، جميل مرزا، أحمد دشاش، يوسف حريري، وأحمد صالح شرف.

وكانت مدة الدراسة في المعهد ثلاث سنوات ـ بعد الكفاءة المتوسطة ـ تتدرج من السهل إلى الصعب، ضمن منهج دراسي موحد في معظم مقرراته للسنوات الثلاث، إضافة إلى التربية الميدانية "التطبيق الفعلي للتدريس، أو كما تسمى التربية العملية" التي يقوم بها الدارس مرة أسبوعيا في المرحلة الابتدائية أثناء السنة الثانية، وشهرا متواصلا في المرحلة المتوسطة أثناء السنة الثالثة.

وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي من إنشاء المعهد كان هدفا تعليميا وتربويا، إلا أن تأثيره الفني يمكن وصفه بأنه حجر الزاوية أو الأساس في تكوين الخلفية الفنية الأولى لعدد كبير من فناني المملكة من الجيل الثاني، ونسبة أقل من الجيل الثالث. والمقصود هنا بالفنانين هم من استفادوا من دراستهم في المعهد بمواصلة الإنتاج الفني بعده حتى أصبح لهم أسماء معروفة في الساحة الفنية، أو ممن جمع بين مواصلة الإنتاج الفني وإكمال الدراسة الجامعية أو العليا، ونسبة هؤلاء قليلة بين عدد الخريجين، لكنها كبيرة بين عدد الفنانين المعروفين. ولأن المعهد كان الوحيد من نوعه آنذاك، فقد كان الدارسون فيه من أنحاء متفرقة من المملكة، وممن لديهم الرغبة الصادقة والميول الفنية الجيدة التي دفعتهم للدراسة فيه عن قناعة تامة. وبصفتي أحد خريجي هذا المعهد "الدفعة الثانية عام 68/1969، ثم عملي فيه ثلاث سنوات بعد التخرج، ومتابعتي نشاطاته، يمكنني القول إنه كان نموذجا مصغرا لكلية للفنون الجميلة، خاصة خلال السنوات العشر الأولى من عمره التي وصل فيها إلى درجة عالية من التنظيم والنجاح. ففي هذه الفترة كانت الدراسة المنهجية تبدأ الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا، ثم تناول وجبة الغداء، ثم الراحة لفترة الظهيرة في السكن الداخلي للطلاب. ومن الرابعة عصرا حتى الثامنة مساء تكون النشاطات اللا منهجية في المراسم المجهزة، وفي المكتبة الجيدة، وفي المسرح المفتوح وفي قاعة التذوق الموسيقي وفي الملاعب الرياضية المجاورة. وفي نهاية العام الدراسي يقام المعرض السنوي لإنتاج الطلاب في قاعة خاصة لهذا الغرض داخل المعهد، وكان وزير المعارف آنذاك الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ ـ يرحمه الله ـ حريصا على افتتاح المعرض سنويا ولقاء أبنائه الطلاب.

وكان المعهد يضم مستودعا كبيرا مليئا بالعدد والأدوات والخامات الفنية التي كانت تصرف للطلاب دون مقابل وتخفف عنهم الأعباء المالية، إضافة إلى صرف مكافأة مالية شهرية لكل طالب قدرها 300 ريال، يذهب نصفها للتغذية، ويتسلم النصف الآخر نقدا. ومما ساعد على ازدهار المعهد في الفترة المذكورة وجود عدد من الأساتذة العرب من ذوي الخبرة والتأهيل العلمي والفني الجيدين وممن يتصفون بالتفاني والإخلاص في العمل. وهنا تستوجب اللحظة التاريخية ذكر بعض منهم وهم: سعدي الكعبي، سلمان الدليمي، إبراهيم خليفة، خيري العاني "من العراق"، صلاح الخواص، أحمد عبد الرحمن بلال، أحمد مطر، محمد صبار "من السودان"، محمد السيد هاشم عطية، محمد شحته حميد "من مصر"، ومحمد صالح أبو نحل "من فلسطين".

كما أذكر هنا أن الفنان عبد الحليم رضوي هو أول سعودي متخصص في الفن التشكيلي يقوم بالتدريس في المعهد، وكان ذلك في السنة الأولى من تأسيسه، وبعدها عاد إلى جدة.

كما يعود ازدهار المعهد إلى نجاح الشؤون الإدارية فيه، وممن قاموا بإدارة المعهد في تلك الفترة هم على التوالي: أحمد صالح شرف "أول مدير للمعهد"، عبد الرشيد سلطان، محمد أحمد محبت، وعبد الرحمن دمنهوري.

وإضافة إلى ما ذكر في البداية عن نظام وطبيعة الدراسة في المعهد، أذكر فيما يلي أسماء المواد "المقررات" الدراسية المنهجية التي كانت تدرس فيه:

ـ المقررات النظرية:
(1) الدين
(2) اللغة العربية
(3) اللغة الإنجليزية،
(4) التربية وعلم النفس
(5) طرق التدريس
(6) تاريخ الفن
(7) الوسائل التعليمية
(8) الرسم الهندسي
(9) الصحة المدرسية
(10) الثقافة الاجتماعية.

ـ المقررات العملية:
(1) تكوين الصور
(2) التصميم والزخرفة
(3) الخزف والصلصال
(4) النجارة
(5) النسيج والطباعة
(6) خامات البيئة
(7) التربية العملية.

ــــــــــــــــــــــــ
د. محمد الرصيص