العقير (العجير) ميناء على خليج صغير داخل الخليج العربي الكبير، يعتبر أحد حدود الخليج العربي من الغرب، ومن اجمل السواحل الشرقية للمملكة العربية السعودية، يمتد طول ساحله حوالي 45 كلم وبعرض 5.5 كلم من البحر حتى اليابسة، كان يوما ما مرسى للسفن ومركزا تجاريا متصلا للمنطقة كلها، فقد كانت تصلها المؤن ومن ثم توزع الى الاحساء والمناطق الداخلية والخارجية، وقد توقف العمل بالميناء بعد توسع أعمال تصدير البترول من الموانئ الحديثة، وعند زيارتي لها شاهدت آثارا باقية للعقير منها ساحة الجمرك، والمكاتب.
التقيت خلال زيارتي استاذ التاريخ والجغرافيا محمد خالد سعد الصايل مع الاستاذ محمد الشخص الذي اصطحبني من الهفوف الى الجشة ومن ثم الى العجير (العقير) حوالي 90 كلم في بداية الطريق وبمسافة 15 كيلومترا شاهدنا خلالها زحف الرمال والآليات ترفع الرمل الناعم عن الطريق.
قال م. محمد الصايل: هذا الغبار والتراب الناعم قديما قضى على كثير من القرى التي كانت متناثرة، ولم يبق لها اثر الا الاسوار المدفونة، كانت قرى عامرة من الصفوف الى هذه المناطق ومتلاصقة حتى قال المثل الدارج: «يصبح الديك في الهفوف، ويسمى بالعقير» بمعنى أن البيوت كانت متلاصقة، والديك كان يتنقل من سطح إلى سطح.

هنا يلتقي الماء المالح والعذب

فرضة لا تهدأ حركتها
قال الصايل: بحر العقير عمقه 3 امتار تقريبا، وكان لا بد لبعض السفن الكبيرة من ان تمر بينه وبين رأس «السفيرة» على مسافة قريبة من الميناء، ويعتبر بحر العقير من اهم مناطق صيد الاسماك، وعندما تقف وتشاهد كأنك على حوض طبيعي تصب فيه المياه القادمة من الوادي.
العقير (بضم العين وفتح القاف) فرضة للهند وعمان واليمن والخليج العربي كافة، الحركة لم تهدأ في هذه الفرضة، وكان عدد السفن لا يقل عن 40 ــ 50 سفينة يوميا، ومن ثم تنقل هذه البضائع عن طريق الجمال والحمير والتي قدر عددها يوميا بـ 700 كانت الفرضة عامرة طوال فترة التاريخ الاسلامي وقبله، وكانت فرضة العقير تستقبل السفن القادمة من الصين ايضا، واطلق عليها بالتزكية (اسكلة عقير)، وكتب التاريخ تذكر ان عدد الجمال التي كانت تحمل البضائع الى داخل الاحساء اكثر من (2000 جمل). اضاف الصايل: من اصناف البضائع التي كانت تصل فرضة العقير (ميناء) الهيل - البن - البهارات - الملابس والعطور - البخور - الصندل، ومن البضائع المصدرة والمنتجة من الاحساء الى الخارج التمور - الدبس - فسائل النخيل وسعفها - الصوف - المواشي - الفخار.. وميناء العقير مشهور بكثرة الاسماك ومنها: الكنعد والتونة والربيب والحاقول والشعوم والصافي والويلمي والفسكر والبياح والهامور والبدح والحمام، وللعقير مغاصات للبحث عن اللؤلؤ، هناك أكثر من 300 موضع للهيرات منها: ابو حاقل (حاقول) ومغاصة ابو غنامة وابو دقل، كانت الاسماك تصدر عبر هذه السفن لما تتميز بالجودة وطيب الطعم والنكهة بسبب زيادة الملح في مياه هذه المنطقة البحرية.
تاريخ العُجير «العقير»
وقال م الصايل: العقير ليس مدينة او ميناء، ولكنه متحف وذكريات، العقير مازال محافظا على تراثه وابراجه وبيوته القديمة، ومازال الفندق الذي كان يسمى الخان والمسجد وسكن الامارة ومقر الموظفين، ومبنى الجمارك وبرج الزهمول والتلال مازالت تذكرنا بالكنعانيين منذ حوالي ثلاثة الاف سنة قبل الميلاد، وارض العقير تذكر بالفينيقيين الذين تميزوا بالمغامرة وركوب البحر، وهاجروا من العقير الى السواحل الشرقية للبحر المتوسط، واسسوا مدينة الجرعاء بالقرب من ميناء العقير الحالية التي اشتهرت بالتجارة، كانت بضاعة الجرعاء تأتي اليها من الهند وافريقيا وجنوب بلاد العرب وترسلها الى بابل الشرقية، وفي العصر الاسلامي زادت اهمية العقير، واصبحت مدينة وميناء خلال فترة حكم القرامطة من 895م - 1152م الى ان دمرها العبدي سنة 1052م والذي قال عن العقير (دهليز الاحساء ومصب الخيرات وكثرة الانتفاعات).
ويتابع استاذ التاريخ الصايل: ثم ظهرت اهمية العقير في فترة الحكم التركي وقد غزاها سليمان بن عفيصان سنة 1787م في عهد الدولة السعودية الاولى وتم اعمارها وانشاء معالمها في بداية الدولة السعودية الثالثة ونهاية العصر التركي، وللعقير اهمية فقد تم عقد معاهدة العقير الشهيرة بين الملك عبدالعزيز وبريطانيا سنة 1915، وتركت مدينة العجير منذ اكتشاف البترول وبدء انشاء موانئ جديدة مثل الدمام وتركت العقير منذ عام 21365 هـ - 1945م لعدم صلاحيتها كميناء لان المياه بها غير عميقة فلا تستطيع السفن الكبير الوصول اليها وعدم وجود المياه العذبة في المنطقة وانتشار السبخات على اراضيها ما ادى الى صعوبة الزراعة فيها. اضاف الصايل اثناء الترميم في بعض الاماكن عثر على مصاطب مجصصة، وعدد من الأفران الفخارية، وأربعة خزانات صرف، وبعض من العملات النحاسية، ودلات القهوة وأوكار الصقور، ومكاييل حديدية، وأوراق ووثائق وبرقيات وخطابات هذه القطع تم إيداعها في متحف الهفوف. هذه هي العقير الذي جاء اسمها من قبيلة العجير التي سكنت خلال الألف الأول قبل الميلاد، ومن ميناء العُجير انطلقت جحافل الجيوش الإسلامية لفتح بلاد فارس والهند، ووصلت إلى مشارف الصين. ميناء العُجير مرتبط بواحة الاحساء بطرق قديمة وحديثة.
معالم العُجير
قال الصايل: يوجد «الخان»، وهو الفندق الذي كان يقصده المسافرون والقوافل التجارية، ومخازن ومحال تجارية وأماكن للدواب، الخان في العقير على مساحة 7904م2، فيه ست وعشرون غرفة، وغرف أخرى في الدور العلوي. وفي الميناء يوجد المسجد المشهور هناك بين الخان ودار الإمارة، ويتكون من قسمين: الأول فناء مكشوف، والثاني بيت الصلاة.
وفي العقير توجد الإمارة والحصن وسكن لأمير العقير على مساحة، وتنقسم الساحة إلى جزئين: مبنى الإمارة على جانبيه مقصورتان، وهناك مبنى الحصن، فناء مفتوح فيه أربع غرف، وفي كل ركن ابراج دائرية من طابقين، فيهما فتحات مزاغل تستخدم لأغراض دفاعية. في الميناء مبنى الجمارك يتكون من مقصورة رئيسية، يتقدمها درج مزدوج، وإلى الجنوب من مبنى الجمرك تقع الفرضة، وهي عبارة عن رصيف طوله حوالى 148م، ورصيف لصد الأمواج. وعندما تخرج من العقير تقابلك قرية الجشة في أول الطريق، ويأتيك طريق آخر يسمى بالمعدود بعد 50 كم، وجسور وطرق للشاحنات، في الطريق القديم من العقير القديمة، يصلك إلى شاطئ العقير الحديث عبارة عن طريق ساحلي يسمى الكورنيش، مظلات يسمى بيكات راحة للسياح، ومسطحات خضراء، ومرافق متوافرة، ساحل يسمى العقير الواعد، أي موعدنا بعد أيام أو شهور سيكون ساحلا متكاملا، والدولة الكريمة اهتمت بشواطئ العقير حتى بائع السمك في الأحساء. يقول «هذا سمك العقير»، فيكون سعره أغلى لرغبة الناس اليه، ولنظافته وطعمه اللذيذ من تلك الاعشاب الغنية. ومن معالم العقير عند الشاطئ المالح بمسافة 5 أمتار فقط، يوجد بئر غنية بالماء العذب أحلى من الزلال وقفنا، وذقنا منه سبحان الخالق يلتقي العذب بالمالح، ويبقى الحلو عذبا والمالح مرا لا يختلطان، عين تعبأ منها القرب والمارة بادرة كالثلج، يقال إن الماء جاء، ويصب بهذا الجليب ويسمى «فرز».
برج أبو زهمول
وحدثنا زميلنا ونحن في طريقنا عن برج أبو زهمول الذي شاهدناه في الذهاب، ووقف بالقرب منه عند العودة في يوم ريح شديد الغبار، فوقفنا وحولنا، والتراب الناعم تحتنا، والصعوبة كانت عند التصوير، لأن البرج مسور،
حدثنا ابو امين الشخص، قال: بني سنة 1280هـ، ويصرف باسم برج الراكة لوجود أشجار أراك، بالقرب منه، مبنى البرج أسطواني الشكل ارتفاعه نحو عشرة أمتار بني على تل مرتفع، تصعد إليه بواسطة سلم حلزوني يوصلك إلى أدواره الثلاثة، كان يحيطه سور دائري ارتفاعه ثلاثة أمتار، ويوجد بينهما بئر ماء عذب يسقي الذين يترددون على العقير، وهناك آبار أخرى حول البرج، ولكن مياهها غير صالحة للشرب، يقع هذا البرج أبوزهمول إلى الغرب من ميناء العقير بنحو 1300 متر بني بالتاريخ الميلادي سنة 1864م كما ذكرنا في البداية التاريخ الهجري. وقال سيد أبو أمين الشخص «إذا صعدت برج أبوزهمول، وهو على مرتفع، تشاهد أجمل السواحل الشرقية، وتشاهد كثرة الرؤوس والخلجان والجزر، منطقة غنية بالمناظر الطبيعية، فيها رأس أبوعجل شمال الميناء، وتل الحميدية، ورأس المذبح، ورأس القرية، وتل الزينات، ورأس صباح جنوب الميناء، ورأس ملوح، وبالرغم من هذه المناظر، فإن الكثبان الرملية من جهة اليابسة وحول برج أبوزهمول غطت الكثير، ولكن عملية التنقيب كشفت عن مبنى سكني إسلامي يرجع إلى القرن الثالث أو الرابع الهجري، وأساسات ترجع إلى ما قبل الإسلام، وإلى الفترة العباسية المبكرة.
مسامرات شعرية
وعند عودتنا إلى الهفوف التقينا بعض رجالات الهفوف في مدرسة القبة في الحي القديم الكوت، التي تأسست عام 1019 هـ، منهم الشيخ محمد سعيد الملا «أبوعبدالإله» حفيد مؤسسها الشيخ محمد بن الملا علي الواعظ الحريتي.
قال لي عبدالله بن ناصر العويد «كانت تقام في شواطئ العقير مسامرات لكبار الشعراء من الأحساء من مدينة العيون، كونها أقرب المدن للعقير، وهي واحة ينسب إليهم العيونيون الذين أزالوا حكم القرامطة في القرن الخامس الهجري، وهم من بني عبدالقيس، منهم الشعراء الذين كانوا يشتركون في المسامرات الشعرية الشاعر الكبير الراحل حسن البشير العساف الجمالين السبيعي، وابن عمه علي المهنا العساف شفاه الله تبارك وتعالى وهو شاعر كبير وراو، ومن الشعراء عبدالله بن علي الناشي، وسعد علي الثنيان، وعبدالرحمن بن عيسى الغريب، وحمد بن ناصر الحصحوصي، ومعظمهم معلمون وأساتذة أجيال، وعن العقير قال الشاعر الإحسائي علي الرمضاني المتوفى عام 1365 هـ كثيراً من الأبيات، ونشرت قصيدته عن الزهمول في مجلة المنهل قبل عشرين سنة، وفي جريدة «اليوم». كما كتب عن العقير في معاجم البلدان:
يقول الحازمي 584هـ في كتاب «الأماكن»: «العقير أوله عين مضمومة ثم قاف مفتوحة، مدينة على البحر، بينها وبين الهجر يوم وليلة أي مسيرة على ظهر الجمل». ويقول شهاب الدين البغدادي 626 هــ / 1228 م صاحب كتاب «معجم البلدان»: «العقير قرية على شاطئ البحر بمحاذاة هجر». ويقول السهمداني 970م: «العقير ساحل وقرية وبه نخل، ويسكنه العرب من بني محارب من عبدالقيس». وفي مجلس مدرسة القبة قال أحد الرواد «بالرغم من ضحالة ميناء العقير، فإن الرياح الشمالية الشرقية والشمالية الغربية تجذبان السفن نحو الميناء من دون أشرعة ومجاديف، فيا سبحان الله فيما أبدع».
المصدر:مجلة الآثار