لماذا يختلف الأشقاء في الطباع على الرغم من أنهم يتقاسمون جينات متشابهة وينشأون في نفس البيئـــة الأسرية؟ ســـؤال يطرحه الكثير من الأهـــالي والمتخصصين في الشـــؤون العائليــة. مهى قمــر الدين تحاول الإجابة عن هذا السؤال.


قام أحد الباحثين ويُدعى روبيرت بلومين بدراسة على مجموعة من الأشقاء، رأى من خلالها أن الأشقاء يختلفون إلى حد ما، ولكنهم يتشابهون بشكلهم الخارجي وبقدراتهم العقلية، أكثر بكثير من مجموعة مختلفة من الأطفال لا صلة قرابة بينهم.
ولكن عندما يتعلَّق الأمر بالمزايا الشخصية يتشابه الأشقاء بنسبة 20 بالمئة. ووفقاً للاختبارات التي تقيِّم المزايا الشخصية تبدو مزايا مثل أن يكون الشخص منطلقاً «اجتماعياً أو قادراً» على تحمل المسؤولية مختلفة تماماً بين الأشقاء، ولكن بما أن الأشقاء يتقاسمون نفس الجينات ونفس البيئة العائلية ونفس الأبوين، يبدو ذلك مستغرباً. إذاً، ما هو الأمر الذي يجعل شخصيات الأشقاء في الأسرة نفسها مختلفة تماماً ؟

قام الباحث روبيرت بلومين Robert Plomin وباحثون آخرون بدراسة تلو الدراسة حاولوا من خلالها تحديد الدور الذي تلعبه الجينات في الاختلاف في المزايا الشخصية والدور الذي تسهم فيه البيئة في ذلك الاختلاف. عندما بدأوا، وضعوا الافتراض بأن، كما هو الاعتقاد السائد، التنشئة في نفس البيئة العائلية ستجعل الأشخاص متشابهين في الطباع، ولكنهم وجدوا أن الأمر ليس كذلك.
يقول بلومين: «إن البيئة العائلية تعمل بشكل غريب إذ إنها تجعل الأطفال مختلفين غير متشابهين». أما السؤال الذي يبرز هنا فهو، لماذا تدفع التنشئة في نفس البيئة العائلية الأطفال في اتجاهات مختلفة فيما يتعلق بالطباع الشخصية؟ 
لا أحد يعرف تماماً الإجابة الواضحة عن هذا السؤال، لكن هناك ثلاث نظريات لتفسير ذلك الأمر:
النظرية الأولى هي نظرية التشعب التي وضعها فرانك سلوي. فبالنسبة له، التنافس هو المحرك وراء التطور الاجتماعي تماماً مثلما هو في الطبيعة. لذلك يتنافس الأطفال ضمن العائلة الواحدة على محبة أهلهم ووقتهم وانتباههم. يقول سلوي: إنه «عندما تتنافس المخلوقات تبرز هناك ظاهرة عرفها داروين منذ زمن بعيد في كتابه أصل الأنواع وهي ظاهرة التشعب». ودور التشعب هو التقليل من المنافسة حتى لا تكون مباشرة. وهذا يؤدي إلى التخصص في مجالات مختلفة . لذا، إذا كان هناك طفل في العائلة متفوق في الأمور الأكاديمية، يعمد الطفل الآخر، لكي يتجنب التنافس المباشر،عن قصد أو غير قصد، إلى التخصص في مجال مختلف. وهذه الظاهرة يسّميها علماء النفس بإعادة تغيير الهوية أو (de-identification).
وتترسخ هذه الظاهرة لأن الوقت الذي يمضيه الأشقاء مع بعضهم البعض طويل جداً، بحيث تصبح المنافسة بينهم أكثر حدة. في الوقت الذي يبلغ فيه الأطفال سن الأحد عشر عاماً يكونون قد أمضوا 33 بالمئة من أوقات فراغهم مع إخوتهم وهو وقت أكثر بكثير من الذي يمضونه مع أصدقائهم وأهلهم وحتى مع أنفسهم، وذلك وفقاً لدراسة قامت بها جامعة ولاية بنسلفانيا Penn State في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1996. وهناك دراسة أكثر حداثة تقول إنه حتى المراهقين الذين يبدأون بتحقيق نوع من الاستقلالية، يقضون عشر ساعات أسبوعياً على الأقل، بالقيام بأوجه نشاط مختلفة مع إخوتهم، وهو وقت طويل إذا ما احتسبنا الفترة التي يمضيها هؤلاء في المدرسة والنوم وفي ممارسة الألعاب الرياضية والأنشطة الأخرى.
وعن التشعب قال سلوي: إنه رأى أنموذجاً مصغراً منه يحدث في عائلته. كان شقيقه الأكبر لاعب كرة مضرب ممتازاً، ومن ثم أصبح لاعباً محترفاً. يعترف سلوي بأنه لم يتمكَّن ولا مرة في حياته من التغلب على شقيقه في لعبة كرة المضرب، ويضيف إنه خلال دراسته الثانوية اكتشف أنه متفوق في الركض السريع أكثر بكثير من لعبة كرة المضرب. لذلك، انتقل إلى ممارسة تلك الرياضة وكان قراره ذلك عن قصد، لأنه أدرك أنه لن يستطيع أن يبدع في كرة المضرب.
والنظرية الثانية هي نظرية البيئة غير المشتركة التي تقول إن الأشقاء، في الظاهر، يتشاركون في البيئة نفسها، ولكن الأمر لا يكون كذلك من جوانب مهمة جداً إذ لا يختبر الأشقاء الأمور نفسها.
تقول سوزان ماكهيل، الباحثة في جامعة بنسلفانيا، إن الأطفال ينشأون في أجواء عائلية مختلفة، لأن معظم الأشقاء يختلفون في العمر، لذلك، فإن التوقيت الذي يكبرون فيه ضمن العائلة هو توقيت مختلف. فمع الوقت قد يحدث أن يخسر أحد الآباء وظيفته أو قد يحدث طلاق بين الأبوين أو قد يصاب أحد الأبوين بمرض معيَّن أو قد يحدث أي أمر آخر. وقد يكون ترتيب الأخ الثالث أو الخامس، مثلاً، كما أن خبرة طفل في الخامسة من عمره عندما يتعرَّض لأي من تلك الأمور تختلف كثيراً عن خبرة طفل في التاسعة أو العاشرة من عمره. وقد يتساءل البعض عن التوائم الذين يولدون في نفس الوقت. تقول ماكهيل: إن من النادر أن يعامل الأهل أطفالهم بنفس الطريقة، حتى لو أرادوا ذلك، إذ إن للأطفال حاجات واهتمامات ومزايا شخصية مختلفة، تتطلب معاملة متفاوتة من الأهل، فالطفل العنيد، مثلاً، يستدعي معاملة مختلفة عن الطفل المطيع الذي يلتزم القوانين، والطفل الخجول يتطلب تشجيعاً أكثر من الطفل المنطلق اجتماعياً. كل ذلك يوجد بيئة عائلية مختلفة من العواطف والحب والحنان والمراعاة قد تفسر اختلاف طباع التوائم، بالرغم من ولادتهم ضمن نفس العائلة، وفي نفس التوقيت ومن امتلاكهم نفس اللائحة اللاجينية الشخصية Epigenetic profile. يقول جيفري كلوغر في كتابه «أثر الأخوة: ما الذي تكشفه عنا العلاقات بين الأخوة والأخوات*».
أن الأهل لا يتعاملون بطريقة مختلفة مع أبنائهم فحسب، إنما يتعاملون بطريقة تفاضلية، فحوالي 70 بالمائة من الحالات يفضل الأهل فيها طفلاً معيناً على سواه من الأخوة سواء اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا. ويترك هذا التفضيل آثاراً نفسية مختلفة على جميع الأشقاء، منها ما هو سلبي أو إيجابي مما يعزِّز الفوارق في مزاياهم الشخصية.
أما النظرية الثالثة، فهي نظرية المقارنة التي تقول: إن العائلات هي مراكز للمقارنة حيث يتم المبالغة، حتى في الفوارق البسيطة بين الأخوة. تقول ماكهيل: تخيل طفلين منفتحين مولودين في نفس العائلة، حيث إن الأول منطلق إلى أبعد الحدود، بينما الثاني مجرد طفل اجتماعي. قد يُعد الطفل الثاني، في أية عائلة أخرى، منطلقاً كثيراً ولكن في تلك العائلة بالتحديد يكون طفلاً منغلقاً بالمقارنة مع أخيه. وبمجرد إلصاق صفة منغلق على الطفل، حتى ولو كانت خطأ تماماً، تؤثر على الخيارات التي يتخذها لاحقاً. وأكثر ما يتجلى ذلك الأمر في إنجازات الطفل المدرسية عندما تتم مقارنته مع أخته أو أخيه الذي يتفوق عليه في الدراسة، مما يعطيه شعوراً بالضعف والاحباط وهو ما يؤثر على سلوكه المستقبلي.
ولتجنب المقارنة يختار الأشقاء مجموعات مختلفة من الأصدقاء، ويمضون أوقاتهم بطريقة مختلفة مما يسهم في الفوارق في شخصياتهم، وكلما مضى الوقت كلما اتسعت هذه الاختلافات.
يبقى أن نقول إن الاختلاف في الطباع الشخصية للأشقاء أمر قد يثري شخصياتهم وليس العكس، لأن الأشقاء هم المثل العليا لبعضهم البعض، هم المتآمرون على بعضهم البعض، هم صوت الضمير لدى بعضهم البعض، هم من يحمي أحدهم الآخر، هم شركاء في اللعب، هم من يتبادلون النصائح ،هم مصدر المنافسة ...
كل تلك الأمور مهمة جداً خصوصاً أن الأشقاء هم العنصر الثابت في حياة بعضهم البعض، إذ إن الأصحاب يتغيرون بينما يبقى الأشقاء أشقاء مدى الحياة . عن مجلة القافلة .