الحمدلله رب العالمين القائل في كتابه
( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
القائل ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )الحمدلله الكريم الوهّاب غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب , يحب التوابين والمتطهّرين ويغفر للمنيبين والمُستغفرين ويقيل عثرات العاثرين ويقبل اعتذار المُعتذرين فله الحمد كثيراً طيباً مباركاً فيه واُصلّي وأُسلّم على نبيه
وصفيه محمدٍ خاتم الأنبياء وسيّد الأصفياء وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً

أمّا بعد يا عباد الله ..
i!i يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i!

فإن التوبة إلى الله عز و جل من أهم المهمّات وأوجب الواجبات فالحاجة إليها بعدد الأنفاس وأعظم من حاجتنا إلى الطعام والشراب . إن من رحمة الله عز و جل أنه يفرح بتوبة العاصي المقصّر في حقّ الله تعالى
فهل فكرت في كل صباح ومساء في التوبة..؟!
إن التوبة لها منزلة عظيمة عند الله لأن بها يتحقّق صلاح العبد
وفلاحه في الدنيا والآخرة , التوبة التي يريدها الله منك هي التوبة النصوح , وقد نادى الله المؤمنين في كتابه المبين
يقول سبحانه وتعالى ( يا أيُّها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً عسى ربكم أن يكفّرَ عنكُم سيّئاتِكُم ويدْخِلكُم جناتٍ تجري من تحتِها الأنهار يومِ لا يُخزي الله النبي والذين ءامنوا نورُهم يسعى بين أيدِيهِم وبأيمانِهم يقولون ربّنا أتمِمْ لنا نورنا واغفر لنا إنّك على كُلِّ شيءً قديرٍ )
i!i يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i!
إذا عرفت وجوب التوبة وفرح الله بالتائبين فاعلم أنه لا يجوز أبداً
أن تؤخّر التوبة . التوبة النصوح التي يريدها الله منك هي التوبة الصالحة الجازمة التي تمحو ما قبلها من السيئات وتكف العبد عما كان يتعاطاه
من الدناءات وذلك بأن يُقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف
في الماضي ويعزم على ألا يفعل ذلك في المستقبل .
i!i يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i!

شروط التوبة
إن للتوبة إشراقة في الوجه يقرأها كل ذي بصيرة في دينه .. يا عبدالله اعلم أن التوبة لا تكون مقبولة عندالله إلا إذا توفر فيها ما يلي

أولاً :- الإخلاص لله تعالى
لا يكون الباعث على التوبة مراءاةً للناس أو البحث عن سمعة طيبة
أو إرضاء ٍ لمخلوق
ثانياً :- الإقلاع عن الذنب
يجب عليك الابتعاد عن الذنوب وعدم الرجوع إليها لأن بعض المسلمين يحب الأحاديث عن التوبة والمواعظ ومع كثرة ما يسمع فإنه لا يحرّك ساكناَ وكأن الأحاديث عن التوبة تخص غيره أو أن له مجالاً للتفكير والتسويف وكل هذا من الشيطان أعاذنا الله وإياكم منه .
ثالثاً :- الندم على ما مضى
يقول عليه الصلاة والسلام
الندم توبة ) فالندم علاقة قوية
تدل على صحّة ما بقلب التائب وتدل على سلامة التوبة من المقاصد الأخرى , لكن بعض المسلمين يتذكرون ذنوبهم الماضية على سبيل التسلية والذكريات وهذا دليلٌ على فساد التوبة
رابعاً :- العزم على عدم العودة إلى المعصية
ومعناها أن يعاهد العبد ربّه ألا يرجع إلى تلك المعصية
فيجب على المسلم أن يبيّن ذلك بفعل ويكون ذلك بابتعاده عن أهل المعصية وعن أماكنها وأسبابها .
خامساً :- أن تكون التوبة قبل ساعة الموت
فبعض المسلمين يفعل ما يشاء فإذا أتت سكرة الموت قال أنا تائبٌ ونادم ..!
لذلك قال عليه الصلاة والسلام
( إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يُغرغِر )
سادساً :- إذا كانت المعصية تتعلّق بحق مخلوق
فلا بد من رد الحقوق إلى أهلها كتوبة السارق والمُختلس والظالم ونحوهم .
i!i يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i!
التسويف .. [ أسبابه وعلاجه ] ..
إخوتي في الله : احذروا كلمة [ سوف ] فإنها جندٌ من جنود الشيطان واعلموا أن التعجيل في التوبة فرض وهو من مصلحة التائب .
بعض الناس يقول سأتوب بعد الزواج والبعض بعد التخرّج
هل أنتَ عالمٌ بما سيحصل لك وعالم ٌ إلى أي وقتٍ ستعيش ..؟
بعض المسلمين هداهم الله لايتوبوا خوفاً من لمز الناس واستهزائهم بهم هل خوف الناس أحقّ من خوف الله ..؟! أتخشوْنهُم ..؟
فالله أحق أن تخشوه
ثم تذكّر أنك ستُحشر في القبر وحدك فلا ينفعك الناس لا في مدحٍ
ولا في قدح ..!.
من أسباب تأخير التوبة
الخوف من التغير الحادث للشخص بعد التوبة , فإنه لا يريد أن يخسر
أي شيء تهواه نفسه حتى لو كانت في حرام ..! .
ومن أعظم أسباب الصد عن التوبة الجليس ..!
نعم إنه الجليس الصديق , كثير من العصاة والغافلين يحاولون التوبة
وإذا سمعوا موعظةً سالت دموعهم شوقاً إلى التوبة لكنهم
لا يجاوزون ذلك المجلس إلا ويرجعون إلى ما كانوا عليه
إنهم يفشلون بسبب أصحابهم , من طبيعة الإنسان أنه لا يستغني
عن الأصدقاء لكن يجب عليه أن يصادق الأخيار
قال تعالى: ( يا أيُّها الذينَ ءامنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين )
كيفية علاج التسويف
العلاج بسيط لكن يجب التفكير فيه بعمق وهو : ماأدراك أنك ستعيش لغدٍ ..؟
i!i يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i!
قَصصٌ لا تُنسى ..

في هذا الموضوع سآتيكم ببعض القصص
من الواقع لعلّ بها تلين القلوب وتتّعظ .

القصّة الأولى
شخص يسير بسيارته فتعطلت في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة
فتوجه إلى إصلاح العطل في أحد العجلات , جاءت سيارةٌ مسرعةٌ
فارتطمت به من الخلف فسقط مصاباً بإصاباتٍ بالغة فحملناه معنا بالسيارة وقمنا بالاتصال على المُستشفى لاستقباله , هو شاب في مُقتبل العمر ومتديّن . عندما حملناه سمعناه يُهمهِم فلم نميّز ما يقول , لكن عندما وضعناه في السيارة سمعنا صوتاً مميزاً . إنه يقرأ القرآن ..
سبحان الله ..! , لا تقول هذا مصاب فالدم غطى ثيابه وجسمه
وهو يحتضِر , استمر يرتّل القرآن ففجأة سكت فالتفت إلى الخلف
فإذا به رافعٌ سبابته يتشهّد ثم توفّاه الله
قفزت إلى الخلف انظر ما به إلا وقد مات , بعد ذلك بمدة
اتصل أحد الأشخاص بمنزل المُتوفّى فكان المُتحدّث أخوه ويقول عنه
كان يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية , كان يتفقّد الأرامل والأيتام والمساكين , كانت تلك القرية تعرفه فهو يوفر لهم الطعام والكتب والأشرطة وكان هذا الشخص حافظاً لكتاب الله تعالى
i!i يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i!
القصة الثانية

رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفساً ثم حدّثته نفسه بالتوبة , فقام يسأل الناس : دلوني على رجلٍ أستفتيه في أمري , فذهبوا به إلى رجلٍ راهبً عابد والفتوى لا تطلب من العبّاد إنما تُطلب من العلماء
يقول الله تعالى : ( فسئلوا أهلَ الذكْرِ إن كُنتُم لا تَعْلَمُون )
ذهبوا به إلى هذا الراهب فلما مثُل بين يديه قال له إني قتلت تسعةً وتسعين نفساً فهل لي من توبة .. ؟
فقال هذا الراهب وقد استعظم فعلة هذا الرجل لأنه جاهل
ولا يعلم مدى سعة وفضل الله عز و جل وأنه يغفر الذنوب جميعاً
قال: قتلت تسعةً تسعين نفساً ..؟ّ!!
اذهب ليس لك من توبة فقام الرجل وهو غاضبٌ ومغتاظ فكمّل به المائة
ثم ذهب , وبعد زمن حدّثته نفسه بالتوبة مرةً أخرى فبحث وسأل فذهبوا به هذه المرّة إلى رجلٍ عالم فلما دخل عليه
قال : إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة ..؟
فقال هذا العالم : ومن يحول بينك وبين التوبة ..؟!
لكن انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أُناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم لكن انتبه!
لا تعد إلى أرضك فإنها أرضٌ خبيثة , الأمر أحبّتي ليس سهلاً ..
سيفارق أهله وأصحابه لكنه لم يتردد فانطلق إلى هذه الأرض
التي دله إليها العالم , فلما كان في وسط الطريق جاءه ملك الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى
أن إبليس يقول : أنا أولى به , إنه لم يعصني ساعةً قط وهنا أنزل الله حكمةً بالغة فأنزل ملكاً على صورة رجل فحكّموه بينهم
فقال : قيسوا بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فألحقوه بها
الرجل في منتصف الطريق يعني أنه يبعد المسافة نفسها عن تلك القريتين , فلما قاسوا وجدوا أنه أقرب إلى الأرض التي بها أناس صالحين شبراً واحداً ..
لا إله إلا الله
ورد في بعض كتب الحديث أن الله تعالى أوحى إلى هذه الأرض أن تقربي فتقرّبت وإلى هذه أن تباعدي فتباعدت ..!
( إن الله يُحبُّ التوابينَ ويُحبُّ المُتَطهِّرين )
i!i يـــا نـــفـــسُ تـــوبـــي !i!
أحــبّــتــي ..


أيها الأحبّة قوافل التائبين تسير وجموع المذنبين تقبِل وباب التوبة مفتوح , دموع التائبين صادقة وقلوبهم منخلعة يخافون يوماً تتقلب القلوب والأبصار , القلوب التائبة مُنكسرة بين يدي الله تسبقها الدمعة ويحدوها عفو الله
قلب التائب بمنزلة الزجاجة يؤثر فيها جميع ما أصابها فالموعظة
إلى قلوبهم سريعة وهم إلى الرقّة أقرب فداوا القلوب بالتوبة
وجالسوا التوابين فإن رحمة الله إلى التوّابين أقرب .
أحبّتي


أما آن لنا أن نتوب أما آن لنا أن نغسل ذنوبنا بالتوبة وأن نلبس
ثوب التوبة النقي الطاهر
نسأل الله العافية فما عاد يفكّر بالتوبة فأدعوا كل مذنب أن يرجع إلى الله وفرصةٌ لنا أن نغسل ذنوبنا بالإنابة والتوبة وأن نحدّث أنفسنا
ونقول لها :
يا نفسُ توبي .. قبل ألا تستطيعي أن تتوبي
واستغفر لذنبكِ الرحمن .. غفّار الذنوبِ
إن المنايا كالرياح .. عليكِ دائمة الهبوبِ
تُب يا عبد الله إلى الله فلا ملجأ من الله إلا إليه وأن نرجع إلى الله
ألا تريد يا عبد الله أن يفرح بك الله ..؟!
من منا لا يريد أن يفرح الله به , تقول كيف
أقول لك تُب إلى الله عز و جل
كم أفرحنا الشيطان بالذنوب اكسر عليه فرحته بالتوبة وارجع إلى الله
جل و علا .