النقد الفنى فى التربية الفنية والمفاهيم الضد جمالية لفنون ما بعد الحداثة
Art criticism in Art Education and concepts Anti-Aesthetics in postmodern art
أ.د /عماد أبوزيد، قسم النقد والتذوق الفنى، كلية التربية الفنية ،جامعة حلوان
مؤتمر الدولي الثالث, جودة التعليم وتحديات المستقبل (رؤى وآفاق)
من 25إلي 26 مارس 2015 كلية التربية النوعية بأشمون, جامعة المنوفية

ملخص البحث
في هذا البحث سوف يقوم الباحث بالكشف عن علاقة النشاط الفنى المرتبط بالنقد الفنى فى التربية الفنية المعاصرة من عمليات التحليل والتفسير فى سياق الممارسة الفنية والمفاهيم الضد جمالية لفنون ما بعد الحداثة وهو ما يمكن الطلبة من مواجهة متطلبات المستقبل في اكتساب الاساليب المنطقية والعقلية والإبداعية لفهم أعمق للمحتوى المعرفي واستنتاج الافكار وتفسيرها . للاستقلال التفكير وتحرر من تبعية النصوص الجاهزة للانطلاق الى مجالات اوسع بعيد عن التمحور حول الذات , و للوصول إلى فهم أفضل للعمل الفني لذا يجب طرح أسس للتفسير تؤدي إلى التبصر، الذي لا يمكن التوصل إليه من خلال التفسير الشكلي فقط .
وهو ما يطرح التساؤل الأتى : كيف يمكن تنمية طرق وأساليب النقد الفنى فى التربية الفنية المعاصرة فى ظل ما يطرحه الفنانين من مفاهيم ضد جمالية فى فنون ما بعد الحداثة؟ بهدف الكشف عن طرق وأساليب النقد الفنى فى التربية الفنية المعاصرة والمفاهيم الضد جمالية لفنون ما بعد الحداثة واستحداث أساليب وطرق فعالة لمواكبة التطور المعرفي فى الفنون المعاصرة لتفسير الأعمال الفنية فى ضوء السياق الأوسع للثقافة البصرية يعرض تعددية وجهات النظر والتفسيرات المتنوعة للمعنى .

· فنون الحداثة والاعلاء للقيم الشكلية
ومع وضع سيزان "الشيء" موضع التقدير وتعامل مع طبيعته الصامتة بالإنشاء الحجومى, (لقد كانت مرئيات العين هى ما اكتشف فيه سيزان اسلوبا بنائيا جليلا يسكنه " الكلى " universal " الذى جوهر كل " جزئى " Particular ويبث فيه الروح . لقد حث خطاه موغلا أكثر فأكثر صوب الهام كامل بدلالة الشكل ، ولم يكن أمام سيزان من سبيل لبلوغ الواقع غير ما تبصره عيناه . وهذا هو ا منعه أن يبتكر أشكالا تامة التجريد . ولا نجد بين الفنانين العظام من فاق سيزان فى الاهتام بالانموذج model والتعويل عليه .) (كلايف بل،2013، ص225) وتبنت التكعيبية منطلقات التحليل وتعدد الزوايا( فقد طرحت واقعاً متصوراً ذهنياً لا مرئياً ، إذ إنهم كانوا يبحثون في التجربة المرئية عن الحقيقة)( ادوارد، 1990، ص62). وقطعت بذلك الصلة مع الفنون المؤسسة على المحاكاة للطبيعة ، مما هيأ السبيل بدوره إلى الفن التجريدي ، بينما طرحت المستقبلية مفهوم الحركة للرؤية الفنية (يقولون إن الحصان الذي يعدو لا يملك أربعة حوافر فحسب ، إنَّ له عشرين)( جي . أي . مولر ،1988، ص 97) . وفتحت السريالية آفاقا متعددة للخيال وكان هدف الفنان أن يستخدم أية وسيلة تمكنه من النفاذ إلى محتويات اللاشعور المكبوتة وأصبح "الشيء" موضع تساؤل و نتيجة لرفض العلاقة بين الوعي والطبيعة التي تقوم على أسس تقليدية فالمبدأ الأساسى للحداثة الحرية والتى تجسده الذاتية فأصبحت الحقيقة الباطنة للعقل والمخيلة والحواس هي الحقيقة الصادقة وقطع الفنان صلاته بجميع العقائد مناهضا الطبيعة والتراث الماضى.(ان رؤية العين رؤية ذاتية متعسفة وممحدودة انها رؤية موجهة الى الخارج اما الداخل فهو عالم اخر اكثر روعة ، ولابد من اكتشافه ان عين الفنان ركزة على قلمه والقلم يتحرك ، اما الخطوط فتغرق فى الاحلام )( هربرت ريد ،1999 ، ص144)
غير ان الصورة التجريدية محكومة بإيجاد صياغات بصرية تفسر العالم وتحيله إلى نمط من العلاقات والرموز بسبب طبيعة التجريد الهادف إلى تصفية المظاهر المادية للمرئيات والإبقاء على الجوهري منها ،وضعت تجريدية "مندريات" العقلانية الخالصة والنقاء الثابت وراء الأشكال, بينما اتخذ "كاندنسكى" الحقيقة الجديدة التي تنبثق من فعل الروح المستقلة وهى الحقيقة الذاتية . ومع الفن التجريدي أصبحت الصورة الفنية أكثر اختزالاً من حيث المضمون وتفاصيله وأصبح للشكل دوراً بارزاً وفقاً لتحقيق مفاهيم وأسس شمولية كالاتزان والتناغم والتجانس والإيقاع وتأكيد على موسيقى العمل الفني اللاشكلى. وقد ميز الناقد الإنجليزي "هارولد أوسبورن H. Osborne "(1981, ,p113) الاتجاهات "اللاشكليةNon Figurative " بأنها (لا تعرف المعاني الشخصية بل إنها تتصف في عمومها بنمطين هما "التجريدية الهندسية" والتي تتعارض مع " التعبيرية التجريدية ". ويمكن أن نميز نمط التجريدية الهندسية في " السوبرماتية Suprmatism" و "البنائية Construction " " والباوهاوس Bauhaus و"الدستيل Destiji" وغيرها من المذاهب التي تستند على العقلانية وتستخدم الخطوط المستقيمة والأشكال المنتظمة, والألوان تنتظم في تراكيب ديناميكية متزنة,وتصميم محكم, ووضوح في العناصر, ولا تترك مجالا للعفوية أو التلقائية.
ومن أهم المعايير التي استمدت من قيم الحداثة والصناعة والتي تمثلت في صورتها المثالية " التعبيرية التجريدية " بما تمتاز به من نزعة شكلية تحددت في إطار الفن حول أشياء محددة جدا (الاستقلاليةAutonomy ) و( الفني Artistic ) والبحث عن صيغة ( عالمية Universal ) أو ( لغة أصلية Archetypal ) واحترام (التقاليد الشكلية والحقائق الفيزيائية للمواد(. إن التفوق العلمى والإنتاج الصناعى في العصر الحديث تشكلت معه جماليات وقيم جديدة في عالم القيم الجمالية ومن أشهر هذه القيم ( "الدقة " “Precision” و "البساطة" ‘Simplicity” و"الاقتصاد" “Economy” لقد سعى الفنان فى فترة الحداثة لاختزال العمل الفني إلى جوهره الشكلي وتحقيق الاستقلال الذاتي لفكرة العمل الفني ككيان مكتمل بحدود واضحة للوصول إلى النقاء واكتشاف الجوهر الحي القابل للتطبيق دوما كلغة ذات أبجدية واحدة تصلح لكل زمان ومكان لضمان ثبات المعايير.ولا شك أن تلك المعايير استمدت من القيم التي أفرزتها المجتمعات الصناعية.

· النظرية الشكلية والمفاهيم النقدية لفنون الحداثة
لقد كانت النظرية الشكلية تحرص في تعاملها مع الفن، على استقلاله عن بقية الأنشطة الحياتية اليومية حتى يؤدي دوره النابع من طبيعته و غير المفروض عليه من خارجه. مما كان له اثر بالغ الاهمية فى تحول المفاهيم النقدية التقليدية بالانتقال من نظرية المحاكاة لأفلاطون و التى تؤكد علي علاقة الفن بالجانب الأخلاقي ولابد للعمل الفني من محاكاة الواقع ، ويجب تمثيل أو وصف الحياة كما هي بمحاكاة بسيطة، أو كما ينبغي أن تكون بمحاكاة مثالية و لذا اهتمت النظرية بجانب المضمون ، وهذا يجعل المحتوى مسيطراً على الشكـل واستمرت نظرية المحاكاة حتى جاء العصر الحديث ليتحول الفن إلى إعلاء شأن الشكل و الاتجاه الجمالي
بذلك نظرية الشكلية للفن تؤكد أننا يجب أن نركز فقط على الخصائص الشكلية الفنية - "الشكل form " وليس "المضمون ******* ". ويمكن أن تشمل هذه الخصائص الشكلية ، للفنون البصرية اللون والشكل والخط ، و للفنون الموسيقية والإيقاع والتناغم. الشكليين لا يرفضون المحتوى او المحاكاة أو السرد فى الأعمال الفنية ولكن يرفضوا ان تكون تلك الأمور ذات صلة في تذوق أو فهم الفن.
يعد كل من "كلايف بل" Clive Bell و"روجر فراي" Roger fry من أهم النقاد الذين مارسوا هذا الاتجاه في كتاباتهم النقدية ، وقد واكب ذلك الاتجاه العديد من الحركات الفنية المختلفة التي تلت التأثيرية ، فكان لروجرفراي الفضل في تعريف الجمهور بما عرف باسم ما بعد التأثيرية (Postimpressionism) كمصطلح ، وتحديد عناصر التصميم بانها (الخط ، الكتلة ، والنور ، والظل ، واللون ) وقد وضعت هذه النظرية تعريفا للفن وقيمته من خلال السمات الشكلية وهذه السمات الشكلية هي ما يحدثنا عنها "كلايف بل" في قوله ، إن كل أعمال الفن البصري عندها بعض الخصائص العامة .( وعندما نتكلم عن قطعة فنية يتحدث كل شخص عن فن يجعل تصنيف العقل يميز ويبرر هذا التصنيف ؟! ما هي الخصائص المشتركة والمختلفة لتلك الأشياء المصنفة فن ؟ ما هي الخصائص المشتركة من قبل كل الأشياء التي تثير عواطفنا الجمالية ؟ ما هي الخصائص المشتركة لكنيسة آيا صوفيا والنوافذ في الكنائس والنحت وطاسه فارسية وعاء صيني وتصوير جصي لجيوتو وأعمال الأساتذة العظام بوسان وبيرود يلافرنشسكا وسيزان ؟ وللإجابة على ذلك السؤال يجيب كلايف بل (بأن ما يشارك من قبل كل القطع الفنية هو الشكل ذو الدلالة Significant form وينصب ذلك التعريف بشكل مباشر على الفنون البصرية)( Gordan Graham, 1994, , p150 )
ونتيجة للاستطراد في الشكلية للفن من ابداع الفنانين لحركات فنية مثل تكعيبية بيكاسو وبراك وتجريدية كاندنيسكي وجاكسون بولك وموندريان وكازمير مالفيتش وغيرهما من التجريديين أن قابل ذلك نظريات جمالية و انطلاقا من هذا التصور، توجه النقاد إلى دراسة القوانين الداخلية والوظائف، التي تحكم نظام البناء النصي، بُغية تعمّق المفاهيم، و النظريات حتى تنمو و تتطور، في ظل تقنية واعية و منظمة، ( أصبحت تعد كمنظمة مستقلة للعناصر الجمالية " أشكال ، الوان ، خطوط " خاصة بعلم جمال القرن العشرين وهذا النوع طور في العديد من النظريات الأخرى مثل البنيوية الجديدNew Structuralism )( Sello, 1993, ,p59))
فقد أصبحت الموضوعات بالمعنى المتعارف عليه ليس لها مكان في أعمال هؤلاء الفنانين التجريديين وأعطت الأولوية للتصميم لإبداع يجذب العين وبأسرها والتخلي عن أي علاقة على الإطلاق بالموضوع فالعمل الفني هو تشكيل من الخطوط والأقواس والألوان والكتل لذلك فالشكلية كنظرية ( لا تتعامل بالاجتماعيات المادية أو العوالم النفسية لكن بالأحرى مع عالمية الفن في العمل الفني نفسه ، فالفن لابد أن يكون توضيح فريد " شكل ذو دلالة " ، معالجة وسط فني قادر على انتاج فريد يؤثر بشكل أخاذ في الجمهور بعضوية متناغمة جماليا.)( Richard ,1990,p145)
ويؤكد ذلك ما قاله المصور كاندينسكي ( أن الفنان يحرر نفسه من الموضوع ، لأن هذا الأخير يحول بينه وبين التعبير عن نفسه بالوسائل التصويرية الخالصة وحدها . وأيضا ما ذكره فرناند ليجيه إن السؤال: ما الذي يمثله هذا ؟ هو سؤال لا معنى له)( جيروم ،1981، ص119
) فالنظريات الجمالية "الشكلية " تؤكد على معايير جمالية يمكن أن نحددها في ( الايقاع ، الانسجام ، والتكرار) . وهو ما يتفق الأساليب والاتجاهات الفنية لفنون الحداثة التى تأكد معها توقف النقد المؤسسي على المعنى في الفنون البصرية.
إن ما طرحته التجريدية كإبداع ترجم في لغة نقدية تميل نحو النزعة الشكلية في تمثيل الحقيقة بنقاء وثبات ذا صفة تعبيرية سواء العقلانية السكونية التي يعد "موندريان" أبا روحيا لها أو التمثيل الجوهري لما هو باطن في الوجدان والروحي والذي عبر عنه "كاندنسكى" ولذلك يمكن أن ندرك حقيقة استقلالية لغة العناصر الفنية كذات لها حضور ينفى واقع الوظائف الموضوعية ويصبح عالم النقطة والخط والمساحة واللون والشكل وقيم التكرار والإيقاع والاتزان قادرة على صنع الجمال وهذا ما دعي إليه "Clive Bell "في كتاباته عام 1914 (أي النوعية التي تشترك فيها كل الأشياء التي تثير عواطفنا.."الشكل ذو الدلالة" الخطوط والألوان متجمعة بطريقة خاصة, بعض الأشكال وعلاقات الأشكال تحرك عواطفنا الجمالية.أن نقدر القطعة الفنية لا نحتاج أن نجلب معنا شئ من الحياة)( Francais, 1982,168-108 ) كما أكد ذلك أيضا المنظر والناقد "كلمنت جرينبرج" Clement Greenberg من خلال تقديم معظم فناني الحداثة وخاصة الرواد التجريديين مثل "كاندنسكى" و"بول كلى" و"مندريان", وتعد كتاباته النقدية نقطة بداية واضحة في فكر الحداثة وثورة في الفنون( أولا: لا تفهم كتعبير عن صخب الظهور الحديث للتكنولوجيا العالمية ولا كحركة تجديد سياسية. وثانيا : لا كعودة إلى "البدائية" “Primitive” ولكن لا شئ أكثر من اكتشاف الفن لنفسه وبنفسه كشكل Formوموضوع Subject وممارسة .Practice ) (Steven ,1989, ,p81-83)
ان مهمة النقد تحددت في المعايير النظرية الشكلية والتي أزيلت التأثيرات السياقية وكذا الأخلاقية وأصبحت تزيل أيضا كل تأثير وأي تأثير مستعار أو مستمد من فن لآخر بحثا عن الاستقلالية والنقاء Pure كضمان ثبات المعايير .

· فنون ما بعد الحداثة والمفاهيم ضد الجمالية
لقد واجه الفنانين بعد الحرب العالمية الثانية فشل اتجاهات فنون الحداثة فى تحقيق تقدم نحو قيم ترقى للسلام الاجتماعي فى ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا والتى فقد معها الفنان الاتصال الإنساني بالطبيعة التي أصبحت تفيض بالبيئات الصناعية. وفى مواجهة ذلك انتقد هؤلاء الفنانين وجهات النظر الحداثية والنظرة المتسامية بالمعايشة الحياتية، فاستعانوا بالأشياء الجاهزة من الحياة اليومية كمادة ووسيلة غير تقليدية في التعبير و مع انتشار فنِ الشّيئِ Object كحركة جديدة وجذرية ، كان كل من روشينبيرج ، كينهولز وفنانوا البوب قَدْ شكلوا عالمِ الفن من خلال الشارع ، من الزبالة و مخازن السلع البالية، وبدءوا يعيدون النظر في العـلاقة المضطربة بين الفن العالي والمنخفض أو الشعـبي والتهـكم والسخرية النقدية واطلق عليه " فن العامـة Pop Art لقد كان العديد من الفنانون يبحثون استراتيجيات بديلة لانتاج فن يساهم فى انهيار الحدود التقليدية و التحول والانصهار التام بين الفن والحياة.
و" يشرح هال فوستر Hal Foster " تعبير "الجماليات المضادة" بأنه "يشير إلى ممارسة ذات طبيعة ممتدة عبر التخصصات المختلفة، التي تتصف بالحساسية تجاه الأشكال الفنية المشاركة في نشاط سياسي (على سبيل المثال الفن النسائي) أو المتعمقة في الجوانب العلمانية، أي لتشكل إنكار لفكرة العالم الجمالي المتميز." وفي الواقع أنه حتى في حالة أخذ النص أو الأشياء أو العمليات من سياقاتها غير الفنية و استبدالها بالتخيلات و الوسائط المتركزة في الفن الأقدم، فأن النتيجة تميل إلى أن تعمل بصورة مؤسساتية بنفس كيفية عمل الرواد في النصف الأول من القرن العشرين." ( M. Iversen, 1991, p. 85)
و استخدام الفنانين أشياء ذات طبيعة قابلة للزاول عند تعرضها لعوامل جوية , بين مختلف العديد من الاتجاهات الفنية "الفن المفاهيمى"و"فن الاداء" و"الفن البيئى" و "فن الارض" و"فن التجهيز". فاعتمد "فن الاداء" على احداث بصرية ضوئية وحركية وصوتية فى سياق زمنى تقاوم الاحساس بوجود تكامل وتبدو قلقة وملتبسة، وذلك ما تعكسه اعمال " آلان كابرو" بمنهج يساهم في تعميق الإحساس بغياب أي ترابط بين مجموعة الأنشطة الأدآئية كما يمنع وجود بؤرة تركيز ويتحول جمهور المشاهدين على الفور إلى مشاركين في العمل.
وفى علاقة "الفن البيئى" بالفنون ضد الجمالية كما لاحظ " روزنبرج Harold Rosenberg " ان "الفن الفقير" في ستينيات القرن العشرين: "يتيح إنكار الفنان جميع الأهداف الجمالية في العمل، الفرصة لكي يحصل بشكل حر على جميع المفردات الجمالية للفن الحديث. " و تتصف أعمال فن الارض و الفنون المادية و الأعمال المفاهيمية التي يناقشها بأنها: "ممتدة في خط متعرج يمتد من دوشامب والمستقبلية إلى الدادية والسيريالية و التجريدية التعبيرية و البوب والمينميمال و التجريد الهندسي." ( H. Rosenberg, 1972, p. 36)واختار الفنان مادة أعماله من واقع التجربة المباشرة للطبيعة والعوامل المناخية كأثر الشمس على الأشكال و المطر والبرق و المواد الخام الرمل والطين واستخدم كافة الوسائل المستحدثة , من طاقات مكانيكية أو مغناطيسية أو كهربائية أو الكترونية, أندمجت فيها كل خصائص الطبيعة مع التكنولوجيا.
لقد حدث تآكل في التصورات السابقة للفن والمستندة إلى تسامي الجوانب الاجتماعية الخاصة التي تحققت من خلال الفردية والابداع ، و السبب في ذلك احتواء الفن لمجالات الإنتاج والاستهلاك و بصورة خاصة في مجال الرواد، بواسطة مؤسسات الدولة و الأكاديميات، إلى جانب التوسع الهائل في أسواق الفن. وكان من دوافع انتشار فن التجهيز بين الفنانين خلال الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين الميل نحو امتزاج الفن بالحياة, والارتياب العام من الانفصال بين الأشياء بعضها البعض, وسيادة الصفة التجارية على أعمال الفن و الدمج بين أنساق الفنون المختلفة فى التراث الفنى عبر الحضارات والثقافات المتعددة. أكد على عدم ادراك العمل الفنى تحت مسمى تصنيفى واضح وكذا عدم الالتزام بالحدود الفاصلة بين الفنون. واضفاء قيم مناهضة لقيمة "التكامل " التى كانت تميز فنون الحداثة وتتصف بها الاعمال الفنية من صعوبة اضافة اوحذف جزء منها , بل أصبح معها العمل الفنى متعددة المسارات, والتى توفر للمتلقى مداخل عديدة لتفسيرها.
فالاستخدام التكنولوجى أصبحت معه افاق الفن للإبداع تتسع لفضاء واقع سمعى وبصرى وحركى عبر الزمن ، يساهم بقدر كبير فى امتزاج المعارف والخبرات، وبالرغم من ذلك فالفن الذي يتم الاحتفال به تحت عنوان المضاد للجماليات يشترك مع رواد الفن في المراحل السابقة في بعض السمات الشكلية ، و بصورة خاصة مع الدادية و السيريالية ""بالنسبة فى استخدام النصوص و الصور الفوتوغرافية والرسوم التوضيحية والخرائط والأشياء الجاهزة أو التسجيلات الصوتية والمرئية . وتنظيمها وفق اسلوب وطرق اداء فنية .
ومفاهيم يصعب تحديدها وفق معيار ثابت أو محدد كسابقتها من الفنون التقليدية, مما يطرح افاق اكثر رحابة فى ممارسة التنظير والنقد ومناهج مغايرة فى قراءة العمل الفنى . تقوم على مشاركة المتلقى فى العمل الفنى , مما اسهم بشكل فعال فى القراءة المفتوحة للعمل الفنى مما ساعد على التشتيت الذى لا نهاية له وعدم وضوح بؤرة تركيز يستند اليها المشاهد وأدى ذلك الى تفكيك العناصر الفنية .
· النقد الفنى فى مراحل التربية الفنية بمصر
لقد تطورت التربية الفنية في مصر والدول العربية بداية من الاتجاه نحو الرسم أو النقل من الأمشق والرسم من النماذج كمحاكاة للطبيعة إلى اتجاه التعبير الحر المطلق والرسم من الخيال ونظرية التعبير والإبداع الفني كمادة تعتمد على الموهبة ثم التعبير الحر المقنن والموجه وتبنى الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية. وكانت الفترة الأولى النقل من الأمشق (1843-1916م) وكان المقصود من المشق stigmographic هو المثال المرشد فكان يعتقد أن التلاميذ لا يمكنهم تحقيق التعبير عن أنفسهم بصورة مستقلة بل ينبغي أن نرشدهم اليه . وكانت ممثلة فى رسوم مسطحة كنموذج يحتذى به في عمليات النقل والمحاكاة وهي متدرجة من السهل على الصعب. اما الفترة الثانية المسماة محاكاة الطبيعة (1916 – 1947م) كانت محاولة من الخروج على ثوابت وجمود آلية الأمشق التي لا تتفق مع مرحلة الطفولة وتلقائيتها فكان الاتجاه إلى الرسم الاكاديمى متبعين قواعد النسب والمنظور والظل والنور للتجسيم. برسم النماذج الطبيعية أو المصنوعة فى محاكاة ،أو من الذاكرة كتمرين على قدرة استدعاء الصور من المخيلة ، وقد تضمن جانب زخرفى يتدرب فيه على محاكاة زخارف تراثية يتعلم من خلالها دقة النسب والنظام والمهارات اليدوية وجماليات الزخرفة والتلوين. واجمالا فى المراحل السابقة سيطرت نظرية المحاكاة بمفهومها البسيط على معاير النقد الفنى فى تقييم الاعمال الفنية . اما فى الفترة الثالثة التى اطلق عليها التعبير الحر المطلق (مرحلة الاعتراف بفن الطفل) (1947 – 1967م) كان الهدف على تأكيد ذاتية التلاميذ وحرية التعبير عن أنفسهم .وذلك من خلال طرح موضوعات ادبية لبطولات وأحداث تاريخيه تسمح بإطلاق الخيال وبعيدا عن مجرد المهارات الميكانيكية لحرية اللغة التعبيرية. وتنمية الإحساس بالجمال وما يناسب ذلك من اساليب تعبيرية بالألوان المائية والشمعية والخامات المختلفة وتغير مفهوم الرسم السابق بالمفاهيم الحديثة لمراحل وخصائص فنون الاطفال ومراعاة الفروق الفردية ومفاهيم الفن الحديث . غير ان غياب المعايير النقدية نتسجة سيادة الذاتية والانفعالية فى التقييم وتداخلها مع معايير المحاكاة احدث نوعا من الفوضى و عدم جدوى القيمة وقلل من اهمية المادة ذاتها الامر الذى عالجته الفترة الرابعة والتى يطلق عليها التعبير الحر المقنن والموجه (1967 – حتى الآن) والأسس التي اعتمدت عليها هذه الفترة كانت بالاعتماد على النظريات المعاصرة لتدريس التربية الفنية. والدعوة إلى ارتباط الفن بالمجتمع. دور الفن كعنصر أساسي في الإعلام. سرعة التغير العالمي وثورة الاتصالات. وظهور الاتجاهات الاجتماعية في الفنون. والاهتمام بالمعرفة داخل التربية الفنية.
بينما اعتمدت فى تحقيق ذلك على محاور رئيسية فى التدريس بالاهتمام بالموضوعات المثيرة للتلاميذ في التعبير الفني وإخراج مكنوناتهم الداخلية بدلاً من الموضوعات المتصلة بالطبيعة أو الزخرفة أو العمارة. و التركيز في عملية التدريس على عناصر وأسس العمل الفني بدلاً من موضوعات التدريس . و أصبح للتدريس خطة تعالج القيم الفنية تعالج بعض نواحي القصور لدى التلاميذ مثل خطة لونية. واستخدام البحث العلمي والدراسات البحثية لحل لمشكلات التي تواجه التربية الفنية في البلدان العربية ووضع معايير مقننه وأهداف محددة للتربية الفنية المعاصرة
ومن المناهج التربوية المعاصرة للتربية الفنية التى انتشرت فى امريكا منذ السبعينات وتبلورت مفاهيمه عام 1983 في مركز جيتتي (Getty) حث اعد برنامج للتربية الفنية هو ما يعرف بالاتجاه المعرفي المنظم في تدريس التربية الفنية (Discipline Based Art Education) وكان للعديد من الاساتذة فى قسم علوم التربية فى كلية التربية الفنية و الباحثين تحت اشراف د. ثرية عبد الرازق منذ نهاية الثمانينات اسهامات عديدة فى بلورة الافكار السابقة ومحتوى المنهج الجديد انعكس فى جوانب عديدة فى التربية الفنية وهو ما يصب الاهتمام على جعل البنية المعرفية أساس للتدريس بناء على مجموعة من المفاهيم والطرق والوسائل ويسمح بطرح مناهج معدة بشكل منظم في تدريس التربية الفنية , والذي يركز على المعرفة بتاريخ الفن Art history والنقد الفني Art criticism وعلم الجمال Aesthetics والإنتاج الفني Art production كأساس في تدريس التربية الفنية .حيث يقوم الطلاب من خلال النقد الفني بعمليات الوصف و التحليل والتفسير والتقييم للأعمال الفنية والحكم عليها على أساس علمي منظم ومنطقي من أجل الوصول الى المعنى والقيمة التى تتضمنها تلك الاعمال. كما يسهم تاريخ الفن فى التفاعل بين المتعلم والتراث ، و دراسة الطلاب للأعمال الفن التى شكلتها الحضارات في الماضي و الأحداث والحركات فى الحاضر و ذلك فى ضوء العوامل الثقافية من جوانبها السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية. اما علم الجمال فيقدم الاطار الفلسفى لمفهوم الفن وما يرتبط به من نظريات تمثل أسس ومعايير لقيمة الفن. والإنتاج الفني ذلك النشاط الذى يتم داخل الاستوديو بتعلم وتنمية القدرات المهارية والفنية التي وتركز على أهمية الإنتاج الفني الابتكاري للطلاب حتى يتمكن الطلاب من التعبير بإنتاج أعمال فنية مبتكرة .وكانت لتلك المفاهيم اثر كبير فى تغير طرق تدريس التربية الفنية في المدارس وأحدثت تطور فى مناهج التربية الفنية.


  • التربية الفنية بين مفاهيم الحداثة والمعاصرة

بالرغم من ما هو شائع فى مصر ومعظم الدول العربية فى تعليم التربية الفنية فى من ممارسات تعكس التناقضات في الكثير من الأحيان والتردد بين نظريات الحداثة و ما بعد الحداثة في الفن. وشيوع النظريات الجمالية وممارساتها تتصف بطابع الحداثة في المقام الأول و تستند جميع أنواع النقد على أحكام القيمة. وعلى هذا الأساس فأن النقـد يعد بمثابة فعل الإقناع. إن الناقد يتخذ موقفا معينا و يحاول أن يقنع القارئ ما يراه هو, وقد لا نتفق مع إحكام الناقد حول المعنى أو القيمة، في حالة اختلافنا مع منطقه أو قيمه.فالعمل الفنى الواحد يمكن تفسيره على أوجه مختلفة تبعا لمعايير النقد, فتاريخ النقد الفنى يشهد اختلاف فى أحكام جمالية متعددة للعمل الفنى الواحد , نتيجة لمستويات متعددة من الاختلافات فى المستوى الثقافى والحضارى ,وتعالج النظرية النسبية الاختلاف حول القيم بالرجوع الى مشروعية التفسير عندما يكون مبنى على حقيقة العمل الفنى , فمن الواضح أنه توجد أكثر من وجهة نظر حول معنى و قيمة الحقائق، وهو مايؤكد على دور و فاعلية كل من الجماليات وفلسفة الفن، بالنسبة للنقد الفني.
و تغير مفهوم التربية الفنية المعاصرة يؤكد فيه الباحثين والمهتمين بدراسات التربية الفنية على وجود بعد نظرى معرفي للفن يستمد الاسس والمعايير من نظريات الفن المختلفة يعلى من قدرات فعاليات التفكير التى لا تنفصل عن الإبداع بل تفسر و تكشف عن المعنى وتحتاج تلك المهارات إلى تعلمها وتطويرها كالمهارات المتعلقة بالإدراك الحسي والمعلومات والخبرة لتوجيه الحواس وفق الاهداف المنشودة مؤسسة بمرجعية من البناء المعرفى المرتبط مع الخبرة وتوسيع نطاق الإدراك الحسي باستكشاف الأنماط والعلاقات فيما بين المعلومات إكتشاف المعاني.
ومن الملاحظ كظاهرة منتشرة فى ان الممارسات الفعلية للتطبيق فى تعليم التربية الفنية تعتمد بشكل اساسى على النظريات و الممارسات "الشكلية" التي تتسم بها فترة الحداثة وما تزال تشكل المدخل الأكثر شيوعا في تدريس الفن. و التركيز في عملية التدريس على عناصر وأسس العمل الفني بدلاً من موضوعات التدريس . و أصبح للتدريس خطة تعالج القيم الفنية تعالج بعض نواحي القصور لدى التلاميذ مثل خطة لونية. فالكثير من أساتذة التربية الفنية يستخدم أعمال فنون الحداثة للتدريس. فنلاحظ استمرار هيمنة تأثير اتجاهات الحداثة الفنية كالسوريالية والتعبيرية التجريدية في تدريس الفن نظرا لإمكانية التعامل معها بنجاح وانطلاقا من نظريات الحداثة كأساس معرفى للفهم يقوم الطلاب بعمليات وصف الأشكال والخطوط و الألوان وغيرها من العناصر الشكلية في العمل الفني إلى جانب انطباعاتهم و تأثيرها عليهم.
وكذلك التطبيقات العملية و الأنشطة الفنية داخل الاستوديو تركز بصورة أساسية حول مفاهيم الخط و الشكل و القيمة و اللون. ويبدو ذلك جليا فى تصورات معظم اساتذة الفن الخاصة لتفسير الأعمال الفنية التى ما زالت تعتمد على نظريات الحداثة . ولكن هل تكفي ممارسات الحداثة المتعلقة بالتفسير في الفن المعاصر لعصر ما بعد الحداثة الذى يتصف بقدر اكبر من التعقيد ولا يصلح معه التفسير والنقد الشكلي.
فبالنسبة لفنون ما بعد الحداثة أصبح من الضروري السعي إلى ما هو أكثر من الاستجابة المباشرة لمظهر العمل الفني ، وهناك فجوة كبيرة بين ما يطبق فى تعليم الفنون وما تشهده قاعات العرض من حركات واتجاهات فنية معاصرة تثير العديد من التساؤلات حول ما هو الفن وما هو الجمال نظرا لما تشكله تلك الأعمال من صيغ متداخلة بين فروع الفن المختلفة فلم يعد هناك رسم أو تصوير أو نحت أو غيره من المجالات التى استقرت فى الأكاديميات و مؤسسة بمنهجية يمكن تقيمها والحكم عليها , كما إن اغلب هؤلاء الفنانين ظهرت فى اعمالهم صيغ تركيبية لبعض العناصر الجاهزة والمستهلكة و الأشياء المهملة غير عابئين بتقديم صيغ ذات تناسق بصرى يحمل جمالية تنظيمية او علاقات شكلية فقط بل مركزة على المفاهيم ولذا فأن الطراز المرئي للعمل الفني ليس غاية في حد ذاته. حيث انه فى بعض الأحيان يستخدم الفنانون المضاد ـ الجمالي و الخبرات الحسية للمتعة الجمالية و المواد التقليدية.
كل هذا ما يدعو بشكل ضرورى تغيير المدخل المستخدم في تفسير الأعمال الفنية لتتوافر بعض العلامات والأدلة لما بعد الحداثة من خلال الدراسات الثقافية بصورة عامة، و البحث عن نظريات فنية أخرى تساعد المشاهد على توسيع نطاق خبرته و فهمه. ويشير " سكريفين Scriven" ، " بول Paul" إلي أن ) تلك العملية المنظمة فكريا الخاصة بفهم وتطبيق وتحليل وتأليف أو تقييم المعلومات المجمعة من خلال الملاحظة والخبرة والتأمل والتفكير أو التواصل بفاعلية ومهارة. وفي شكله النموذجي يعتمد التفكير الناقد على قيم فكرية عامة مثل: الوضوح والدقة والصحة ومتانة الصلة والدليل السليم والمبررات الجيدة والعمق والاتساع والإنصاف وعدم التحيز.) (Scriven, 1996 )
و هناك مدخل مختلف للتفسير يؤدي إلى فهم و تذوق العمل الفنى. (توفر نظرية دانتو للفن أساس للتفسير المؤدي إلى التبصر، الذي لا يمكن ادراكه من خلال التفسير الشكلي. فمن الممكن أن تساهم المعلومات حول تاريخ حياة الفنان و أعماله الفنية الأخرى و السياق الاجتماعية التى أنتج فيها العمل الفني في التوصل إلى فهم أفضل للعمل الفني. )( Barrett, 1994,p214 ) ويؤدي هذا المدخل إلى تقدم مستوى الأداء التحليلى للرؤية البصرية عند كل من دارسى ومعلمى الفنون على حد سواء. فمن الصعب فهم النظام المتعلق بالمقاصد الفنية سواء الحرفية أو المجازية، ويترتب على توفر المعلومات فهم مضامين ومعنى العمل كتاريخ ونظريات الفن و الثقافة. ومن الضروري عرض الأعمال الفنية من خلال السياقات المحيطة بالعمل من كافة الجوانب ومع توفير بعض اطار معرفى حول الفنان و مراجع تاريخية ممكنة حول الفن وعلم الجمال و الثقافة البصرية. وهو ما يؤدي في نهاية الأمر إلى فهـم المعنى وتذوق للعمل الفني .

· نتائج البحث
1. مع المفاهيم المعاصرة للتربية الفنية يمكن تطبيق أساليب للشرح و التفسير النقدى في إطار أعمال ما بعد الحداثة . وتمدنا بالمزيد من المعانى والقيم التى يحتاجها دارسى الفنون خلال البعد النظرى المعرفي للفن (الأعمال الفنية تقدم لنا المعاني المعقدة و يتطلب فهم هذه المعاني تطوير القدرات اللازمة لتفسيرها)(, 130-193. Greer, 1987) وهو ما طرح التساؤل حول قضايا النقد والتذوق الفنى لدلالة وقيمة المعنى للأعمال الفنية جماليا وفنيا . و ضرورة اهمية حاجة طلاب الفنون عند القدوم لرؤية أعمال الفن الحصول على المزيد من المعرفة بتاريخ و نظريات الفن و السياق الثقافي ، لكي يتمكنوا من رؤية هذه الأعمال باعتبارها أشياء ذات خواص شكلية و أيضا باعتبارها مجالا للمعاني. وفي غياب المعارف والمعلومات فانه من الصعب تجميع الإحساس بمكونات العمل وقيمته .
2. النقد وعدم استقرار المعنى كأحد الدوال على استمرار التعدد واللانهائية فى المعنى، و من خلال "الوصف العميق" الذى يركز بصورة اساسية على المتلقي منذ الاستجابة الاولية للعمل الفنى و التركيز على العلاقات والمعاني التي تنشأ عنها ومدى ارتباطها بالعمل الفنى مرة اخرى . ذلك ما يؤكد اهمية المعنى في النقد الفنى ويكشف عن شبكة من العلاقات والتى لا يقتصر تأثيرها بمجال ومحيط العمل الفني فقط. و الوصف العميق لا يعني بالضرورة تفهم العمل الفني، ولكن يعني تفهم المتلقى لذاته غير انها ليست مجرد انطباعات أو بمفهوم الذات الرومانسية التي تمثل ذات الفتان بل هى بحث فى الداخل لذات بدوافع الشك والثورة في كل شيء وما يتعلق بالحياة فى سياق العمل الفني و غيرها من العوامل ذات الصلة الوثيقة. هذا ويعد المعيار متوقفا على ذاتيه المتلق أي على الاطار الثقافي الذي يحمله ولم يكن هناك حدود مغلقة للعمل الفني بل كل متلقي يمكنه اكتشاف المعيار والأساس الذي يبني عليه الحكم الجمالي الخاص به ونتيجة لذلك لابد من انطلاق المعانى وتعد الدلالات اللانهائية .
3. ولتأكيد فاعلية الحوار النقدى حول الفن والقيم الجمالية وتشكيل عقلية واعية مميزة بالتفكير الناقد يجب انعكاس ذلك بصورة ايجابية على دارسى الفنون داخل عملية التدريس فى التربية الفنية عبر أسئلة بطريقة مثل "ما هي طبيعة هذا؟' , "ماذا يعني هذا؟" ، "لماذا يحدث ذلك؟' ؛ "ماذا لو؟" وتنمية السلوك بطرق التفكير النقدي وصياغة أسئلة للحوار يمكن أن تساعد المشاركين على التنبؤ بالنتائج وخلق بدائل للتعامل مع المشاكل التي تواجهها. والارتباط بين هذه المعلومات والحياة المستقبلية فالتفكير الناقد تفكير تأملي و مركز على اتخاذ قرار حول ما يؤمن به الفرد ويصدقه ، وفى سبيل تطوير تفكيره و السيطرة عليه يجب البحث في الطريقة التي تجعله أكثر صحة ووضوحاً وهو ما يتطلب وضع الفروض، والأسئلة، وبدائل، وخطط للتجريب و مدافعاً عنه وهذا ما يؤكد علية غالبية أساتذة التربية الفنية لتطوير قدرات الطلبة على التفسير النقدى لأعمال الفني للوصول الى مستوى أكثر رقيا و تحديا حيث يشكل ذلك هدف اساسى للتربية الفنية المعاصرة.
4. لاشك أن تاريخ الفن يمد النقد بالأعمال الفنية المختارة من أزمنة وثقافات مختلقة ويمثل ذلك من أفضل الأدوات التي يمكن أن يستخدمها معلم الفــن بهدف تطوير كل من المحتوى الفني و مهارات التفكير النقدي للطالب. و عن طريق مشاركة الطالب في تطوير المعنى وليس إعطائه نسخة سابقة من المعني ، سوف يؤدي ذلك الى تحول العملية التعليمية التى يتجه فيها المتعلم إلى فاعلية ايجابية فى اطار تجريبى مما يفسح المجال لتوسيع نطاق الادراك الجمالى برؤى منفتحة والوصول الى معاني تستند الى معايير جمالية قد تم الاستدلال عليها مسبقا , ويبتعد بذلك كليتا عن التلقى السلبى للمعلومات والأحكام المسبقة .
5. وقد تساعد المعلومات التى نحصل عليها حول نشأة وتاريخ الفنان والسياق الاجتماعي والثقافى على التوصل لفهم أفضل لرسائل الفنانون في طرح رؤية مغايرة من خلال تعرفنا على الارتباط بخواص العمل الفنى بين جميع هذه العناصر سواء الداخلية أو الخارجية للعمل الفنى. بل وربما مناقشة العمل الفنى تتجاوز التحليل الظاهرى لعناصر ومفردات العمل لأهمية الابداع وريادة الفنان ومفهوم الانطلاق عبر الحدود إلى آفاق جديدة. وكيفية اساليب وطرق الاداء وتطورها لإنتاج الفنون وانعكاسه من على صور الحياة الشخصية للفنان .
6. تجاوز "ما وراء الجماليات التقليدية" أن تحليل الفن باعتباره ظاهرة ثقافية، يمكن أن يكشف الدور المفيد الذي يؤديه في المساعدة في فهم طبيعة المجال الفني و ديناميكياته في الوقت الراهن. و قد يتطلب ذلك تحولات في الطرق، بحيث يتم التخلي عن طرق الاستخدام العام، من خلال مشاركة جادة في الجوانب التاريخية المتخصصة في الفن.
7. الكشف عن التفاعلات اللانهائية لقد تخلى تيار ما بعد الحداثة عن ذلك المفهوم ثبات العلاقة باعتبارها وحدة لمتكاملة ومن ثم محاولة الكشف عن التفاعلات اللانهائية المتذبذبة بين عناصر العمل الفني تلك التفاعلات التي تحاول الحداثة أن تبحث لها عن قواعد الأساسية محددة .