إن العلاقة بين الناقد والفنان التشكيلي هي علاقة تبادلية، قد يأخذ فيها الفنان برأي الناقد في إنتاجه الفني. وقد يلتقي الناقد بالفنان فيتم تبادل الرأي مباشرة، أو قد يتناول الناقد عمل الفنان بالدراسة والتحليل، ويكتب عنه مقالاً نقدياً ينشر في الصحافة ليقرأه الفنان كما يقرأه أي قارئ آخر. وقد تصل العلاقة بين الناقد والفنان إلى حد الخلاف والشد بين الطرفين بسبب تضارب الآراء أو عدم رضى الناقد عن عمل الفنان، كذلك عدم رضى الفنان عن ما يكتبه الناقد. ومهما كان نوع العلاقة بين الفنان والناقد إلا أن الفنان والحركة التشكيلية في حاجة إلى النقد الفني. فالناقد ينقد العمل الفني من خلال فهمه وخبرته الفنية ومعرفته الثقافية. فنجد أن لبعض النقاد قدرة على أن يرفع بكتابته النقدية من مكانة فنان أو قد يؤثر في المتلقين من الجمهور حــول أهمية أعمــال بعض الفنانين، وبالتــالي حــول أهميـة الفــن التشكيلي في المجتمع. (إمام 2000، ص8)
ويؤكد باريت (Barrett 1994) أن على الناقد أن لا يكون في موقع المراقب الذي يبحث عن الأخطاء في الأعمال الفنية، بل يجب أن يبحث عن الإيجابيات. كما أن عليه أن لا يضع نفسه في موضع المتحدي للفنان مما يجعل عملية النقد ذات صفة شخصية وليست موضوعية، بل أن على الناقد أن يتجرد من الأهواء الشخصية، وأن يحكم على الأعمال الفنية من غير تحيز أو تشدد في الرأي. (ص3) حيث يعتبره البسيوني (1986) حكــم أو قـاضٍ لديـه معـرفة بالأصـول وهو يحـاول تطبيقها. (ص69)
ويرى بقشيش (1997) أن النقد يشارك في صنع الفنانين والأعمال الفنية، "فقد يربط الناقد بعض المؤثرات بعمل فني ما، لا يكون الفنان نفسه قد تأثر بها، وقد يتوقف الفنان في مرحلة سياسية مرتبكة... فيسارع الناقد إلى الربط الآلي بين الارتباك العام والتوقف الخاص، وربما كان هذا التوقف عائداً لسبب فردي بحت لا علاقة له بذلك الاضطراب العام، ولأن معظم فنانينا، إن لم يكن كلهم، لا يمارسون الكتابة الإعترافية عن سيرتهم الذاتية، أو الكتابة الموضوعية عن تجاربهم في الإبداع، لذلك يتحمل الناقد الذي لا يجد أمامه إلا وثيقة العمل الفني عبء التفسير الذي يظل ناقصاً على الدوام." (ص8)
إن ما يدعو الناقد إلى القيام بمهمة الكتابة عن الأعمال الفنية، هو كون الفن المعاصر وإنتاج كثير من الفنانين المعاصرين غير مفهوم لدى كثير من الناس. ويرجع ذلك إلى تعدد مفاهيم الفن واختلافها عن العصور السابقة. فالنقد الفني يفسر ويوضح ويحلل الظاهرة الفنية، ويدعو إلى أن يتعايش الناس مع الفن بموضوعية وحيادية. ومما يسهل على الناقد مهمته في رفع مستوى الذوق العام في المجتمع، وتوضيحه لمعاني الأعمــال الفنيــة وبنائهــا وقيمتهــا التــعبيرية والــرمزيـــة إلى المتلقــين. (علي 1998، ص151)
ويعتبر البسيوني (1986) أن المغالاة في مدح الفنانين قد تؤدي إلى الخداع لهم وجعلهم يحسون بأنهم وصلوا لمستويات عالية مما قد يقلل من الاجتهاد، كما أن الهجوم والهدم المستمر قد يثبط من هممهم، ويقلل من فرصهم، لذلك يؤكد على الحاجة إلى نقد متزن لا مغالاة فيه ولا هدم. يقول: "يجب أن تبرز المحاسن والرؤى الكلية، ويقل الاهتمـام بالهفــوات كيــلا تضيــع المعــالم الرئيسيــة في العنــاية غير المحدودة بالتفاصيل." (ص73)
ويعد النقد الفني عملية تحليلية تمكن الناقد من جعل الأشخاص غير القادرين على تذوق الأعمال الفنية، قادرين على إدراك القيم التي تؤدي إلى الرؤية الفنية الصحيحة، وقد ينقل الناقد من خلال نقده رؤية جديدة لم تكن واضحة لدى الفنان الذي أنتج العمل الفني، فالنقد الفني كما يقول علي (1998) "هو طريق الرؤية الفنية السليمة المرتكز على الموضوعية والفهم السليم والدراسة. وثقافة الناقد يجب أن تكون على أعلى مستوى." (ص155) ويرى عرابي (1990) أن يكون الناقد شخصاً متواضعاً، يتحرى الحقائق المطلقة في الشكل واللون، وأن لا يطلق النقاد الصحفيون تقويمات عامة ومصطلحات مزاجية غير مسؤولة لا تعبر عن الأعمال الفنية أو أساليب الفنانين. ويعتقد البسيوني (1986) أن النقاد الذين فشلوا سابقاً كفنانين وهم يتخذون من النقد مهنة بديلة، "هؤلاء كثيراً ما تكون آراؤهم وأحكامهم غير صحيحة وقد تحمل تعويضاً عما كان ينقصهم في الأداء والممارسة." (ص68)
وتعتبر وظيفة الحكم هي أهم وظائف النقد الفني حيث يحتاج النقاد إلى مبررات تدعم هذا الحكم لتكون آراءهم وأحكامهم مبنية على أسس واضحة ومحددة. فلا يمكن الوصول إلى الحكم دون أن يحيط الناقد بظروف العمل الفني أو بالسيكولوجية المحيطة بالفنان وظروفه الاجتماعية. كما أن عليه أن يتتبع البناء الشكلي والجمالي ويفسر دلالته التعبيرية أو الأيديولوجية أو الاجتماعية أو التراثية أو السياسية... وغيرها من الدلالات. ولابد للناقد من أن يقيم نوع من العلاقة الإنسانية مع الفنان، يستطيع من خلالها أن يستنتج بعض المبررات للأحكام التي يطلقها على أعمال ذلك الفنان. فالناقد هو من يستشعر الصفات الإبداعية في الأعمال الفنية ويكشف النقاب عنها ويوجه النظر لرؤيتها وتذوقها. (البسيوني 1986، ص69)
ويعتمد الحكم على الأعمال الفنية المختلفة عند النقاد على معايير وأسس، يتم الحكم من خلالها على الأعمال الفنية. هذه المعايير قد تكون مستمدة من المعرفة بما أنتج في الماضي أو قد تكون مستمدة من داخل العمل الفني أو من خلال السياق الاجتماعي والأخلاقي والديني. ولا يستطيع أي ناقد مهما كانت قدرته ومهارته النقدية أن يفرض أي مقاييس مسبقة على الأعمال الفنية، ولكن هناك معايير عامة للقياس ولإصدار الأحكام على أساسها. وحتى هذه المعايير ليست مطلقة بل تعتبر مساعدة للناقد، فلكل عمل فني مبتكر قوانينه ومعاييره الخاصة التي تصلح في وقت ما، بينما قد لا تصلح لعمل مختلف ووقت آخر. وينظر النقد المعاصر بمرونة إلى الأعمال الفنية وبأسس مختلفة في كل عمل فني، حيث يوجه النقد الانتباه إلى الشكل الظاهري للعمل الفني والطريقة التي تم بها بناؤه الشكلي، ثم ينتقل إلى معاني الرموز، والروح التعبيرية للعمل ككل، ويزيل الغموض ويوضح المضامين الفكرية داخل العمل الفني في سياق الأحداث التي تدور في المجتمع. (علي 1998، ص157)