القيم التشكيلية والتعبيرية للمفردة الشعبية كمصدر للرؤية

فى ضوء مفهوم الحداثة فى التصوير






إن دراسة مفردات السحر التشكيلية فى المجتمع المصرى ، تلقى الضوء على سمات أخرى فى مجتمعنا المصرى ، حيث تُعد من أحد مكونات الشخصية المصرية ، ومن هذه السمات سمة الاستمرار ؛ بمعنى أن هناك بعض المفردات الثقافية القديمة يستمر بقائها فى المجتمع المصرى حتى الآن ، ظاهرة السحر فجذورها ضاربة إلى عهد المصريين القدماء ، وهى موجودة فى كثير من تفصيلاتها إلى الآن كما كانت فى مصر القديمة ، على سبيل المثال: (مفردة العروسة التى تثقب بالإبرة لاتقاء شر العين، والحسد ، والرقية المتعددة الأغراض … الخ).

ويمثل الفن الشعبى المصرى محوراً هاماً ، وطريقة حياة ذات طقوس روحانية مميزة جذبت اهتمام شتى الفنانين على اختلاف جنسياتهم ، وبخاصة فنانى الغرب بعد عدائهم للجانب الروحى ، نتيجة للدينامية الصناعية التى تعــم طريقة حياتهم فى هذه الآونة ، ومن هؤلاء فنانو الاتجاه (النابى) Nabis، كما تكمن أهمية هذا الفن فى كونه مستقى من منابع روحانية أصيلة منها الفن الإسلامى والقرآن الكريم ، والفن القبطى ، والفن المصرى القديم ، ولذا يمثل الفن الشعبى المصرى روحاً متصلة بين طبقات الشعب فى حدود دور هذا النوع من الفن ، والذى يمثل محصلة انتقائية لكل الفنون فى شتى العصور التى مرت بها البلاد ، حيث ترجع جذور التصوير الشعبى فى مصر إلى القرون الأولى للتاريخ الميلادى ، أى مع بداية تمرد الشعب المصرى علي كل ما يمت إلى الأساليب الروحانية ، استمر هذا الفن محتفظاً بتقاليده القبطية حتى العصر المملوكى ، حيث تكونت له شخصية تغلب عليها مظاهر الطابع الإسلامى والعربى .

وتزخر مفردات الفن الشعبى فى مصر بمجمـوعات هائلة من رموز السحر الشعبي ذات الدلالات والعلامات والرسوم والأشكال والنصوص والكتابات ، والتى تحوى العديـد من القيم التشكيلية والتعبيـرية ، والتى يمكن الاستفادة منها فى صياغات تشكيلية تتفق مع مفاهيم الحداثة فى الفن ، وخاصة مجال التصوير؛ فالمفردات التشكيلية فى الفن الشعبى ، وارتباطها بالسحر والأسـاطير لها عقيدة فى الوجدان الشعبى ؛ فالموروث الثقافى تتلاقى فيه الأصالة مع الحداثة فى الجمع بين خبرة الفنان والمعرفة بمفهومه الموروث والحفاظ على الهوية ، وأشكال الإبداع الشعبى الأصيل . ولذا تمثل مفردات السحر مصدراً هاماً من مصـادر الرؤية لدى الفنان التشكيلى المصرى عبر عصور تلك المفردات الميتافيزيقية المطلسمة ، ذات الطابع الرمزى من ناحية والخداعى من ناحية أخرى ، والتى تضرب بجذورها بعيداً في أعماق التاريخ ، وربما إلى آلاف السنين عند قدماء المصريين ، والسومريين ، والحضارات القديمة بوجه عام.

إن هذه المفردات بدائية فطرية تفتقر إلى حنكة الرسام ، وإلى قدرة الملـون العارف بالنسب ، وقواعد المنظور، ولكنها معبرة موحية مثلها مثل مفردات الوشم التى استلهمها الفنان المصرى المعاصر لما فيها من فطرة ورمزية معبرة، ومن ثم فإن هذه التصورات والرؤى ، وإن كانت الخرافة مصدرها ، إلا أنها كانت بالنسبة للاتجاهات الفنية الحديثة على جانب كبير من الأهمية ، فيما بدا من مظاهر تمثلت فى أعمالهم الفنية المستلهمة من طبيعة الرموز الطوطمية والمفردات السحرية ، والتى كانت شائعة فيما قبل التاريخ ، واصطلح عليه عند الفنانين بـ (الصوفية البدائية) فى الفن ؛ فالاتجاهات الفنية الحديثة للصورة المرئية تتجه إلى الاستلهام من التراث القومى والشعبى ، ومن فنون الحضارات القديمة كمصادر الهام للفنانين فى مستهل هذا القرن على ضوء النظريات الحديثة، التى ألهمت بدورها قادة الفن ولفتت أنظارهم إلى مبادئ واتجاهات فنية ذات مذاهب متعددة علمية وفلسفية تتخذ فى الأداء طابع البداءه والفطرة وفنون التراث والعالم القديم ؛ فمنها الفنون السحرية ثم التصوفية الدينية وما يتبعها من الطوطمية.

إن ذلك هو ما دفع بالباحث إلى تناول مفردات السحر الشعبى بالدراسة لرغبته الصادقة فى التوصل إلى نتائج قد تثرى الجانب التشكيلى والتربوى من خلال استخلاص الأسس الفنية التى ترتكز عليهـا تلك المفردات ، والتعرف علي سماتهـا ومميزاتها بما يثرى جانب الرؤية الفنية والتذوق الفنى لدى الممارس ، ودارس الفن. الأمر الذى يساعـد على بلورة اتجاه فنى يحمل فى أعماله ملامح مميزة تشجع القدرات الفطرية والقدرة الإبداعية للطلاب ذوى الميل نحو التعبير التلقائى فى مجال التصوير ، وقد تضمنت هذه الدراسة ستة فصول :

· الفصل الأول: بعنوان - موضوع الدراسة :

يتناول هذا الفصل خلفية البحث ومشكلته والهدف منه وحدوده وأهميته وفروضه ومنهجيته وأخيراً الدراسات المرتبطة .

· الفصل الثانى: بعنوان- أُصول السحر الشعبى ومفرداته فى الحضارات القديمة:

يتناول هذا الفصل التعرف على أُصول مفردات السحر الشعبى عند (الكنعانيين، الكلدانيين، المجتمعات البدائية، قدماء المصريين، الهند القديمة، اليونان القديمة ، الرومان القدماء)، وكذلك مفهوم مفردات السحر من منظور سوسيولوجى، انثروبولوجى، سيكولوجى ، ومفهوم مفردات السحر الشعبى فى سوسيولوجيا المجتمع المصرى ، ثم يتناول الباحث بعض المفاهيم المرتبطة بمفردات السحر الشعبى: (السحر - الشعبذة ـ الطلسم ـ السيمياء - التعويذة ـ الحجاب ـ التحويطة ـ التميمة).

· الفصل الثالث: بعنوان - المفردات التشكيلية فى السحر الشعبى:

يتناول هذا الفصل نشوء المفردة الشعبية كمدخل لفهم مفردات السحر الشعبى، ثم الدراسة التحليلية لمفردات السحر الشعبى ، والتى قسمها الباحث إلى :

ـ المفردات الحيوانية .

ـ المفردات التشخيصية .

ـ المفردات الهندسية (المربعات السحرية) ، ثم دراسة تحليلية لمفردات النص الإعتقادى.

· الفصل الرابع: بعنوان - المفردة الشعبية كمصدر للرؤية فى أعمال بعض الفنانين المصريين المعاصرين:

ويتناول الباحث فى هذا الفصل الرؤية المعاصرة للاستلهام من المفردة الشعبية، وكيفية الاستلهام من المفردة الشعبية فى ضوء بعض النظريات العلمية، كما أوجبت تلك الدراسة تحليل لأهم أعمال بعض الفنانين المصريين المعاصرين الذين كانت مفردات السحر الشعبى مصدراً للرؤية فى أعمالهم ، وأخيراً مناقشة النتائج المستخلصة من تحليل الأعمال الفنية.

· الفصل الخامس: بعنوان - التطبيقات العملية للبحث:

فى هذا الفصل كان على الباحث أن يبرهن على بحثه بتجربتين أحدهما تطبيقية على عينة من طلاب كلية التربية النوعية ببورسعيد ـ جامعة قناة السويس ـ الفرقة الرابعة ، حيث اتخذ الباحث فى سبيل ذلك عدة خطوات من شرح وتوضيح وتحليل لأعمال فنانى الحداثة فى أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين فى مصر ، من خلال تناول المعالجات والحلول التشكيلية المعاصرة لتناول الفن الشعبي ، خاصة مفردات السحر الشعبى عند المصورين المصريين ، والذى كان دافعا في تعريف الطالب " عينة البحث " بطرق التشكيل المختلفة والصياغة فى إنتاج العمل الفنى من خلال التعرض إلى الأشكال الفنية للصورة المستحدثة فى العصر الحديث الكولاج Collag، التصوير المجسم Assemblage، التجميع "العمل المركب" Object، التجهيز فى الفراغ Installation ، كذلك توضيح عملية تجسيد الأفكار ، والتى يحاول الطالب ـ عينة البحث ـ التعبير عنها من خلال وضع تصور مسبق للمواد والخامات المناسبة للتوظيف داخل العمل ، حيث يقوم الطالب أولاً بإجراء بعض الأعمال التجريبية الصغيرة ، والتى يتعرف من خلالها على تلك الإمكانات فى التشكيل، بالإضافة إلى توضيح السمات الرمزية لمفردات السحر الشعبى (الآدمية، الحيوانية، الأوفاق) ، والكتابات والرموز التى تتسم بها النصوص الإعتقادية فى السحر الشعبى ، والأساس الرياضى المستمد من المربعات السحرية (الأوفاق) ، وتأمل النسق الفلسفى لتلك المفردات بالحدس البصيرى ، والممثل فى الجانب الذاتى للطالب ، وذلك عن طريق المناقشات والعصف الذهنى والعديد من المحاضرات ، أما الأخرى فقد قام الباحث بعمل تجربة ذاتية من خلال ثلاثة عشر عملاً كان لها مدخلين أساسيين، وهما :

· القيمة التشكيلية والتعبيرية لمفردات السحر الشعبى :

حيث اهتم الباحث بالتدقيق فى اختيار ما يتناسب من مفردات بما يحقق قوة الدلالات التعبيرية والرمزية لتوظيفها داخل العمل الفنى ، كما استفاد الباحث من دراسته لهذه المفردات بأبعاد جمالية أسهمت بشكل ملحوظ فى صياغة أعماله الفنية وطريقة بنائها.

· الموضوعات الفنية والاجتماعية :

حيث اهتم الباحث فى أعماله الفنية بإيجاد حلول تشكيلية معاصرة لتوظيف الدور التعبيرى والرمزى لمفردات السحر الشعبى للتعبير عن الموضوعات الآتية :

· الموضوعات التى تعبر عن الإنسان بجانبه المادى والروحانى مثل : " الجسد والروح " فى عقيدة الحياة ما بعد الموت عند القدماء المصريين وعلاقتها بالطقوس السحرية ، " الجسد والروح " فى الفلسفة الصوفية والجماعات الشعبية الإعتقادية.

· موضوعات خاصة بحياة الباحث الشخصية والاجتماعية فى محاولة للتعبير عن الشخصية المصرية ، حيث تتلمس الحياة الفلكلورية الشعبية وارتباطها بنماذج الحياة فى المجتمع المعاصر.

وفى نهاية البحث يعرض الباحث نتائج البحث وتوصياته والمراجع (العربية والأجنبية)، وملخص البحث باللغة العربية والإنجليزية.

http://www.saidelkattan.jeeran.com