::z033: :z033: : الأطفال والفن:

تساعدُ الدراساتُ الحديثةُ المطبقةُ على الأداءِ المدرسيِّ والنموِّ النفسيِّ للأطفالِ؛ بل وتدعمُ القاعدةَ العلميةَ لتقدُّمِ الفنِّ؛ وتؤكِّدُ على أهميتِه في إثارة وحث خيال الطفل وإبداعه.

ولقد سمحت تقنياتُ التصويرِ الحديثةُ للباحثين بأن يروا داخلَ الدماغِ، ويلحظوا التأثيراتِ الفيزيولوجيَّةَ للتجربةِ والخبرةِ على نشاطِ الدِّماغِ ونموِّهِ.

وكنتيجةٍ لذلك يُعرف الآن بأنّ تطوُّرَ دماغِ الطفلِ ذو حساسيّةٍ عاليةٍ للفنِّ وأنشطته، ويمكن لهذه التأثيراتِ أن تستمرَّ إلى فتراتٍ طويلةٍ.

كما أظهرت البحوث أن ملياراتٍ من نقاطِ الالتقاءِ والتشابكِ تتطوّر بين الخلايا العصبيةِ خلال مرحلة الطفولة؛ وهذا يؤدي إلى خلق الأرضيّةِ وأدوات الاتصال والتواصل من أجل التعلُّمِ في المستقبلِ، وبالتالي فإذا ما تمَّ تجاهلُ الفنِّ أو كبحه في مرحلةِ الطفولةِ فإنّ ذلك يؤدي إلى فقدانِ فرصةٍ نادرةٍ وفريدة.

عمليَّةُ تطويرِ الفنِّ:

يتفق ويجمعُ خبراءُ فنِّ الطفلِ على أن طبيعةَ الطفلِ وبيئتَه؛ وحتى العملياتِ المعرفيَّةَ المتعَلَّمَةَ؛ يمكن أن تؤثرَ على النمو بشكلٍ أفضلَ إن كانت ضمن فترةٍ قصيرةٍ أو طويلةٍ من حياةِ الطفلِ.

يعتقدُ بعض الخبراء أن الموهبةَ والتجربة المبكِّرةَ يتَّحدان سويّةً ليشكلا شخصيّة الطفل منذ الصغر، وذلك بالطرق والوسائل التي تبقى مستقرةً خلال فترةٍ طويلةٍ من الحياةِ، بينما يَعتقِدُ الآخرون أنه يمكن أن تتداخلَ تأثيراتٌ بيولوجيّةٌ وثقافيةٌ خلال نمو الطفلِ لتؤثر على شخصيّتِه وثقافتِه وعملياته المعرفيّةِ، ولذلك يحتفظُ الإنسانُ بإمكانيةِ تغييرِ مسار تطوره.

ويقول هؤلاء الخبراءُ: إنّ الإنسانَ ليس نتاجَ المجتمع، بل هو مشارك نشيطٌ في مجتمعه، ولذلك فإنّ كلَّ مظاهر السلوك الاجتماعيِّ والنموِّ؛ تنتج من تفاعلٍ بين الصفات الشخصيّةِ، وخبرة الفرد الاجتماعية.

النمو ـ حقيقةً ـ هو عمليّةٌ ديناميكيةٌ نشيطةٌ، ولنكن أكثرَ تحديداً: هو تفاعل عدة عملياتٍ، لأنّ النموَّ يحدثُ في عدّةِ مجالاتٍ وفي آنٍ واحدٍ: نموٌ جسديٌّ وفكريٌّ وعاطفيٌّ واجتماعيٌّ.

وتنطبق هذه القاعدةُ على التطوُّرِ النفسيِّ أيضاً كما في التطورِ البيولوجيِّ.

وبالرغمِ من اختلافِ أشكالِ النموِّ؛ ومع أن النموِّ يأخذُ أحياناً شكلَ طفرةٍ هائلةٍ؛ فهو متواليةٌ تتقدّمُ صعوداً نحو الأمام، فالأطفالُ ليسوا بالغينَ صغاراً، وهذه التَّغَيُّراتُ التي تحدثُ ضمن هذه المتواليةِ تنقلُ الطفلَ إلى مرحلة البلوغ " تُحوِّلُ الطفلَ إلى بالغٍ راشدٍ".

ما هو الإبداعُ:

عُرِّفَ الإبداعُ بأنه: ترتيبُ الحقائقِ والموادِّ والأشكالِ السابقةِ وفقَ نظامٍ وترتيبٍ جديدَيْنِ عبر النشاطِ التصويريِّ العاطفيِّ للعقل.

وجوهرُ الإبداعِ هو إيجادُ شيءٍ جديدٍ واستخدامُه بطريقةٍ جديدةٍ، إذ أنّ الفنَّ يعرضُ فرصةً استثنائيَّةً؛ فرصةً ممتعةً وقيِّمةً للتعبيرِ عن الخيال والوهمِ والعواطفِ والإبداع.

إن القلقَ والرغبةَ في الإبداعِمسألةٌ عامةٌ ورغبةٌ عامّةٌ؛ فخلال السنواتِ التي تسبقُ سن المدرسةِ تبدو هذه الرغبةُ ملحَّةً، وروحُ الخلقِ والإبداعِ الملازمةُ لكلِّ طفلٍ تحتاجُ للتشجيعِ كي تبقى مستمرةً على قيدِ الحياة.

.. تعكس رسوماتُ الأطفالِ في سنِّ السابعة والثامنةِ واقعيّةً تجعلُ فكرتَهُ تنتشرُ وتجعلُهُ مِثْلَنا جميعاً، تنقصُه التلقائيَّةُ والخيالُ والإبداعُ، إلا إذا أدرك الخطرَ وأنجزَ شيئاً ليتحقق من عمله.

وعلى الرغم من أن رؤى الأطفالِ مباشرةٌ وفطريّةٌ وشخصيّةٌ؛ غير أن أعمالَهم أثناءَ سنواتِ ما قبلَ الدراسةِ تكونُ خلاّقةً ومبدعةً، لأنّ الرؤيةَ البصريةَ لهذه الرسوماتِ ناتجةٌ عن المصادفةِ، وليس عن مقدرةٍ تقنيَّةٍ.

ولسوءِ الحظِّ؛ مع نهاية السنةِ السابعة أو الثامنةِ ـ والتي تعتبرُ سنواتٍ ساحرةً من عمرِ فنِّ الطفلِ ـ يفقِدُ معظمُ الأطفالِ تلقائيَّتَهم وإبداعَهم الفنيَّ.

وغالباً ما يحدثُ هذا بسبب التغييراتِ الجوهريَّةَ التي تطرأُ على أهدافِ الطفلِ وتَوَجُهِهِ.

.. تُسْتَخدَمُ الكلماتُ كوسيلةٍ للتعبيرِ عن الذاتِ، ولإنتاجِ ما يرونه تماماً وما يلاحظونه.

.. يمكن ضبطُ إبداعِ الأطفالِ بواسطةِ نظامٍ تربويٍّ يشجِّعُ التقليدَ والتعليمَ بدلاً من التلقائيةِ والتعبير الخياليِّ، إذ ليس كافياً أن تعرض لهم الفنَّ الجيِّدَ؛ بل عليهم أن يبدعوا الفنَّ إذا ما أرادوا أن يستفيدوا.

وفقاً لهذا البحثِ؛ يُعتَقَدُ أنّ مرحلة ما بين الثامنةَ والثانية عشرةَ تُعتبَرُ سنّاً حرجةً من مرحلة النموِّ، ويقول بعضُ الخبراءِ في هذا المجالِ إنَّ كثيراً من حالاتِ الإبداعِ تبدأ بالانحدارِ والانخفاضِ مع العمر، ويزدادُ الطفل واقعيّةً من عمرِ الثامنة حتى الثانية عشرةَ، ويغدو عمليّاً، ويزدادُ تركيزه على كيفيةِ تقويمِ العمل مِن قِبَلِ مَن هم في سِنِّهِ ومن قبل البالغين.

ومن الأهميّةِ بمكانٍ أن يحتفظ الطفلُ بشيءٍ من تلقائيتِه وتعبيرِه الخياليِّ لسنواتِ طفولتهالباكرة.

أهميّةُ فنِّ الطفلِ

يمكن للفنِّ أن يلعب دوراً فعّالاً من خلال المساهمة بحياة الطفل العاطفية والاجتماعية والفكرية،

ويمكن للفنِّ أن يستكملَ ما يقوله الكلامُ، إن لم يتفوق عليه كوسيلةٍ للتواصل.

يتفق أخصائيو فنِّ الطفلِ على أن الفنَّ البصريَّ يكتسب أهميته بسبب قدرته الفريدة على تقديمِ المضمون بشكلٍمباشر ومفاجئٍ، فعلى سبيل المثالِ: في اللوحة يُقدَّم الموضوعُ واللون والعلاقاتُ والتكوين للمشاهد في أنٍ واحدٍ، وعبر العمل الفني يكشف لنا الأطفال عن معضلاتهم ومواقفهم التي تعكس بدورها قيمَهم وقيمَ مجتمعاتِهمْ.

ميزة هذا الفنِّ أنه حيويٌّ بالنسبة للمؤسسة الدولية لفن الأطفال، لأن الهدف الأساسيّ لهذه المؤسسة هو الارتقاءُ بوسائل التواصل بين الأطفال من كلِّ الثقافاتِ، عبر لغة الفن العالمية.

إذ يمكن للفن أن يكون وعالمياً، ويمكن أن يكون مبدأً موحَّداً؛ فكل طفل بإمكانه أن يلاحظ أي مادةٍ أو موضوعٍ بطريقته الغريبة، وربما يعبِّرُ عنها بشكلٍ فنيٍّ، ولكن عندما تُعرَضُ الأعمال الفنيةُ فإنها تتجاوز اللغةَ التي يعرفها الفنان ويتكلمُها؛ بل تتجاوزَ وعيَه وعمرَه وجنسيته وعقيدتَه.. فيمكن لعالميةِ الفنِّ أن تجمعَ بين الأطفال البالغين ضمن احتفالية الإبداع.. وخيالية الإنسان وروحه البشرية.

إن الحياة الفنية الغنية تزداد اليوم أهمية، لأن الأطفال يتأثرون بالتقنية العالمية للصورة والمؤثرات الخاصة التي تُعرض في التلفزيون وعلى مواقع الإنترنت، ومع الأفلام السينمائية وألعاب الكمبيوتر. ففي هذا العرض المتسارع والمتطور؛ غالباً ما يكون الأطفالُ قلقين وغير دقيقين بتقييمهم وقبولهم لإبداعهم وخيالهم الشخصي.

لقد لاحظ أحد الخبراءِ أن تعلُّمَ الطفلِ الرسمَ هو تعلُّمه كيف يرى.

هذه الملاحظة التي أشار إليها عدة خبراء في هذا المجالِ تكشف مدى أهميّةِ فنِّ الطفلِ.

1 ـ لفنِّ الطفل القدرةُ على تحسينِ الأداء الأكاديمي، وذلك بإغراء الطفلِ كي يتعلم، لأنَّ الثقة والمعرفة اللتَيْنِ تحققتا في الفن؛ تنعكسان في موادَّ ومواضعَ أخرى.

2 ـ يقود فن الطفل إلى عادات عملٍ جيد؛ لأنّ الرسم والتلوين يستلزمان التركيز والالتزام، ويعوِّدان النفس على الانضباط الذاتي.

3 ـ يستلزم فن الطفل اكتشافاً إبداعياً وتجربةً ذاتيةً، لأن الطلابَ يتعلمون كيف يقدمون مشاكلهم ويتعاملون معها بطرقٍ عديدةٍ.

4 ـ يتيح فن الطفل للبالغين معرفةَ كيفيةِ نمو الأطفالِ فكرياً وعاطفياً.

5 ـ يساعد الفنُ الأطفالَ على فهم ثقافتهم الخاصة والثقافات الأخرى.

6 ـ يجعل الفنُّ أوقاتَ الفراغِ ممتعةً ومفيدةً للأطفالِ.

فن الطفل وفن البالغ:

لا يغري فن الطفل البارزين من الفنانين فقط؛ ولكنه كان ملهماً لكثيرٍ من أساتذة الفن العظام.

.. يعود الاهتمام بفن الطفل إلى الحركة الرومانسية حين اعتبرت سذاجة الطفل إبداعاً وخلقاً عبقرياً؛ كون الطفلِ قادراً على رؤية الحقيقة والتعبير عنها.

وقد حاول الكثيرون من أساتذة الفن مقاربة ومماثلة موضوعية الطفل، وذلك من خلال الوعي الفطري عند الطفل، ومن خلال معرفته غير الواعية وإبداعه الغريب، وبساطة الشكل لديه.

منذ بداية القرن العشرين؛ وحتى بداية الحرب العالمية الأولى؛ كانت فنون الأطفال تُعرَضُ في مراكز الفن المهمةِ في كلِّ أنحاء أوربة سنوياً، ولقد أقرَّ كثيرٌ من الرسامين المشهورين بتأثرهم بفن الأطفال، وتأثيره على أعمالهم علانيةً، وكذلك يقرُّ أساتذة الفن المعاصرون بإعجابهم بهذا الفن وانجذابهم إليه.

لقد لاحظ البروفيسور جوناثان فينبيرج أن كثيرين من الفنانين الكبار والبارزين قد اهتموا بفن الأطفال، وذلك من خلال جمعه وعرضه.. والأكثر أهميةً من ذلك تبني أشكالٍ معينة منه كنماذجَ رسميةٍ.

ومن هؤلاء الفنانين بيكاسو، بول كيلي، جوان ميرو.. ومنذ الستينيات أخذ عدد هؤلاء الفنانين يزداد بدءاً من جاسبر جونز إلى جوناثان يور فسكاي ومن جوزيف بييس إلى جان ميشيل باسكوان.. هؤلاء تحولوا إلى نماذجَ وأشكالٍ طفوليةٍ؛ كطريقة للتعبيرِ عن العالم بفاعلية أكثر، ومن الواضح أن كثيراً من الفنانين المعاصرين يبحثون عن تجربةٍ معاصرةٍ تكون أكثر غنىً وأصالةً، وذلك عبر الالتقاء مع عين الطفل البريئةِ.

تأثير فن الطفل في أعمال وكتابات الأساتذة الكبار:

" أودّ دراسة وفحص رسومات الصغار حيث توجد الحقيقة دون أدنى شكٍّ" أندريه ديرين.

" أدعو اللهَ دائماً كي يعيد لي طفولتي لأرى الطبيعة وأقدمها كما يفعل الطفل دون انحياز" كميل كوروت

" على الفنان أن ينظر إلى الحياة كما كان يفعل في طفولته، وإذا ما فقد تلك القدرة فإنه لا يستطيع التعبير عن نفسه بطريقةٍ شخصية أصيلة" هنري ماتيس.

" كلما كبرتُ ازددتُ مقدرةً على السيطرة على أدواتي؛ وعدتُ إلى تجاربي الأولى المبكرة.. أظنُّ أني في آخر حياتي سأكشف عن كل قوة طفولتي" جوان ميرو.

" أفنيت عمري كلَّه وأنا أتعلمُ كيف أرسم مثلَ الأطفال" بيكاسو.

من الواضح أن الأنشطة التي تدعم تطور فن الأطفال؛ تساهم وتساعد في فن الكبار، ومن خلال الاهتمام بفن الصغار؛ يمكن للكبار أن يركزوا على أصول عقلهم المبدع.. فحداثة اللقطة البصرية الطفلية يمكن أن تنعش وتنشط نظرة البالغ الإبداعية وتدعم أسلوبه.

منقــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــوووول..