2- أهمية النقد الفني في التربية الفنية:
كانت الستينات من هذا القرن هي بداية الاهتمام بتعليم النقد الفني ضمن التربية الفنية في الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك عندما عقدت حلقة دراسية عن نقد الفن في جامعة أوهايو عام 1966. وكان لهذه الحلقة أثر كبير في تغيير الاتجاهات في تدريس النقد الفني ضمن مادة التربية الفنية في المرحلة الثانوية. وكان من أهم المشاركين إدموند فيلدمان Edmund Feldman ويوجين كلين Eugene Kaelin وديفيد ايكر David Ecker، وكان هدف هذه الحلقة هو الدعوة إلى جعل دراسة تاريخ الفن وفلسفته ونقده، وسائل لتعليم التذوق في المدارس الثانوية الأمريكية. وقد أسفرت هذه الحلقة عن دراسة كبيرة للنقد والاهتمام بتاريخ الفن والفلسفة الجمالية في منهج التربية الفنية. واعتبر أن ما يقوم به المدرس داخل الفصل هو بالضرورة شكل من أشكال النقد الفني، فالمدرسون يصفون ويحللون ويفسرون ويقيمون الأعمال الفنية ويتخــذون من النقــد والمــذاهب الفنيــة وسيــلة لتعليــم أسس الإنتاج الفني. (Cromer 1990, P.43)
إن أحد أهداف التربية الفنية هو تحقيق النمو الشامل والمتكامل لخبرات ولشخصية المتعلمين. ويعتبر التذوق الفني Art Appreciation من الأمور التي يمكن أن تحقق بعض أهداف التربية الفنية. لقد أصبح للنقد الفني في التربية الفنية مكانة خاصة فبعد أن كانت التربية الفنية تصب اهتمامها على مهارات الرسم والأشغال اليدوية عن طريق نقل الأمشق وتكرار الوحدات الزخرفية أو عن طريق تلقين المنظور والمحاكاة للأشكال الطبيعية، أصبحت من خلال النظريات المعاصرة في تدريس هذه المادة، تركز على التنمية الشاملة لنمو خبرات وثقافة ومهارات المتعلمين، وأهم هذه النظريات هي نظرية التربية الفنية المنظمة على أساس معرفي Discipline Based Art Education وتختصر بالأحرف اللاتينية DBAE ويمثل النقد الفني Art Criticism أحد عناصرها الرئيسيــة، بالإضـافة إلى الإنتـاج الفــني، وعلـم الجمـال، وتاريخ الفن. (فضل 1996، ص9)
وتعتبر العلاقة متبادلة بين هذه العناصر الأربعة في التربية الفنية ضمن نظرية التربية الفنية المنظمة على أساس معرفي DBAE. 1- فتاريـخ الفـن له ارتباط وثيق بالنقد الفني فهو يمثل وجهة النظر التاريخية للفن، كما وأنه (أي تاريخ الفن) يقوم بتوضيح مضامين بعض الأعمال الفنية المرتبطة بأحداث تاريخية وصور شعبية تراثية، وقضايا متعلقة باتجاهات فنية سادت في فترات سابقة. 2- حيث يعتبر النقد الفني أساس تقليدي لتاريخ الفن من ناحية توثيق الأعمال الفنية والتي أصبحنا اليوم نعتبرها من الأعمال الأثرية. 3- ويعتبر علم الجمال دراسة فلسفية في التجربة الجمالية تثير أسئلة عن طبيعة الفن، تساعد في دراسة وفهم معنى العمل الفني من خلال النقد الفني وتحسب لرد فعل المشاهد في تقبله واستجابته لجمالية العمل الفني. 4- ويرتبط النقد الفني بالإنتاج الفني بالضرورة حيث أنه يتحدث عن أساسيات العمل الفني، كالعلاقات الشكلية واللونية وتصورات الفراغ والكتلة والمنظور، وأن فهم هذه الأساسيات في العمل الفني يؤدي إلى تقـدير الفـن، وفهم كيفية تفكـير الفنانين في تعـاملهم مـع المصـاعب المتعلقة بالإنتاج الفني. (مجموعة من الباحثين 1993، ص9)
والنقد الفني في التربية الفنية هو تمكين المتعلمين، من معرفة الطرق السليمة للحديث عن الأعمال الفنية، من خلال مجموعة المناقشات والحوارات التي تدور بين المعلم والطلاب في حجرة الدرس، ويتم خلالها استخدام المفاهيم والمصطلحات الفنية، التي تصف وتفسر وتحلل الأعمال الفنية والتي توفر للطلاب ثقافة فنية كافية لفهم جمالية العمل الفني. ويعرف الغامدي (1999) النقد الفني بأنه: "إتاحة الفرصة للطالب بالحديث عن عمله الفني أو أعمال زملائه الآخرين بأسلوب موضوعي موجه من قبل المعلم، للوصول إلى مرحلة متقدمة في معرفة وقراءة العمل الفني للرقي بمستوى التعبير الفني." (ص63)
وتتعدى أهمية النقد الفني في التربية الفنية كل التوقعات فيما يخص نمو الثقافة الفنية. فعندما يتحدث الطالب عن عمله الفني ويعبر عن ميوله، ويناقش مع مدرس المادة العمل الفني، والأسلوب، والمعالجة التقنية، والصعوبات التي مر بها، وكيف فكر بالحلول المناسبة لها، كل هذا وغيره من الخبرات الأخرى سوف يكسب الطالب قدرات فنية ونفسية ولغوية وعلمية واجتماعية تسهم في نمو شخصيته. (الغامدي 1999، ص63) يقول ويلسون (Welson 1988) (عند الغامدي1999) "النقد الفني إنما هو وسيلة لبلوغ الغاية وليس غاية في حد ذاته." (ص63)
ويؤكد دوبس (Dobbs 1999) على أن تدريس النقد الفني ضمن نظرية التربية الفنية المنظمة على أساس معرفي DBAE يتطلب التركيز على ملاحظة الأعمال الفنية المنتجة بواسطة الطلاب وبواسطة فنانين، ويمكن عمل مقارنة ومفاضلة من نواحي فنية مع الاهتمام بالمضامين المختلفة التي قد تحتويها هذه الأعمال الفنية. ويمكن أن تطرح بعض التساؤلات التي قد تفيد في هذا الجانب لإثارة عبارات وصفية وتحليلية وتفسيرية من قبل الطلاب مثل التالي: - ما هو موضوع العمل الفني أو ما هو الهدف منه؟ - كيف تمت الاستفادة من عناصر العمل الفني الشكلية، والتكوين، للتعبير بفاعلية عن صورة أو مشاعر إنسانية؟ - كيف يتحدث النقاد عن هذه الأعمال الفنية؟ وماذا يقول النقاد عن هذا العمل الفني؟ - ما هي الوظيفة التي يمكن أن تكون لعمل فني من هذا النوع في المجتمع؟ وكيف يمكن أن يختلف الناس في تقبلهم للأعمال الفنية؟ - هل يقدم العمل الفني قيماً جمالية مرضية للذوق العام في المجتمع؟ - وهل جذبت هـذه الأعمال الفنية الانتباه وجعلتنا نكتشف أشياء جديدة؟ (×38)
ويوضح فيلدمان (Feldman 1973) (عند مجموعة من الباحثين 1993) بأننا في حاجة إلى تنمية القدرة على قراءة البيئة البصرية من خلال اللغة المنطوقة والمكتوبة، وذلك لأن هذه المقدرة تكوِّن في المتعلم أحد جوانب الشخصية المثقفة. ونجده يعرف الشخص المثقف بأنه "ذلك الشخص الذي يستطيع التعايش مع الصفات العظيمة المتعددة للبيئة، وخصوصاً البيئة المرئية، وكذلك الإلكترونية، والبيئة الفراغية المنظمة، وبيئة وسائل الاتصال." (ص33) وهو يعتقد أن النقد في التربية الفنية سوف يساعد الطلاب في المدارس على توصيل أفكارهم بشكل مؤثر، وأنه سوف يكون للنقد الفني دور في تعزيز المعرفة الفنية من خلال مناقشة، ودراسة، وتأويل، وإعطاء الأحكام، على الأعمال الفنية. وهو هنا يحاول إعادة صياغة معنى التربية الفنية من مجرد مادة تركز على الإنتاج الفني إلى القـول بأن التربية الفنية هي: "دراسة البعــد البصري للحياة الاجتماعية." (ص36)
ويحاول معلمو النقد الفني عند تدريسهم للنقد تقديم إجابات عن الأسئلة التالية: 1- ماذا يفعل النقاد عند القيام بنقد عمل فني؟ 2- ما الذي يجب أن يفعله المعلمون والطلبة عند النقد؟ 3- ما هي العلاقة بين ما يقوم به النقاد وما يقوم به المدرسون والطلبة؟.. (Haddad 1988, P28) ويشير جيهجن (Gehgin 1983) (عند Haddad 1988) إلى أنه من الواجب على المعلمين أن يضعوا في الاعتبار تعدد طرق النقد، وأن يتفهموا أن بعضها قد تكون مناسبة أكثر من غيرها في ظروف تعليمية معينة. (ص28) وتعتقد ستولينتز (1982) أن بإمكاننا تكريس تعليم النقد الجمالي عن طريق بحث الصلة بين فلسفة النقد وعلم الجمال. وهي تعتبر أن فلسفة النقد تختبر المفاهيم التي تشكل أساس تفكير الأفراد وردود أفعالهم نحو الفن. (ص د)
وتذكر هامبلين (Hamplen 1986) (عند مجموعة من الباحثين 1993) بعض الفوائد الاجتماعية من دراسة النقد الفني ضمن التربية الفنية، فأبرز هذه الفوائد هي: في الجمهور المتفتح جمالياً في ظل التطور المعرفي، والتثقيف الجمالي من خلال الحديث عن الفن، والإدراك الأكبر للمضامين الاجتماعية والتاريخية التي تنقلها لنا الأعمال الفنية، وتنمية الحس الوجداني للشعور، وتنمية القدرات البصرية للاختيار المناسب لما يحتاجه الإنسان في مجالات الإنتاج الصناعي والمعماري واللباس والأثاث. (ص205) ونجد فيلدمان (1973) (عند مجموعة من الباحثين 1993) يعتبر الفعل النقدي متمماً للتجربة الجمالية بجعلها اجتماعية أو عامة. (ص44)
وتبرز أهمية تدريس النقد الفني في مدارسنا من خلال الحاجة الملحة لتثقيف أبنائنا فنياً. ويتم ذلك من خلال إعطائهم كمية مناسبة من المعلومات والمفاهيم الفنية المرتبطة ببعض المصطلحات الصعبة والمفاهيم المرتبطة بالفن المعاصر ومستجداته محلياً وعالمياً. وهذه العملية التثقيفية سوف تعزز الحركة الثقافية في بلادنا وتجعلها موازية لما تقدمه الثقافات المتقدمة في الغرب إلى أبنائها في تدريس مادة التربية الفنية. ويتحقق ذلك بالاهتمام بإعداد مدرس التربية الفنية المثقف والمتمكن من تزويد الطلاب بالقدرات النقدية، وذلك بتكثيف مقررات تاريخ الفن والنقد الفني ونظرية الفن بالإضافة إلى المواد العملية التي يتعرض لها المعلم خلال فترة إعداده.