2- الأساس المعرفي: وهو الأساس الذي يؤكد على قيام الفن بتوصيل رسالة، محملة بالفكر والحكمة والمشاعر الوجدانية التي تعلم الناس من خلال المتعة التي في الفن الجميل، وتنقل رسائل محملة بالمعاني المعرفية التي توضح الأفكار والتوجهات المختلفة. وحيث أن الفن يسعى إلى الفضيلة فقد ساهم في التعليم والموعظة في مختلف العصور. وبذلك كانت المعرفة التي ينقلها الفن في معظم الأحيان لا تكون في صور العمل الفني فحسب بل وفي محتواه أيضاً. وعليه فقد كان الحكم على تقدير القيمة التعليمية في العمل الفني يبدو نسبياً أيضاً بناءً على المحتوى المعرفي فيه، فبعض الأعمال قد لا يكون مقنعـاً بالحكـم على جـديته في نقـل رسـالة معـرفية واضحـة من خـلال الصورة الشكلية فقط. (إسماعيل 1968، ص91)
ويبقى التساؤل قائماً "هل ينبغي أن يكون للفن غاية تعليمية؟"، فالفن بما يضفيه على العلم من شكل جميل يمكنه أن يسوق المعرفة إلى النفس البشرية بسهولة ودون شعور منها. ويبقى عامل الاستعداد الشخصي لتقبل تلك المعرفة، فالحكم على هذا الأساس نسبي هنا أيضاً، يقول إسماعيل (1968) "فنحن نستفيد من حكمة يطلقها الفنان بكميات متفاوتة من المعرفة بحسب استعدادنا الشخصي وقدرتنا العقلية وحالتنا النفسيـة... ومن ثم يـحدث التفـاوت في مـدى القيمـة التي تضفيها أحكامنا المختلفة على هذه الحكمة." (ص92)
3- الأساس الأخلاقي والديني: وهو الأساس الذي يربط بين الشعور الديني والحاجة الجمالية. فلقد ارتبط الفن بالدين في بعض الحقب التاريخية وكانت الأخلاق التي يحث عليها الدين هي الأساس الذي يؤثر في الحكم على جمالية العمل الفني. وقد عرف أفلاطون الجميل بأنه هو الذي يقود إلى الخير، وأن الفن والأخلاق يعتمد كل منهما على الآخر في نشر الوعي الديني في حياة الأفراد. وقد استعان بعض النقاد باستلهام الجوانب الدينية في الأعمال الفنية لتوضيح مفاهيمها الغامضة، فالحكم على جمـاليـة الفـن من هـذه الناحيـة قد جـاء بهـدف الإرشـاد إلى الخـير، وكراهية الشر، وتصحيح السـلوك، وتهــذيب الوجــدان، ونشـر الفضيلة، وضبط النفس. (إسماعيل 1968، ص94)
ويعارض بعض الفلاسفة ضرورة وجود الأثر الأخلاقي والديني في الفن الجميل. يرى أرسطو في كتابه الميتافيزيقا الذي كتبه في القرن الخامس قبل الميلاد أن الخير والجمال مختلفان وأن الخير يظهر في السلوك أما الجمال فهو صفة تظهر في الأشياء. وترجع أهمية هذا الأساس إلى الغاية التي يختلط من أجلها الدين مع الفن فهو يوصي بالخير ويوحي بكراهية الشر. وبذلك يطرح التساؤل التالي "هل كل ما أنتج من خلال هذا الأساس هو جميل بالضرورة؟"، وبطبيعة الحال لن يكون بالإمكان الفصل بين ما هو أخلاقي وديني وبين الفن ولكن يمكن التمييز بينهما. (إسماعيل 1968، ص95)
وقد كانت للعقيدة الإسلامية أثرها في تقبل الجمال في الفن، فالجمال في العقيدة الإسلامية هو وعي معرفي سبيله التفكير الذي يقود إلى الإيمان بالله. ولقد كان لمفهوم الجمال في الدين الإسلامي معناه الخاص فهو صفة من صفات الخالق جل وعلا، وهو موجود (أي الجمال) في كل الأشياء (في الحياة الزوجية، وفي الطلاق، وفي الصفح، وفي الصبر، وفي الهجر، وفي متعة النظر إلى الأشياء والكائنات..) كما دلت على ذلك بعض آيات القـرآن الكـريم. (قلعةجي 1991، ص43)
4- الأساس التاريخي: فكل حكم جمالي معاصر هو قائم على أساس حكم جمالي تاريخي، وأي حكم حالي سوف يصير تاريخاً. وعلى هذا الأساس فقد يقوم بعض النقاد بإصدار أحكام جمالية على الأعمال الفنية بناءً على أحكام تاريخية مسبقة، أو قواعد كلاسيكية قديمة. إلا أن لهذا النوع من الحكم قوة وسطوة، فالناقد في هذه الحالة يكون متمتعاً بثقافة فنية تاريخية، وقدرة تذوقية عالية من خلال هذه الثقافة، وقادراً على تقبل الفن الجديد وبالتالي وصف وتفسير الأعمال الفنية من خلال الرؤية التاريخية.
ورغم أن الأساس التاريخي يقوم على قواعد كلاسيكية إلا أنه قد يتأثر بالآراء الشخصية عند الناقد. يقول إسماعيل (1968) عن الحكم القائم على الأعمال الفنية بناء على سمعتها التاريخية بأنها "أحكام شخصية تشترك فيها العوامل الخارجية الخاصة بالناقد أحيانا والخاصة بالأثر ذاته في أحيان أخرى. ولو فحصنا قدراً من أحكامنا النقدية على الآثار الفنية القديمة لوجدنا أغلبها متأثراً إلى حد ما بهذا الأساس." (ص100) وقد تستهوي البعض منا أعمال فنية تاريخية تدخل في أسباب تفضيلنا لها عوامل منها أنها أصبحت آثار فنية يضرب بها المثل ويقتدي بها الفنانون، فيكون الحكم الجمالي على هذا الأساس قائم على سمعة العمل التاريخية. وتشترك في هذا الحكم تفضيلات الناقد الشخصية المشتركة مع قيمة الأثر ذاته. (ص101)
5- الأساس الاجتماعي: وهو الذي يرتبط بالحياة الاجتماعية والحضارية ويتوجه إلى المجتمع. فللفن مهمة حيوية بالنسبة للمجتمع الذي يظهر فيه، وهي تحقيق القيم الاجتماعية بالإضافة إلى المتعة الجمالية. فلا يجب أن يكون الفن منعدم الصلة بالمجتمع، فالأساس الاجتماعي يضم جميع الأسس السابقة التي يرتبط فيها الفن بالحياة والفائدة والمعرفة والتاريخ والأخلاق والدين. والحكم النقدي القائم على الأساس الاجتماعي يبين الوظيفة التي يقوم بها الفن في المجتمع ويحافظ عليها ويحرص على تطويرها. ويرفض الأساس الاجتماعي الفردية في الفن التي لا تنشأ بينها وبين أفراد المجتمع علاقة، ويعتبر أن العمل الفني الناجح هو الذي يقدم إلى المجتمع شيئاً يتفاعل معه ويفيد منه وينسجم مع البيئة ويلائم الظروف المحيطة. ( إسماعيل 1968، ص101)
والنظرية الاجتماعية في النقد تربط بين الفن والحياة وتؤكد على أن الإنسان يستجيب للمتغيرات الاجتماعية والحضارية بأشكال تناسب البيئة. والتغيرات الثقافية السريعة التي تفرز قيماً جمالية جديدة، تجعل من تقبل الفن والجمال شيئاً متقلباً وغير ثابت في المجتمعات المعاصرة. (العطار 1994، ص30) وتؤكد هذه الأحكام أن الجمالية القائمة على الأساس الاجتماعي هي أحكام شخصية عند الأفراد وأن أحكام النقاد تكون متأثرة بعوامل خارجة عن العمل الفني ولكنها مرتبطة به.
6- الأساس النفسي: وهو يركز على نفسية الأفراد، ويجعل الحالة النفسية التي يكون فيها متلقي العمل الفني موضوع دراسة لمعرفة تقبله أو نفوره من العمل الفني. الأمر الذي يجعلنا قادرين على أن نتوقع حكمه عليه بالجمال والقبح. ويساعد علم النفس في فهم العوامل المؤثرة على الحكم الجمالي وفي تحقيق الفن لذاتية الإنسان. ويعتبر الأساس النفسي الفنان إنساناً متميزاً بشعوره وطريقة إحساسه. ويقوم علم النفس كذلك بدراسة الإبداع وأثر الحالة النفسية فيه. (إسماعيل 1968، ص105)
والنقد الفني القائم على الأساس النفسي قد يكون نقداً ذاتياً لا يقوم بعمل تقويم جمالي للأعمال الفنية وإنما يقدم الحكم من خلال تصورات الناقد الذاتية والآراء الخاصة به والتي تكون غير موضوعية. (إسماعيل 1968، ص106) إن محاولة فهم الأعمال الفنية وتحليلها وتفسيرها وربطها بالمتلقي أو بحياة الفنان وماضيه وحاضره تتطلب دراسة النظريات النفسية التي تساعد الناقد على استيعاب التحليل النفسي وتوظيفه في خدمة الأهداف الفنية. (البسيوني 1994، ص108)
7- الأساس الجمالي البحت: ويتجه هذا الأساس إلى الموضوع، والعمل الفني ذاته متجرداً عن كل المؤثرات الخارجية. فيبحث عن القيمة الإستاطيقية في الشكل، ولا يعتمد حكم القيمة على الأهواء الشخصية عند الناقد وإنما على التعاطف مع العمل الفني من خلال العلاقات التي يقدمها. ويعتمد تقبل الفن في هذا الأساس على مدى الرضى عن العمل ذاته وإذا ما كان المتلقي قد تذوق البناء الشكلي في العمل الفني. ويبحـث النقـد الفـني من خـلال هـذا الأسـاس عـن "عناصـر الجمـال في الجميل ذاته، على أسـاس أن هــذه العناصـر لازمــة لتمييـزه عـن الأشيـاء العـادية." (إسماعيل 1968، ص115)
ومن المعروف أن العناصر الجمالية التي تجعل من العمل الفني موضوعاً جميلاً هي عناصر التكوين Composition الذي هو: جمع العناصر والخامات التي في الطبيعة لصنع أشياء من عمل الفنان الذي لا يتعدى دوره أن يكون أداة لتنظيم عناصر العمل الفني وفقاً لنمط أو نهج رآه معبراً، "فالفنون لا تخلق وإنما تشكل العناصر" التي تتصف بالجمال. (رياض1995، ص11) وتتلخص هذه العناصر في النقاط والخطوط والمساحات والظلال في علاقات التدرج والتباين مع النور والألوان وملامس الخامات وحجم الكتلة وحدود وحدة العمل الفني، كل هذه العناصر تربطها علاقات داخل فراغ اللوحة تؤدي إلى الحكم بجمالها. هذه العلاقات هي: التنوع والتكرار والتماثل والتناظر والتوازن والثبات والإيقاع والسيادة والتناسب والعمق والوحدة والانسجام. وقد وضح هذه العناصر وعلاقاتها عبد الفتح رياض (1995) في كتابه التكوين في الفنون التشكيلية، حيث يمكن الرجوع إلى الكتاب للتوسع في فهم تفاصيل هذه العناصر وتفاعلاتها.
لقد كان للأساس الجمالي أهمية ونقلة في الفن والتوجهات النقدية قديماً وحديثاً، لذا سنفرد له الحديث في المحور التالي من هذا المبحث.