بعض خصائص الفنون الإسلامية
هيام السيد

الفرق بين فن وفن هو فرق الانتماء والتعبير عن حضارات مختلفة ..فالفن الروماني مثلاً به كل سمات الحضارة الرومانية التي تعتبر حضارة "الساعد" أو القوة الجسدية في المقام الأول.. وفي الفن الإغريقي نلمح الفكر الفلسفي الذي هو عصب تلك الحضارة.. وكذلك الفن الإسلامي يعد من أنقى وأدق صور التعبير عن الحضارة الإسلامية.. وكونه المعبر عن هذه الحضارة هو ما يعطيه هذه الصفة.. صفة "الإسلامية".
فالفن الإسلامي في مصر أو الهند أو العراق هو في النهاية "فن إسلامي" حتى وإن كان الفنان في بعض الأحيان غير مسلم.. لأنه بالإضافة إلى تعبيره عن ذاته وعن بيئته - وهذا ضروري وموجود- فإنه يعبر عن الأصيل والثابت والهام في الحضارة التي ينتمي إليها ..بصرف النظر عن انتمائه العرقي أو الديني أو الجنسي..
وفيما يلي نستعرض بعض أهم الخصائص التي تميز بها هذا الفن الأصيل.
التجريد والموسيقية
وهما من أبرز صفات الفن الإسلامي فالقيمة الجوهرية الكامنة في الفن الإسلامي هي إيقاعه وتجريده وما يصاحب ذلك من إحساس موسيقي رائع لا يجاريه فيه أي فن آخر، ولا شك أن هذا الاتجاه مرده إلى التصور الإسلامي للعالم والإنسان والله ومن أجل ذلك لم تكن وظيفة الفن الإسلامي نقل المرئي بل إظهار ما هو غير مرئي، ومحاولة الإحساس بالقوانين الرياضية التي تحكم هذا الوجود. وقد وصلت قمة الإيقاع الموسيقي في الفنون الإسلامية ذروتها في العمارة الأندلسية المغربية حيث تتجاوب أقواس العقود مع سائر العناصر المعمارية، وأحواض المياه والأشجار والمناظر التي تحيط بالمكان حيث يصبح المبنى وكأنه نبت من الأرض كما ينبت الشجر والنخيل.
كراهية تصوير الكائنات الحية
شاع رسم وتصوير الكائنات الحية في المنطقة العربية قبل الإسلام، ولكنه لم يهتم قط بالمحاكاة الحركية لهذه الكائنات، كما نرى في الفن الإغريقي والفنون التي سارت على هديه.وبالرغم من أن القرآن الكريم لم يرد فيه نص صريح يمنع ممارسة تصوير الكائنات الحية إلا أن البعض يجدون أن رسم الكائنات غير جائز.
ولقد جاء في القرآن الكريم في سورة المائدة - آية 90- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " صدق الله العظيم. وهذه الآية الكريمة تعني أن الدين يحرم اتخاذ التماثيل والصور أنصابًا تعبد من دون الله، والحقيقة أن الكثير من المفسرين استقروا على أن الإسلام ليس ضد الصورة ولكنه ضد الوثن ويقول الشيخ محمد عبده في هذا الصدد: "وبالجملة يغلب على ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرم وسيلة من أفضل وسائل العلم بعد التحقق أنه لا خطر منه على الدين لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل".
وعلى ذلك فالعقيدة الإسلامية لم تحرم عمل الصور إذا كان الغرض منها الزينة المباحة أو إقرار حقيقة علمية أو شرعية، ويؤكد ذلك ما تركه المسلمون منذ فجر الإسلام إلى الآن من آثار تزخر برسوم الكائنات الحية التي بعدت عن المحاكاة بعدًا واضحًا.
مخالفة الطبيعة
ومخالفة الطبيعة تأكيد لاتجاه الفكر الإسلامي، والفنان المسلم يواجه الطبيعة لكي يتناول عناصرها ويفكها إلى عناصر أولية ويعيد تركيبها من جديد في صياغة عذبة طروب.
وهو لا يفكر في محاكاة الطبيعة لأن هذا هدف لا يسعى إليه ولا يعنيه. ويجمع اليوم الكثير من النقاد على أن الفن يبدأ من حيث يأخذ الفنان في الانصراف عن محاكاة الطبيعة ويفرض عليها وزنا وإيقاعًا من عنده.
تحويل الخسيس إلى نفيس
من المسلمات في العقيدة الإسلامية العزوف عن الإسراف في بهرج الحياة باعتبار ذلك عرضا زائلا وما عند الله خير وأبقى، وإلى جانب ذلك فقد وصل ازدهار الحضارة الإسلامية في كثير من العصور إلى درجة عظيمة كما وصل الثراء إلى حد يفوق كل تصور، وكان في استطاعة المسلمين لو أرادوا أن يزينوا الأجزاء المهمة في المساجد بالأحجار نصف الكريمة واستعمال الذهب والفضة في الحياة اليومية، وهنا نجد ظاهرة إجماعية اقتصادية تحتاج إلى حل يحقق المواءمة والتوافق بين روح العقيدة وسلوك السلف الصالح، بين إمكانيات المجتمع وقدراته الاقتصادية العالية، وهكذا كان على الفنان أن يحقق هذه المواءمة، وأن يبتكر أسلوبا جديدا لحل هذه المعادلة الصعبة، وقد نجح الفنان المسلم في تحقيق هذه الغاية بابتكار الخزف ذي البريق المعدني ( وهو نوع من الخزف لم يُعرف إلا في الفن الإسلامي في ذلك الوقت، ويتيح الحصول على أوانٍ خزفية تصلح بديلا لأواني الذهب والفضة) ويذخر المتحف الإسلامي بمصر بالكثير من نماذج ذلك الخزف ذي البريق المعدني، والذي يعتبر من أرقى أنواع الخزف في العالم، ومن الحلول الابتكارية التي كان للفنان المسلم الفضل في تحقيقها المواءمة بين استيفاء المسجد للعظمة والفخامة، وهو ما تتيحه الثروة المتزايدة في المجتمع وبين ما يتطلبه الفكر الإسلامي في الالتزام بأسلوب السلف الصالح في الحياة البسيطة التي تقوم على صدق الإنسان مع ربه.
فاستطاع الفنان المسلم باستعمال أرخص الخامات إطلاقا كالطين والخشب أن يصنع محاريب المساجد من الخزف أو الخشب أو الجص بعد أن أثراها بالزخرفة والنقش، مما جعل هذه المحاريب قمة في الجمال والجلال. ومن أمثلة المحاريب الإسلامية الرائعة محراب السيدة رقية بالمتحف المصري الإسلامي ( العصر الفاطمي - القرن الثاني عشر).
وقد خلَّفت الحضارة الإسلامية نماذج عظيمة القيمة من التحف المعدنية والأثاث وبخاصة من البرونز المكفت والمشغول بالزخارف الدقيقة التي تبلغ حد الإعجاز وقيمة هذه التحف لا تعود إلى الخامات التي صنعت منها ولكن مردها إلى قدرات الفنان في الإنجاز ودقته البالغة في التنفيذ