بسم الله الرحمن الرحيم

وجدت هذا المقال للأستاذ/ طارق قزاز

على منتديات فني في الرابط www.art.pub.sa/vb

وأردت أنقله لكم حتى تعم الفائدة

بقلم الأستاذ/ طارق بكر قزاز

لقد تطور تدريس التربية الفنية (Art Education) في بلادنا العربية وفي المملكة العربية السعودية تحديداً مستمداً الأفكار التي قام عليها من الثقافة الغربية، إلا أنه ظل ولعقود يتأرجح بين التغيرات الحاصلة في تدريس التربية الفنية ابتداءً من اتجاه الرسم من الأمشق والرسم من النماذج إلى اتجاه الرسم من الخيال ونظرية التعبير والإبداع الفني ثم مجيء الاتجاه المعرفي في تدريس التربية الفنية، وحتى مجيء اتجاهات أخرى ومنها الاتجاه القائل بتدريس الفن كفرع من العلوم الإنسانية (Art and Humanities) التي تبحث في طبيعة وتطور حياة الإنسان.

لقد عانى منهج التربية الفنية من مشكلات عديدة عبر تطور تدريس المادة في مراحلها السابقة التي عانت فيها من العزلة عن القضايا الاجتماعية والثقافية وركزت على الممارسة الفنية واكتساب الخبرات المهارية فقط دون الاهتمام بالمعرفة الفنية لميادين أخرى ذات أهمية في التربية الفنية. وتعددت الرؤى والمحاولات الغربية في تطوير مناهج التربية الفنية بناء على ذلك وكان لكل من تلك المحاولات وجهة نظر خاصة ومختلفة عن سابقتها ومن ذلك الاتجاه الإبداعي والاتجاه التعبيري.

وقد كانت مناهج التربية الفنية (Art Education Curriculum) تستقي أسسها وتنظيماتها من الأسس العامة للمناهج دون الاهتمام بخصائص المادة التي من المفروض أن تعمل من خلالها على تحقيق مجموعة من الأهداف الفنية الخاصة بالتعبير والابتكار بالإضافة إلى المعرفة والمهارات الفنية المتعددة. وقد شكلت الستينات الميلادية من القرن العشرين بداية تحول في مسار تطوير مناهج التربية الفنية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لحركة إعادة صياغة المناهج (Curriculum Reform Movement) أثرها على مفهوم التربية الفنية، فقد تنبه علماء التربية الفنية (Barkan 1962، Eisner & Ecker 1966، Feldman 1971، Smith 1971، Mcfee 1971، Efland 1978، Chapman 1978) إلى ضرورة توفر مناهج معدة بشكل منظم في تدريس التربية الفنية، وقد استرشد هؤلاء بآراء برونر (Bruner 1960) التي نادى بها، في مؤتمر وودزهول (woods hole)، إلى جعل البنية المعرفية أساس للتدريس بناء على مجموعة من المفاهيم والطرق والوسائل، وقد كان لبركان (Barkan, 1962) السبق في التعبير عن هذه الآراء من خلال مقالته البحثية المنشورة عام 1962 بعنوان انتقاله في التربية الفنية (Transition in Art Education) وضح فيها بعض المفاهيم المتعلقة بتدريس التربية الفنية وكان أهم محاورها:

1- ما يتعلق بالهدف من تدريس التربية الفنية، هل هو إعداد الشخص ليكون فناناً، أم لتكوين شخصية متكاملة.
2- ما يتعلق بالبحث عن أدوات تساعد في فهم طبيعة الفن، وتقويمه، والحكم عليه.
3- ما يتعلق بفاعلية برامج التربية الفنية التي تتطلب التعبير الإبداعي عن الذات من خلال إتقان التعامل مع الخامة والأداة كهدف للتدريس.

وفي مقال بحثي آخر له بعنوان هل هناك علم في التربية الفنية (Is there a Discipline in Art Education) نشر عام 1963، قام باركان (Barkan 1963) بالتمهيد لاتجاه جديد في التربية الفنية يقوم على تأكيد المعرفة في الفن وما يسهم به في بناء الشخصية المتكاملة للفرد والتركيز على ذلك كهدف أساسي للتربية الفنية. وعندما قام بلوم (Bloom) بوضع قواعده المشهورة في تصنيف مستويات الأهداف برزت مشكلة عدم تناسق تلك المستويات مع أهداف التربية الفنية فعقدت في عام 1965 حلقة نقاش (سيمنار) بجامعة بنسلفانيا دعا فيها باركان (Barkan) مرة أخرى إلى ضرورة التوسع في مناهج التربية الفنية والعمل على تطويرها من خلال أربعة ميادين أساسية هي تاريخ الفن (Art Histiry)، والنقد الفني (Art criticism)، وعلم الجمال (Aesthetic)، والإنتاج الفني (Art making)، بحيث تكون هذه الميادين الأربع مدمجة ومتفاعلة في شكل منهج متكامل يظهر بصورة منظمة. وعلى هذا الأساس أصبح من الممكن تطوير مناهج التربية الفنية.

وعلى هذا الصعيد فقد عمل برنت ويلسون (Brent Wilson) على التركيز من أجل إيجاد حلول لمشاكل الأهداف في التربية الفنية. من خلال تصميم مصفوفة لاستقاء الأهداف كانت مرتكزة على محورين هما: محتوى المنهج (Curriculum *******)، والسلوكيات (Behaviors) المرتبطة بهذا المحتوى. حيث أن السلوكيات في منهج التربية الفنية لابد وأن تكون مرتبطة بمحتواه من خلال الإدراك الحسي (perception)، والمعلومات المعرفية اللفظية (Verbal Information)، والفهم (Understanding)، والتحليل (Analyses)، والتقييم (Evaluation)، والتذوق (Art Appreciation)، والإنتاج(Art Making). ثم أن ويلسون قسم محتوى المنهج في التربية الفنية إلى ستة مكونات أساسية هي: -محتوى الفن (Art *******)، -البناء التشكيلي (Form Construction)، -الموضوع (Subject Mater)، -مجال الفن (Art Field)، -المضمون الثقافي (Cultural Significance)، -النظرية والتذوق الفني (Art Appreciation and Theory). ويلاحظ أن ويلسون عندما أقام هذه الدعائم المتينة لاستقاء الأهداف في التربية الفنية مراعياً الأنماط السلوكية المختلفة لتهذيب نفس المتعلم وتطوير عقله، قد أغفل التعبير عن الذات كهدف من أهداف منهج التربية الفنية.

وقد كان احد أبرز الرؤى في مجال تطوير منهج التربية الفنية البرنامج الذي أعدته مؤسسة سيميرل (CMREL) لتدريس التربية الجمالية، والذي اهتم بتعليم الفن من خلال تزويد المتعلم بالمعرفة التاريخية للفن وطرق النقد وتنمية لغة الفن بالإضافة إلى تنمية القدرات التعبيرية والابتكارية، مع إبراز المنجزات الفنية للمجتمعات الإنسانية على اختلافها.

وفي عام 1983 كان مركز جيتتي (Getty) قد أتم إعداد برنامج مطور للتربية الفنية منطلقا من أساس علمي منظم مثَّل اتجاهاً جديداً في تدريس التربية الفنية من خلال الاهتمام بفن المتاحف هو الاتجاه الذي أطلق عليه اسم (Discipline Based Art Education) ويختصر بالأحرف (DBAE) وهو اتجاه يهدف إلى بناء نظرية لتنظيم مناهج وطرق وأساليب تدريس التربية الفنية على ضوء أربعة ميادين تتداخل فيما بينها عند تقديم دروس التربية الفنية هي:

- الإنتاج الفني، - تاريخ الفن، - النقد الفني، - التذوق الجمالي. ويطلق على هذا الاتجاه مسمى (الاتجاه المعرفي)
وتعتبر العلاقة تفاعلية متبادلة بين هذه الميادين الأربعة، ضمن هذا الاتجاه المعرفي (DBAE) من حيث علاقتها بالنقد والتذوق كما وضحها قزاز (2003-ص16):
- فتاريخ الفن له ارتباط وثيق بالنقد الفني فهو يمثل وجهة النظر التاريخية للفن، كما وأنه (أي تاريخ الفن) يقوم بتوضيح مضامين بعض الأعمال الفنية المرتبطة بأحداث تاريخية وصور شعبية تراثية، وقضايا متعلقة باتجاهات فنية سادت في فترات سابقة. حيث يعتبر النقد الفني أساس تقليدي لتاريخ الفن من ناحية توثيق الأعمال الفنية، والتي أصبحنا اليوم نعتبرها من الأعمال التراثية.
- ويعتبر علم الجمال دراسة فلسفية في التجربة الجمالية تثير أسئلة عن طبيعة الفن، تساعد في دراسة وفهم معنى العمل الفني من خلال النقد الفني، وتحسب لردود أفعال المشاهدين على اختلاف مستوياتهم من حيث تقبلهم واستجابتهم لجمالية العمل الفني سواء أكان من التراث أو من الفن المعاصر (التذوق الفني).
- ويرتبط النقد والتذوق الفني بتاريخ الفن والإنتاج الفني بالضرورة حيث أنه يتحدث عن أساسيات العمل الفني، كالعلاقات الشكلية واللونية وتصورات الفراغ والكتلة والمنظور، وأن فهم هذه الأساسيات في العمل الفني يؤدي إلى تقدير الفن، وفهم كيفية تفكير الفنانين في تعاملهم مع المصاعب المتعلقة بالإنتاج الفني من خلال خطوات النقد الوصف والتحليل والتفسير والحكم.
- ويعد الإنتاج الفني هو التطبيق العملي للمهارات والتقنيات المتعلمة في المجالات الفنية المختلفة، حيث يتم تطبيق المعرفة بالعناصر البصرية وأسس التصميم والمعرفة بالجماليات والخبرات التراثية من منتجات الفنانين من الاتجاهات الفنية المختلفة وتطبيق مهارات الوصف والتحليل والتفسير والتقييم والاستعانة بها في تنفيذ أعمال فنية مختلفة.

ويتضح بذلك أن التربية الفنية علم لا يزال يتطور بتطور الفكر التربوي وخصوصية تدريس المادة حيث أن مادة التربية الفنية بمفهومها المعاصر تؤكد على استخدام الطالب لحواسه من أجل إدراك الجماليات في البيئة والطبيعة ومن ثم التطلع إلى التاريخ والتراث الفني والاستفادة من ذلك كله من خلال الانتاج الفني في التعبير عن الذات من خلال ما ينتجه وما يختاره الطالب من موضوعات وبالتالي تنعكس تلك التربية وتلك الثقافة الفنية على نفسه وعلى حياته اليومية.

منقول