مفهوم الحداثة فى الفن :.....
فى محاولتنا تحديد مفهوم الحداثة فى الفن لابد لنا من النظر إلى الفن الحديث من عدة وجود وأطر ؛ كالإطار التاريخى والثقافى والفكرى للعصر الحديث ذلك العصر الذى يتم المتناقدات والمتغيرات السريعة.......
من هنا نجد الكثير من الاختلاف والتوافق فى العديد من الأراء ووجهات النظر لدى النقاد والفلاسفة ومؤرخى الفن ؛ كل ذلك فى تحديد مفهوم الحداثة فى الفن ...
من الناحية التاريخية قد أجمع أغلب المؤرخين وعلى رأسهم ( هو جانسون ) أن إصطلاح العصر الحديث يبدأ مع القرنيين الأخيريين وفى محاولة ( جانسون ) للعثور على " مدرك عام " لعصرنا الحديث فوجد أنه يتخذ طالبا ثوريا لأنه يتسم بالتغير السريع العنيف ....
ويقترب من هذا المفهوم فى تفسير الحداثة فى الفن بالإعتماد على الفترة الزمنية التى أنتجت فيها الأعمال الفنية / المفكر ( فيرنر هافتمان ) حيث يرى أن الحداثة فى الفن
رؤية للواقع مواكبة للتقدم العلمى نتيجة للعملية التبادلية بين الإنسان والبيئة المحيطة به ...
ويؤكد ذلك بالتغير الجذرى والذى شمل الفنون الجميلة بين عامى ( 1900 ) و ( 1910 ) حيث ظهر الإتجاة الوحشى فى عام(1905) وفى عام ( 1907) حين رسم ( بيكاسو )
( بيراك ) أول صورة تكعيبية وفى عام ( 1910 ) رسم ( فاسيلى كاندينسكى ) أول لوحة تجريدية حيث واكب هذا التغير الجذرى فى الفنون الجميلة ماحدث فى ميدان العلم فى نفس الفترة ففى عام 1900 نادى( بلانك ) بالنظرية الكمية ووضع ( فرويد ) نظرية فى تفسير الأحلام وفى عام ( 1905 ) إكتشف ( ألبرت أينشتاين ) النظرية النسبية كما أخرج ( مينكوفيسكى ) نظرية حول الفراغ والزمن .......
ويرى البعض من نقاد الفن والمفكرين أن الأعمال الفنية الحديثة ليست هى الأعمال التى تنسب إلى فترة زمنية محددة كالعصر الحديث ؛ بل أطلقوا هذه التسمية على الأعمال الفنية التى تنال تقدير وإعجاب وتذوق الإنسان الذى نشأ وتربى فى المجتمع الحديث فيضعون رسوم الكهوف للإنسان الاول جنبا إلى جنب مع أعمال ( بيكاسو ) المعاصرة ؛ مرجعين ذلك إلى أن كلاهما يحظى بتقدير الإنسان المعاصر )
أى أن الذوق العام للاجيال المعاصرة هى التى تحكم على حداثة العمل الفنى أو معاصرته ؛ ويعتبر ( هربرت ريد ) من أكثر مؤرخى الفن الذى جسدوا وتبنوا هذا الاتجاة فى تعريفهم لحداثة العمل الفنى .....
" فنجد أن القياس الوحيد الذى استخدمة ( هربرت ريد ) فى توصيفه للحداثة هو " تطور الأسلوب " لأنه يرى أن تاريخ الفن هو تاريخ الأساليب التى رأى بها الإنسان العالم ؛ وفكرة الحداثة عنده مستقاة من انعكاس أسلوب الحياة الحديثة على الإبداع ..
من هنا نجد كيف تبنى ( هربرت ريد ) كلمات الفن ( بول كلى ) التى يقول فيها " إن الفن الحديث لايعكس الشىء المرئى ؛ إنما يجعله مرئيا "
واعتبر هذة العبارة معيارا يزن الأعمال الفنية ويحدد مدى حداثتها
ويتفق ( هربرت ريد ) مع الناقد الأمريكى ( كلمنت جرينبرج ) إلى حد بعيد فى تفسيرهما " للحداثة " حيث ان الأسلوب هو المؤشر الأساسى " للحداثة " وابتعدوا بذلك عن مضمون العمل الفنى وموضوعه "
ويرى البعض الأخر من هؤلاء النقاد والفلاسفة أن صفة الحداثة فى العمل الفنى بعيدة عن التحديد الزمنى لإنتاج العمل الفنى وبعيدة أيضا عن حكم الذوق العام للأجيال المعاصرة ( ويرجعون الحداثة فى العمل الفنى إلى " الدورة الكاملة للمذهب واللوحة " والتى تبدأ بالرفض الشديد لما هو جديد وخارج على العرف والمألوف ؛ ثم لايلبث أن يأتى جيل يستحسن مارفضه الجيل السابق ويصبح شائعا ويدخل فى نطاق المألوف المبتذل ؛ فينتاب الناس الملل من فرط التكرار ؛ فيصبح هذا العمل من التراث ؛ ويبدأ اتجاه أخر جديد فى احتلال مكانه )
** الحداثة وما بعد الحداثة فى الفن :......
يعرف الفيلسوف الإيطالى ( جيانى فاتيمو - ( Giani Vattimo مصطلح الحداثة بأنها حالة وتوجه فكرى تسيطر عليهما فكرة رئيسية فحواها أن تطور الفكر الإنسانى يمثل عملية استنارة مطردة ؛ تتنامى قدما نحو الامتلاك الكامل والمتجدد ( عبر التفسير وإعادة التفسير ) لأسس الفكر وقواعده ....
أى انها تتميز بخاصية الوعى بضرورة تجاوز تفاسير الماضى ومفاهيمه والسعى الدائب نحو إستمرار هذا التجاوز فى المستقبل ؛ ذلك لتحقيق الإدراك المطرد عمقا بالأسس الحقيقية للفكر وقواعدة المتجددة التى تبطن الممارسات الإنسانية وتضفى عليها الشرعية ؛ سواء فى مجالات العلوم والفنون والأخلاق أو غيرها من المجالات الفكرية والعملية ....
( أما فى محاولة " فاتيمو " لتعريف مصطلح مابعد الحداثة فنجد أن مقطع ( مابعد ) يعنى التجاوز ؛ أى تجاوز الماضى نحو المستقبل .....
وهنا نجد انفسنا أمام مفارقة محيرة ؛ لانه فى حين كانت الحداثة هى عملية تجاوز فغن مابعد الحداثة أصبحت تجاوز التجاوز ...
وإن استخدام مصطلح مابعد الحداثة فى نهاية الأمر يعنى : ترسيخ مفهوم الحداثة ومن ثم السعى إلى نفيه وتجاوزة ؛ أى ان مابعد الحداثة هى ( عملية تجاوز مستمر للماضى )
وفى محاولة تعريف وتفسير مفهوم الحداثة وما بعد الحداثة فى الفن وذلك حسب رأى
( ليوتارد – ( Lyotard
يرى ليوتارد أن ( الحداثة فى الفن ) هى تقاليد تناقض ذاتها ؛ أى تيار يناهض القواعد التى يقوم عليها ؛ فهى حالة من عدم الاستقرار الدائم أما فن ( مابعد الحداثة ) لايمكن اعتبارة فئة محددة من الأعمال ؛ لأنه لايتحقق إلا فى صورة محاولة لتدمير كل التصنيفات والتقسيمات والإفلات منها ؛ أى تدمير كل الشروط والقواعد السائدة وتخريب عميق لها )
ندرك مما سبق مدى الاشتباك والعلاقة الجدلية بين التعريفين ويؤكد ذلك ليوتارد عندما سئل عن تعريف مابعد الحداثة ؟

منقول