مفهوم النقد فى التربية الفنية لتنمية مهارة التفكيرالنقدى
" المؤتمر السنوى (العربى الخامس-الدولى الثانى)
الاتجاهات الحديثة فى تطوير الاداء المؤسسى والاكاديمى فى مؤسسات التعليم العالى النوعى فى مصر والعالم العربى 2010
(ص1710-1720)
مقدمة
من خلال التعريفات المختلفة للنقد الفني، يتبنى الباحث التعريف الذى يؤكد على أن النقد الفني يتضمن التقيم واصدار الاحكام للقيم ، ولا ياخذ فى سبيل ذلك نشاط محايد بالنسبة للقيمة. و في هذا السياق سوف يقوم الباحث بالكشف عن الأسباب أو التوجهات الخاصة بالقيم الناتجة من ممارسة عمليات النقد و يقترح طريقة للنقد الفنى في السياق التعليمي, مؤسسة على منهج التفكير الناقد بما يحتويه من مجموعة مهارات للتفكير يقوم طالب الفنون من خلالها بتفسير وتحليل الاعمال الفنية ومعالجتها بعيداً عن الحلول أو الصياغات البسيطة باستخدام عمليات عقلية كالتحليل والتركيب والمقارنة بهدف الارتقاء إلى مستوى يعلو عن مستوى الحفظ والتذكر، تلك العمليات التى يمكن تعلمها والتدريب عليها وإجادتها للإجابة على سؤال أو حل مشكلة لا يمكن حلها من خلال الاستخدام التقليدى للعمليات العقلية .
وهناك أسباب كثيرة وراء فهم و تذوق الأعمال الفنية، يعادل اسباب وطرق ابداعها. و يركز بعض النقاد على توصيف وتعريف الأعمال الفنية لتصنيفها وتوثيقها في سياق و تأريخ الفن. وقد يستخدم بعض النقاد الأعمال الفنية باعتبارها وثيقة يكشف بالتحليل عن القوى النفسية فى شخصية الفنان أو الشخصية الانسانية بصورة عامة. وقد فحص نقاد آخرون الأعمال الفنية لأغراض خاصة بدراسات الإنسان تتعلق بإعادة بناء القيم و الأساطير و أبنية القرابة للمجتمعات بأسرها.باعتبار ان الفن نشاط اجتماعى من بين أوجه النشاط الأخرى. و يلاحظ أن جميع ما سبق يعد بمثابة أمثلة للعلماء الذين ذوي خبرات متعمقة يستندون إليها.
مشكلة البحث
نمارس النقد الفني لكي نفهم العمل الفني و نتذوقه. و يعني الفهم في هذه الحالة اكتشافا للمعنى في العمل. و إذا كنا نسعى للوصول إلى المعنى، فأن ذلك يشير بصورة ضمنية إلى افتراض أن للفن معنى يحتويه بشكل مقصود.فالنقد الفنى يؤدى الى جعل التجربة الجمالية أفضل عن طريق تكشف السبل لتميز قدرة الادراك الجمالى, بالبحث عن النظام أو "الإحساس" أو الدلالة الإنسانية بين الرموز المرئية التى تتضمنها الأعمال الفنية ، فقد لا يتسم المعروض بالوضوح الذاتي ولكن تكتشف قيمته خلال محاولة الفهم. و هو ما يوضح المعنى للتذوق الفنى بربط قيمة معينة بالعمل الفني أو تقييمه. وهو ما يطرح التساؤل الأتى: هل مفهوم النقد الفنى فى مجال التربية الفنية يمكن من خلاله تنمية مهارة التفكيرالنقدى ؟
هدف البحث:
يهدف البحث الكشف عن مفهوم النقد فى التربية الفنية وارتباطة بمهارات التفكير النقدى .
فروض البحث :
يفترض البحث إمكانية الكشف عن مفهوم النقد الفنى كاحد مكونات اسس التربية الفنية المعاصرة لتنمية مهارة التفكيرالنقدى .
أهمية البحث :
ترجع اهمية البحث الى.
1-الكشف عن مفهوم النقد الفنى المعاصر فى التربية الفنية .
2-ارتباط النقد الفنى بمهارات التفكير النقدى .
3-تأكيد الوعي بأهمية وضرورة الفن , واعلاء روح النقد والتفسير تجاه الفنون.
تعريف النقد الفني
النقد الفني في التربية الفنية هو ممارسة لنشاط فكرى يساعد طلاب الفن ، من معرفة طرق متعددة لفهم وتذوق الأعمال الفنية و الحديث عنها ، خلال حوار فعال يمارس فيه كل من المعلم والطالب تبادل الافكار والمعلومات حول مفاهيم الفن والقيم الجمالية ، التي تصف وتفسر وتحلل الأعمال الفنية والتي توفر للطلاب ثقافة فنية كافية لفهم جمالية العمل الفني فى سياق تاريخى او معاصر داخل استوديو الفن. فعمليات النقد على هذا النحو (تعد بمثابة تدريبات، التي يقوم الطلبة خلالها بفحص أعمالهم الفنية والأعمال الفنية للطلبة الآخرين. و الهدف من وراء ذلك تحقيق التحسين التقني و العلاقات الأفضل بين الوسائل التقنية و الأغراض المفاهيمية وفقا لتصورات الطلبة ) (Barrett-1988). وهو ما يثرى من الكشف عن المعادل الفكرى للانتاج الفنى وينمى القدرة على التميز والحكم الجمالى للقيمة كما ويثرى اللغة الادبية للحديث عن الفن وهذا ما دعى "فيلدمان " فى تعريفه النقد الفني بأنه: (الحديث المدون أو الشفهي حول الفن) (Feldman -1994-1). وفقا لرؤية "هارولد أوسبورن Harlod Osborn "، الذي استعار التعريف من" توماس مونرو ". (النقد الفني عبارة عن نشاط التحدث عن الفن. وعلى الجانب الآخر يشمل النقد الفني كل من فعل وحالة فهم الفن و تذوقه)(-1970 Osborn) ، بهذا المعنى يتاكد أن النقد الفني هو الحديث أو الكتابة حول الفن.وهو ما يؤكده" محسن عطية" "فى قوله ( يمثل النقد فى ابسط مستوياته نوعا من الحديث عن الفن , أو هو نشاط فنى يشترط وجود العمل الفنى والجمهور. ويحتاج الى اللغة التى يمكن أن تجعل عملية النقد فعالة ومؤثرة.)
( محسن عطية-2002-15) و قد ذكر "توم أندرسون " فى وصفه للنقد الفنى داخل الاستوديو اثناء ممارسة النشاط الفنى للتربية الفنية ( يشبه النقد الفني فن الأستوديو، في كونه المهارة التي يمكن تعلمها و التي يجب ممارستها. ويترتب على مواجهة المشاهد للعمل بشكل مباشر، التوصل إلى تفسيرات معينة، ومن المحتمل التوصل إلى تقييم معين و إصدار أحكام حول العمل الفني) (Anderson- 1991) و يتميز النقد الفني عن علم الجمال، بالرغم من انه يستمد المعلومات من النظريات الجمالية، فضلا عن مساهمته بها، إلا أن النقد موجه نحو فهم وتذوق الأعمال الفنية أو الأحداث الفنية الفردية. وهناك اختلافات في المعنى و الدلالة التي يمنحها الناقد للعمل الفني أو الحدث الفني، حيث يتوقف ذلك على النظريات الجمالية و قواعد القيمة التي يتبناها الناقد.
وبرغم اختلاف النظريات الجمالية يقرر كل من تيرى بريت Barrett و توم اندرسون " أن هناك في الحقيقة ثلاث أسئلة رئيسية يجب أن يطرحها الناقد الفني: أ ـ ما هذا؟ ب ـ ما الذي يعنيه ج ـ ما دلالاته؟ كما اقترح أيضا أن الأسئلة الثلاث السابقة أدت إلى ظهور العمليات الأولية التقليدية للنقد: أ ـ الوصف ب ـ التفسير ج ـ التقييم. و أنه في حالة غياب أحد العمليات الثلاث السابقة، فأن المحصلة عدم الحصول على نقد أكاديمي تام التطور.
النقد الفني والحكم الجمالى
العنصر الاساسى فى أى موقف هو اتخاذ اتجاه ايجابى أو سلبى نحو ما هو مدرك ويحمل النقد جانبى التفسير والتقدير وهو ما يدفع بالتجربة الجمالية الى افضل مما هى عليه واكثر اشباعا للاستمتاع بالاعمال الفنية , فمن خلال التحليل الجمالى تنمو القدرة على التمييز , ويزيل الغموض الذى يحيط بالعمل الفنى وبالتالى تتحقق الاستجابة , فالنقد التقديرى يفترض مقدما النقد التفسيرى .كما يقول "جرينGreene ) فان "السؤال ماقيمته ؟ يفترض مقدما السؤال: ما هو ؟ ((جيروم -1981-669) ، ان العمل الفنى مشحون بالقيم . ومن هنا فاننا عندما نتحدث عنه , تتداخل المسائل الواقعية والتقويمية فالتفسير لايحدث فى الفراغ , بل يندمج بسهولة فى التقدير . فعندما نقول ما "هو" العمل , نكون قد حددنا , بطريق مباشر أو غير مباشر , رأينا فى العمل من حيث هو موضوع جمالى , وبذلك نكون قد وصفنا نوع القيمة التى تكون للعمل بالنسبة الى المشاهد , ودرجة هذه القيمة . ومعظم الالفاظ التى نستخدمها فى وصف " ما هو عليه" لها معان مرتبطة " بما هو جدير به فمعظم الالفاظ تقوم بمهمة الوصف ولكنها ايضا تقويمية ضمنيا. وفقا "ماثيو آرنولد" يقول( ان المهمة الئيسية للنقد هى نشر المعرفة . اما التقدير , ياتى فى ركابه- ولكن بطريقة غير ملموسة, وفى المرتية الثانية بوصفه نوعا من الرفيق أو المرشد لا بوصفه مشروعا مجردا ) (جيروم -1981-669) من خلال التاكيد على تعاريف النقد الفنى التى تقرر أن جميع أعمال النقد يجب أن تتضمن التقييم أو إصدار الأحكام.
و قد لا يوافق ذلك بالنسبة لتبنى بعض النقاد وعلماء الجمال لما يعرف "بالموقف الجمالى" (والذى لا ينبغى خلاله تصنيف الاشياء او دراستها او الحكم عليها . فهى فى ذاتها باعثة للذة, ومثيرة فى مرآها. فعندما ندرك موضوعا بطريقة استطيقية, نفعل ذلك لكى نتذوق طابعه الفردى , وندرك ان كان الموضوع جذابا, او مثيرا , او مليئا بالحيوية, او هذه كلها معا . "واذا شئنا ان نتذوق الموضوع , فلابد لنا من ان نقبله" على ما هو عليه " .وعلينا ان نجعل انفسنا متلقين للموضوع ونهيء انفسنا لقبول اى شيء يقدمه للادراك.) (جيروم -1981-47)
و قد لا يوافق ايضا " ويتز Weitz " على أنه من الضروري أن يتضمن النقد إصدار الأحكام، و بدلا من ذلك قد يقول( أن النقد يمكن أن يتكون من أي من العمليات الثلاث للوصف أو التفسير أو التقييم. و إن ما يشير إليه ذلك بصورة ضمنية أنه يمكن إنجاز أي من الجوانب الثلاثة سابقة الذكر في صورة نقية دون الدخول في مجال الاثنين الأخريين. وعلى هذا الأساس فأنه يمكن إنجاز وصف أو تفسير أي منها في غياب التقييم.)( Weitz -1964) و لاشك ان ذلك الموقف يمثل ما طرحه الشكليون فى تاكيدهم على مفهوم الشكل و"الحقيقة ان ازمة اتجاهات ونظريات الحداثة فى مجال علم الجمال والنقد الفنى والادبى كغاية قصوى ومرجعية نهائية بالنسبة للناقد والمتذوق على السواء "( جاديمر-1997-33) وهو ما يؤكد على خطأ المفهوم القائل بأن أي فكر أو فعل إنساني يمكن أن يكون محايدا بالنسبة للقيمة، و يستند إلى التحيز العلمي فى عصر الحداثة ويصعب تطبيقه على الفنون المعاصرة . لما تكشفه نظرية ما بعد الحداثة بصورة واضحة من استحالة اتخاذ مثل هذه الموقف.
و ليس من شك أن تكون الجوانب الإنسانية كالرؤية أو القرارات أو الأنشطة محايدة بالنسبة للقيمة أو خالية منها ـ فى العصر الحديث أو ما بعد الحديث. (فالعمل الفنى يحول خبرتنا العابرة الى صورة راسخة ودائمة لابداع مستقل ومتماسك باطنيا وهو يفعل هذا على ذلك النحو الذى نتجاوز فيه انفسنا من خلال النفاذ بعمق داخل العمل.) (جاديمر 1997-146 ) وفي الواقع أن اصحاب الموقف الموضوعى فيتبع منهج تحليلى لمحاولة الكشف عن القواعد والمبادىء التى ينبغى ان يرتسمها الفنان فى انتاجه وكذا الناقد والمتذوق وعلى ذلك فالموضوعية الكلية المتخيلة من منطلق الرؤية العلمية تنزع سياق المعرفة، بل تؤدي إلى إمكانية اتخاذ مثل هذا الموقف المحايده تجاه الاعمال الفنية , (اصحاب الموقف الموضوعى يرون أن الجمال صفة حالة فى الشيء الجميل تلازمه وتقوم فيه وتنبت فى ارجائه بقطع النظر عن وجود عقل يقوم بادراك هذه الصفة أو تذوقها.)( ابو ريان-1989-114) بل أن البعض يعتقد في أنه حالة قياسنا لبعض الأشياء أو جمعها "كمجرد للحقائق فحسب"، فأن ذلك سيؤدي التوصل إلى استنتاجات غير متحيزة. مع الاخذ فى الاعتبار أن جودة الكل ليست مجموع قيم اجزائه . فالطابع العضوى للعمل الفنى المكتمل لن نستطيع تقدير اجزائه الاعندما يتم تقبله وادراكه ككل اولا وليس عن طريق مجرد جمع القيم والحقائق بين الاجزاء المختلفة.
أن جمع الحقائق يتوقف على طبيعة الحقائق التي يراها المرء، والتي يتخذ حيالها موقف الملاحظة وابداء الاحكام, فهناك ميل غريزى لدى الإنسان لإصدار أحكام أولية حول طبيعة وجودة الظاهرة التي تدخل مجال الإدراك . ويوجد في قلب أي فكر أو فعل إنساني الإدراك المحدد لإصدار القيمة. ( فالعنصر الدائم فى البشرية الذى يتجاوب مع عنصر الشكل فى الفن , هو حساسية الانسان الجمالية . انها الحساسية الثابته.اما الشيء المتغير فهو الفهم الذى يقيمه الانسان عن طريق تجريده لانطباعاته الحسية, ولحياته العقلية,ونحن لندين لهذين العاملين , بالعنصر المتغير فى الفن وهو ما يمكن أن نسميه , التعبير)( ريد 1998-14) فالعمل الفنى لايعتبر انتاجا ذهنيا فى التطبيق العملى الذى يقوم به الفنان يمكن تفسيره وفهمه جماليا على درجات مختلفة بل وانحاء شتى ومن ثم فالتقدير يتم على اسس متباينة. فلكل فرد تجربته الجمالية ذات اللون الخاص, وما يتبعه الفرد اثناء ممارسة الحياة من انشطة مختلفة أو عدم فعل أي شيء, يتم خلالها اتخاذ قرارات محددة يتطلب ذلك إصدار أحاكم للقيمة، عما إذا كان من الملائم أو المرغوب فيه فعل شيء ما , أوما يرتبط به من سياق أو تكلفة و غير ذلك.
و توجد نفس الاعتبارات عند النظر إلى الأعمال الفنية. حيث يوجد ارتباط بين فعل المشاهدة و ما نفكر فيه بالنسبة لما نراه و القيمة التي نقدرها. وقد كان" جون ديوي John Dewey "أول من فكر أنه من الطبيعي أن الاستجابة الأولي لمشاهدة عمل فني معين أن يتم إصدار حكم معين بشأنه. وسيوجد هذا الرأي أو هذه الأحكام حول العمل سواء إذا كان المرء يشعر بذلك أم لا و سواء شارك المشاهد في النقد الفني أم لم يشارك. و إصدار الأحكام قد تكون عملية انفعالية أو عقلية أو كليهما، إلا أنه لا يمكن تجنبهما. (فموقف جون ديوى محاولة كبرى للاقتراب من الواقع فهو يربط الفن بالتجربة أو الخبرات فيخلع عليه صفة نفعية عملية وظيفية ويسبغ على الخبرات الانسانية بصفه عامة طابعا جماليا , فليس هناك فاصل فى نظره بين الخبرة الجمالية وخبراتنا اليومية ( (ابو ريان-1989-190)
و تعد عمليات إصدار الأحكام الجمالية " الاستاطيقية" ، النوع السائد من إصدار عند مشاهدة الاعمال الفنية . و هناك أنواع أخرى من الأحكام التي يمكن إصداره كالأحكام الاخلاقية أو النفعية ، و تعد الاحكام الجمالية حديثة، حيث أنها تشكلت بواسطة بعض فلاسفة عصر التنوير ومنهم "ديكارت" و"كانت" و "هيوم "و" بومجارتين" وغيرهم. و قبل ذلك الوقت كانت الأحكام ليست على القيمة الجمالية المتأصلة فى ما نطلق عليه اليوم عملا فنيا، بل قد يتضمن الحكم على أهميته ونفعيته أو قدسيته وفاعليته ، مثل إصدار حكم على قطعة فنية تستخدم في هيكل الكنيسة أو أحد الأشياء الطقسية أو قطعة من الاثاث ، وتقتصر القيمة الجمالية في طريقة صنع الشيء أو طابعه الحرفى بالنسبة لإنجاز وظيفته المحددة , لقد (وجد علم الجمال فى العصور السابقة تلك وهو متصل بالاخلاق أو الدين ولم يظهر علم الجماال فى صورة العلم الكامل المستقل الا عندما نشر الكسندر بومجارتن (1714-1762) كتابه " فلسفة الجمال " فى مجلدين) (على عبد المعطى -1985 -114) . و عندما ارتفع شعار "الفن لاجل الفن " كان بمثابة دفاعا عن التجربة الجمالية واعادة التوازن ضد أولئك الذين يجعلون الفن لاجل أهداف أخرى أخلاقية أو اجتماعية, فالفن من أجل الفن وحده. يولى ضرورة الاستجابة للمعاني الكلية للشكل، بدلا من الاستجابة إلى الوظيفة المفيدة. ومع تطورالكشف عن الجماليات و تقنينها باعتبارها نمط لقائمة استجابة معينة، يميل الحكم الغريزي الأول إلى الاهتمامات الجمالية وليس الوظيفية، إلا أن الأمر تغير في إطار الحساسية الحديثة، حيث أصبح نمط التفاعل مع الفن يشكل المجال الأول للحكم على الأعمال الفنية.( فتقدير القيمة الجمالية التى يملكها العمل الفنى تتم من خلال الادراك الجمالى , وعندها يمكن التمييز بين قيمة العمل لذاته والقيم الاخرى التى ترتبط به لاغراض اخرى . والنقد الفنى الذى يطبق فى مجالات الفنون على اختلاف انواعها لايلبث أن ينتقل الى مجالات الحياة ذلتها وحينئذ تصبح الصورة بمثابة البوتقة التى تجرى من خلالها التجربة الجمالية وما تثيره من حاجة الى الصقل أو الاتزان أو الاحكام لتصل الى التكامل اللازم, ينتقل هذا الى موقف الحياةالعملية حيث تصدر الأحكام فى كل ما يتصوره الانسان .) (البسيونى -1986) , غير إننا نتوجه الآن للمتاحف لكي نرى الفن في حد ذاته، و لكي نحصل على استجابة جمالية، عادة دون التفكير في البدائل المحتملة. والمشاهد الباحث عن قيمة العمل الفني اثناء مواجهته للعمل، يصدر حكما مستندا إلى الجوانب الجمالية, ويصعب في النقد الفصل بين إصدار الأحكام والوصف و التفسير. ( فالواقع أن إصدار الأحكام عنصر اساسى في جميع مكونات النقد الفني.)( Anderson - 1993) , ونحن عادة نصدر أحكام عندما ننظر إلى الفن سواء أكانت أحكاما ظاهرة و مدركة أو مجرد أحكام ضمنية.
نظريات الجمال والنقد الفني
تتضمن الوظيفة الأولية لفلسفة الفن تعريف الفن وقواعد القيم التي تستخدم في إصدار الأحكام. و تتعدد النظريات الجمالية التى تتصل مباشرة بالعمل الفنى ، وتطرح كل نظرية أسئلة مختلفة عن الموضوع الفنى, وتلقى الضوء على جوانب مختلفة منه , و توفر الإطار العام الذي يستند إليه إصدار الأحكام على الأعمال الفنية .كما يمكن الجمع بين أكثر من نظرية واحدة أثناء عمليات النقد فنظرية "المحاكاة" و النظرية" الإنفعالية" فى ومقابل النظرية" الشكلية "ونظرية "الجمال الفنى " . ويفسر ذلك على النحو التالى : المحاكاه تؤكد اعتماد العمل الفنى على الواقع سواء فى الحياة المعتادة "المحاكاه البسيطة" أو ماهو شامل فى الطبيعة "الجوهر" أو ماهو نموذجى رفيع "المثل الأعلى" ويختلف أنصار النظرية الأنفعالية فى نظرتهم للعمل الفنى فليست الطبيعة او الحياة لها دور أقوى من تجربة الفنان الشخصية فكل عناصر العمل هى دلالة للتعبير عن الأنفعال ,هكذا يفهم الموضوع الفنى فى كلا النظريتين فى ضوء ما يقع خارج نطاق العمل ذاته . وفى مقابل ذلك النظرية" الشكلية "ونظرية "الجمال الفنى " فيحدد "كلايف بلClive Bell " و"روجر فراىRoger Fry" وفقا للإطار العام الجمالي الشكلي، الذي ينظر فيه إلى ارتباط المعنى و الأهمية مع الشكل ذي الدلالة، التى تنحصر قيمة الفن فى عناصر التصميم كالخط والكتلة والظل واللون مع اعتبار أن المحتوى الموضوعي غير وثيق الصلة، بل يتصف بتأثيره الضار. ونظرية "الجمال الفنى " فالعمل الفنى يكون فيها موضع اهتمام استطيقى , فلا نحتاج الى ان ناتى معنا بشيء من خارج العمل الفنى , وكل ما نحتاج اليه هو الاحساس بالشكل وقيمه, والبحث عن التركيب الباطن والسمات الادراكية والقيمة الكامنة للعمل.
وعلى ذلك يمكن تبسيط استخدام الجوانب الايجابية فى كل نظرية لتحليل مذهب أو اسلوب فنى فنظرية "المحاكاة" تحلل الفن الكلاسيكى و النظرية" الإنفعالية" فى تحليل الرومانسية و النظرية" الشكلية "ونظرية "الجمال الفنى " تحلل الفن التجريدى , وبذلك ينشأ من العمل الفنى الواحد أنواع مختلفة من التقييم ، من خلال الأسس المستمدة من النظرية الجمالية ووجهة نظر الناقد الخاصة . وعلى هذا الأساس فأن التقييم يمثل قيم تستند إلى المعايير التي يمكن ملاحظتها بصورة عامة, و كذلك المقولات التي يتم التعبير عنها صراحة أو بصورة ضمنية في إطار نظرية جمالية معينة.

النقد الفنى فى اطار البنيوية
لقد ظهرت البنيوية في ذروة الاهتمام بالدراسات اللغوية, بطموحات غير محدودة تتماشى مع روح القرن العشرين الساعية دائما إلى تأسيس شرعية علمية لانساق الثقافة والأخذ بالمنهج العلمي وتجريبيته, والدعوة لسيادة العقل بقدرته على الفحص والتمحيص مع التخلص النهائي من ذاتيته الرومانسية وتفاؤلها في إطلاق حرية الفرد وتفجير طاقاته الإبداعية, فالإبداع الفني ليس نتاجا فرديا وليس إلهاما غامضا. كان طموح البنيوية في تأسيس مذهب نقدي جديد يتفق وسيادة التفكير العلمي ومكانتة وسلطة المنهج التجريبي لتأسيس القواعد والمعايير التي شكلت اطار التقاليد النقدية عند النقاد الجدد أو النظام عند البنيويين ،
و نجد جذورا لمفهوم البنيوية في ارتباطه بالفكر الماركسي والنظرية الشكلية , بإعداد الفن صفة من الفعل بمعنى أنه خلق وإبداع وليس محاكاة للطبيعة. ويتميز منهج البنيوية في الاتجاه نحو جمالية علمية توجه البحث في تقنيات الشكل والتكنيك والأسلوب والأدوات الوسيطة في الفن, ورغم استقلالية البناء العضوي للعمل الفني, إلا أننا لا نستطيع أن نفصله كاملا عن البني التحتية التي تشكل الثقافة ووعى الفنان, أى أننا لا نستطيع أن ندرس أو نحلل العمل الفني بمعزل عن القوى الاقتصادية والاجتماعية.هكذا يعبر مصطلح البنية فى المذهب البنيوى عن كلية العمل الفنى . ولايمكن أن يدرس الشكل بإعتباره حسا خالصا, لأنه يصور للمتذوق عالما من الموضوعات والتركيبات والمعانى . ( القيمة هى جوهر الفن والنقد هو حكم تقويمى, ولايمكن فصل الشكل والبنية عن مفاهيم القيمة والمعيار والوظيفة , وينبغى لأى دراسة للشكل أو البنية أو الأسلوب من أن تستند الى فلسفة أستطيقية نقدية معينة ) ( محسن عطية-2002-190) فالمشروع البنيوي منذ بداياته يولى اهتماما بفكرة النظام الكلى الذي يسبق في وجوده الإبداعات الفردية , ويؤكد الناقد البنيوي على العلامة وما تتضمنه من وجهين "دال" Signifier ومدلول Signified وقد توجد العلامة في شكل نص الكلمة أو داخل نسق مصغر هو الجملة, أو على شكل نسق أكبر ينظم عددا من الوحدات الصغرى داخل عددا من الأنساق الصغرى وهو العمل ككل, وقد تكون مجموعة من الألوان أو الخطوط أو المساحات داخل لوحة أو عمل فني, وما توصله العلامة هو الدلالة Significance وتتضمن عملية التوصيل ذاتها من طرف إلى طرف آخر – التدليل Signification , ويتضح من ذلك أننا لا بد وأن نحلل العمل دون أن نضع لأنفسنا نظاما قائما سلفا, ولكن بواسطة الأساس الذي يحمل الكثير من الدلالات والعلامات, وذلك بتوسيع نطاق الدال والمدلول إلى أن يصل إلى لا نهائية النص فقاوم بذلك التفسير النهائي في النقد التقليدي.
التفكيكية وعدم ثبات المعنى
بينما تنشأ التفكيكية من خلال ما طرحه الفكر العام للشك في المعرفة اليقينية وقدرات العلم ، وقدرات العقل ، والتمرد والثورة على كل شيء و(قد ارتبط الاحساس بالخديعة الذي تمخض عن تجربة الإنسان مع العلم والتكنولوجيا باحساس جديد باستحاله المعرفه ,وخيم شك فلسفي جديد على العالم . شك نتشى مقبض وفوضوى ! ما هي الحقيقة اذن ؟ مجموعة متحركة من المجازات والتشبيهات . باختصار ، هي تلخيص للعلاقات الانسانية ثم دعمها ونقلها وتحميلها شعريا وبلاغيا ، علاقات بدت للناس بعد فترة استخدام طويلة ثابتة ومعيارية واجبارية . الحقائق أوهام نسي الناس أنها كذلك ، مجازات تآكلت من طول الاستعمال) (عبد العزيز حموده - 1998- 232 ) لذلك يعد جوهر التفكيك هو غياب المركز الثابت أو نقطة الارتكاز الثابتة التي يمكن الانطلاق منها لتقديم تفسير معتمد ، فالخطأ في الفلسفات السابقة يقال أنه يقع في افتراض أن هناك معطيات تحدد فهمنا بينما تبعا للتفكيكية فان العقل المفسر حر في اللعب " Free play " اللعب الحر وهو حرية الملتقى في تعدد التفسيرات لانهائية الدلالة والتي ارتبطت بتأويله " جادمر Gadamer ".ومفهوم الفن المفتوح عند "فيتش" ) البديل لا يتبدل بأي شيء كان موجودا قبله . ومن ثم كان من الضروري أن نبدأ التفكير في انه لا يوجد مركز ، وأن المركز ليس موقع ثابت وانما وظيفة ونواه من نوع ما يعمل فيها عدد لا نهائي من البدائل . وكانت هذه اللحظة هي التي أصبح عندها كل شيء محادثة أو كلام في غياب مركز أو أصل .( (Derrida -1995 - 54) ومن الواضح أن ديريدا Derrida يقر بفكرة وجود مركز أو سلطة خارجية موثوقة قد تكون العقل أو الانسان أو التقاليد أو غير ذلك من الأسماء المختلفة التي أخذتها تلك السلطة عبر التاريخ وهو ما يرفضه المشروع التفكيكي أو الاعتراف بوجوده , وأن المعنى لا يتحقق أبدا بصورة كاملة, فالعلامة لا تصبح مطابقة لمعناها ولا تمتلك المعنى بصورة كاملة, وذلك للعلاقات اللانهائية بين الدال (وقد يكون صوتا أو حركة أو لونا أو مساحة..الخ) والمدلول (أي الفكرة أو المعنى), وكذا الإحالات المتبادلة بين الدوال مما يجعل تحديد المعنى بصورة نهائية حاسمة أمرا مستحيلا.
إن الفصل بين العلامة وما تشير إليه, والدال والمدلول المستقل, يمكننا أن نوسع نطاق فهمنا لفن" ما بعد الحداثة Post Modernism " في ظل فكرة الحركة الحرة للدوال أي لصالح صور من التعددية التي لا يثبت فيها المعنى على حال, بل يظهر حائرا دوما وتقدم التفكيكية بهذه النظرة إلى طبيعة العلامة ونشاطها تفهم لتيار ما بعد الحداثة باعتباره تيارا يعلن صراحة استحالة تحديد المعنى بصورة نهائية, ويسعى إلى خلخلة وتقويض الشروط والمبادئ الأساسية, ( واستنادا إلى آراء دريدا, بتطبيقها على الأعمال الفنية, يمكننا تفسير توجه الحداثية (Modernism) إلى البحث عن الأصول والقواعد كمحاولة للتغلب على اعتباطية العلامة وعدم استقرار معناها) (نك كاى – 1999 – 21) في حين تخلى تيار ما بعد الحداثة عن ذلك المفهوم في محاولة لتدمير الفكرة الوهمية عن العلاقة باعتبارها وحدة متكاملة لا تماثل إلا نفسها, ومن ثم محاولة الكشف عن التفاعلات اللانهائية المتذبذبة بين عناصر العمل الفني تلك التفاعلات التي تحاول الحداثية أن تكبتها في انطلاقها بحثا عن القواعد الأساسية.
هذا ويعد المعيار متوقفا على ذاتيه المتلق أي على الاطار الثقافي الذي يحمله ولم يكن هناك حدود مغلقة للعمل الفني بل كل متلقي يمكنه اكتشاف المعيار والأساس الذي يبني عليه الحكم الجمالي الخاص به.
أن ديرديدا يدرس كل شيء ومن ثم (فان أي شيء ينفع معه ، ولذلك اذا اختار نقاد الأدب تفسير جدول مواعيد القطارات أو اختار نقاد الفن اسكتشات الغلاف من الهامبورجر فلن يكون هناك شيئ يقال عن ملائمة الأشياء أو عدم ملائمتها بالنسبة للاهتمام بها ، ونسأل فقط هل التأكيد الممتع في نظام الاشارات هو أمر ممكن وهل النتيجة لذيذة وممتعة (jouissance (Gordan1997-170) فيستخدم أنصار مذهب التفكيك في الوقت الراهن، ما يعرف باسم الوصف العميق، مركزه بصورة اساسية على المتلقي الذي يبدأ عادة من خلال الاستجابة إلى الشيء الفني أو الحدث الفني، ثم بعد ذلك يترك مجال الشيء بصورة كلية و يركز على العلاقات ومعاني العلاقات التي تنشأ، والتي قد يتم إرجاعها إلى الشيء أو الحدث أم لا. لأن هذه الحرية في التلقي تعني الثقة في قدراته الذاتيه , فالمعنى في النقد عبارة عن شبكة من العلاقات و ليس مقتصرا على مجال تأثير العمل الفني. و الوصف العميق، لا يعني بدرجة كبير تفهم العمل الفني، ولكن يعني تفهم المرء لذاته لكنها تبتعد عن الانطباع أو الذات الرومانسية التي تمثل ذات الفنان, بل ذات ننتيجة ظهوره من دوافع الشك والثورة في كل شيء بنفي المركز أو السلطة,و تفهمه أيضا "للنصوص" التي تتعلق بحياته في سياق العمل الفني و غيره من العوامل ذات الصلة الوثيقة. ونتيجة لذلك اطلاق المعنى وتعد الدلالات اللانهائية . و يتصف هذا النوع من الوصف على أساس أنه أحد الدوال التي تتميز بعدم استقرار معناها بصورة مستمرة .
أنواع النقد الفني والدور التعليمى
من الانواع الرئيسية للنقد منها ما يرتبط بتفسير العمل الفنى واخرى بتقديره , ولها دور تربوى عند تطبيقها أو دراستها فنتعلم من "النقد بواسطة القواعد " يصنف العمل ويكسبنا قدرة على ادراك التفاصيل وينبىء بنوع ودرجة القيمة التى يمكننا ان نتوقع الاهتداء اليها فى العمل و" النقد السياقى " يعالج مادة العمل الفنى ورموزه وموضوعه الفكرى بتجاوز للعمل الفنى ذاته والاتجاه نحو الحياة مما يكشف عن ما تتضمنه الاعمال الفنية من اشارات تاريخية أو اجتماعية , أو رمزية تسهم فى قراءة العمل الفنى, اما " النقد الانطباعى" ذا قيمة تعليمية لما يكشف من خلاله عن المشاعر والافكار والصور الخيالية وما يرتبط بانفعالات واحاسيس نفسية تثرى من رؤية العمل الفنى بما يحتويه من ثراء ويشجع على الاقبال على العمل الفنى بخيال خصب دون تردد , مما يجعل الادراك للمشاهد اكثر مرونه وحيوية نحو انطلاق ابداعى والنقد القصدى"يبحث فى المقصد النفسى والجمالى عند الفنان والعمل الفنى على السواء ويثير من خلالة الناقد العديد من الاسئلة المثيرة للبحث عن القيمة التى يحققها الفنان من خلال عمله بوصفه أداة للتعبير الجمالى , و "النقد الباطن "وهو ما يعرف "بالنقد الجديد" فيغلب عليه الصفة التعليمية بصورة واضحة نظرا للبحث الدائم و الكشف عن المعانى التى يتضمنها العمل الفنى , مما يوجه النظر نحو جمالية يصعب ادراكها من السطح الخارجى , فيبحث فيما هو غامض وخفى وراء مظاهر الاشكال الظاهرية نحو العمق.
وفي حالة النقد الاستكشافي، يجري الناقد عملية الوصف التى تقوم على الملاحظة المباشرة لجوانب العمل الفنى بعطاء تقيما أوليا ويتم ذلك بحذر و بصورة تجريبية، فيؤجل مهمة إعطاء الحكم على اعتبار أنه قابل للمزيد من الاستكشاف, و إعطاء فرصة كاملة لرؤية العمل وتفحصه و يشمل الوصف البحث عن الخواص التي تدعم أو تعارض الحكم الأولي الذي تم إصداره, ويتبع ذلك التحليل واكتشاف العناصر , واثرها الانفعالى بدراسة العلاقات الناشئة بين العناصر المرئية و الناقد عند ممارسة تلك التجربة النقدية الاستكشافية ، في حاجة إلى الاتصاف بتفتح الذهن، إلى أن يكتمل الوصف والتفسير، نظرا لأنه قد تكون هناك حاجة إلى تغيير الحكم الأولي مع تطور الرؤية المتعمقة . أو توضيح الدلاله لتحقق القيم فى الحكم.
و تستند جميع أنواع النقد على أحكام القيمة. وعلى هذا الأساس فأن النقـد يعد بمثابة فعل الإقناع. إن الناقد يتخذ موقفا معينا و يحاول أن يقنع القارئ ما يراه هو, وقد لا نتفق مع إحكام الناقد حول المعنى أو القيمة، في حالة اختلافنا مع منطقه أو قيمه.فالعمل الفنى الواحد يمكن تفسيره على أوجه مختلفة تبعا لمعايير النقد, فتاريخ النقد الفنى يشهد اختلاف فى أحكام جمالية متعددة للعمل الفنى الواحد , نتيجة لمستويات متعددة من الاختلافات فى المستوى الثقافى والحضارى ,وتعالج النظرية النسبية الاختلاف حول القيم بالرجوع الى مشروعية التفسير عندما يكون مبنى على حقيقة العمل الفنى , فمن الواضح أنه توجد أكثر من وجهة نظر حول معنى و قيمة الحقائق، وهو مايؤكد على دور و فاعلية كل من الجماليات وفلسفة الفن، بالنسبة للنقد الفني.
اكتساب مهارات التفكير النقدي
من خلال التأكيد على أننا يمكن أن "التمييز بين الحقائق والآراء أو المشاعر الشخصية ، والاحكام والاستدلالات ،الاستقرائي الاستنتاجي والحجج ، الموضوعية والذاتية, فالتفكير الناقد ليس هدفا معزولا لا علاقة له بأهداف أخرى هامة في مجال التعليم ، وإنما هو هدف واحد يسهل لغايات أخرى ، وأفضل تصور ، لذلك ، كمركز حولها جميع المواد الأخرى التعليمية. فعلى سبيل المثال ، كما يتعلم الطلاب على التفكير بشكل نقدى ، فإنه يصبح أكثر كفاءة في المواد التاريخية والعلمية والرياضية والتفكير. وأخيرا ، تطوير مهاراته وقدراته وقيمه وايضا ضرورة للنجاح في الحياة اليومية. ) تشير الأبحاث الحديثة إلى أن التفكير الناقد جزءا لا يتجزأ من التعليم على أي مستوى ، من دون التفكير النقدي تصبح الأهداف المنهجية للتعليم والتعلم هو عابرة وسطحية. ) (education think critical) ان فعاليات التفكير هي قدرات متداخلة لا تنفصل عن الذكاء والإبداع بل قد يفسر أحدهما بالآخر , وبذا يكون التفكير في معناه العام هو البحث أو استخلاص أوالكشف عن المعنى , إن تعلم مهارة التفكير بحاجة إلى تعلمها وتطويرها كالمهارات المتعلقة بالإدراك الحسي والمعلومات والخبرة لتوجيه الحواس وفق أهداف بخلفية مؤسسة على بناء معلوماتى مرتبط مع الخبرة وتوسيع نطاق الإدراك الحسي واستكشاف الأنماط والعلاقات فيما بين المعلومات إكتشاف المعاني.
ويركز البحث الحالى على أحد أنواع التفكير الاكثر ارتباطا بالعملية التذوقية خلال النقد الفنى وهو "التفكير النقدى " الذي يتطلب استخدام المستويات المعرفية العليا الثلاث في تصنيف بلوم ( التحليل ـ التركيب ـ التقويم ) , ويستخدم للدلالة على مهام كثيرة كالكشف عن العيوب والأخطاء ، والشك في كل شيء ، والتفكير التحليلي ، والتفكير التأملي , و التفكير الناقد ليس بالضرورة البحث عن السلبيات ، فالواقع هو بتعبير أكثر دقة تقييمية التفكير. وهى نتيجة التقييم والتى يمكن أن تتراوح من الإيجابية إلى السلبية ، من القبول والرفض أو أي شيء في ما بينهما. فالتفكير النقدي, يكون هادفا الى الحكم الذي ينتج من التفسير والتحليل والتقييم ، والاستدلال ، وكذلك شرح للالاثبات ، واعتبارات مفاهيمية ومنهجية ، أو المحتويات التي قام عليها ذلك الحكم , فيقوم على تقصي الدقة في ملاحظة الوقائع التي تتصل بالموضوعات ومناقشتها وتقويمها والتقيد بإطار العلاقات الصحيحة الذي ينتمي إليه هذا الواقع واستخلاص النتائج بطريقة منطقية وسليمة مع مراعاة الموضوعية العملية وبعدها عن العوامل الذاتية كالتأثير بالنواحي العاطفية أو الأفكار السابقة أو الآراء التقليدية. (تشير الأبحاث الحديثة إلى أن التفكير الناقد جزءا لا يتجزأ من التعليم على أي مستوى. يأتي الطلاب من دون التدريب فيها ، ومن دون التفكير النقدي يصبح المنهج الذى يهدف إلى التعليم والتعلم هو مجرد منهج عابر وسطحي .) (freewebtown) فالتفكير النقدى ليس هدفا معزولة لا علاقة له بالأهداف الأخرى الهامة في مجال التعليم بل تمثل اكثر الطرق فاعلية و يتطلب اكتساب مهارات التفكير النقدي أن يتصف البناء النقدي الذي يضعه المدرس بالترابط المنهجي. ووضع اعتبار أن الطلبة في حاجة إلى تعلم طبيعة و وظائف إستراتيجيات التفكير النقدي من خلال التصنيف المنهجي. وفي الوقت الذي يعمل النقاد بكيفية تقييمية أو تفسيرية أو وصفية .
ويعد "النقد الاستكشافي Exploratory art criticism " من الناحية التعليمية ذا دور فعال يمكن من خلاله ليس تطوير معرفة الطلبة بشأن الفن فقط ، بل يتم من خلاله أيضا تطوير مهارات تفكيرهم النقدي . والنظرة الى الفن بوصفه سجلا لانفعالات الانسان واداة لتوصيلها الى الاخرين، وتوضيح دور و أهمية الفن . وقد ذكر الناقد الفني "هيلتون كرامر Hilton Kramer ": ".. يجب الدفاع عن الفن والسعي نحوه و الاستمتاع به .. لما هو عليه و في حد ذاته، باعتباره نمطا للمعرفة و مصدرا للاستنارة الروحية والعقلية و باعتباره شكل خاص للمتعة و السمو الأخلاقي." (87-1991Levi, A., & Smith-). وايضا لم يقتصر على التحليل الجمالى الشكلى بل يمتد الى ماهو ابعد من ذلك كما يعرض توم اندرسون" أن الأعمال الفنية تلقي الضوء على الظروف الإنسانية. و باعتبار الأعمال الفنية تعبيرات مجازية لمختلف رؤى الحياة وخبراتها، لذا تحتوى الفنون المرئية خبرة السنين المنغمسة فيها" ( 1989- Anderson). ومن خلال القراءة و ممارسة النقد الفني يتمكن معلمى الفن بطرق منهجية منتظمة من منح طلاب الفن رؤى وآفاق ارحب للكشف عن الحقائق الثقافية الجماعية و المعاني ذات الدلالة الفردية فى ذات الوقت.
و لاشك أن تاريخ الفن يمد النقد بالأعمال الفنية المختارة من أزمنة وثقافات مختلفة، ويمثل ذلك من أفضل الأدوات التي يمكن أن يستخدمها معلم الفــن بهدف تطوير كل من المحتوى الفني و مهارات التفكير النقدي للطالب. و عن طريق مشاركة الطالب في تطوير المعنى وليس إعطائه نسخة سابقة من المعني ، سوف يؤدي ذلك الى تحول العملية التعليمية التى يتجه فيها المتعلم إلى فاعالية ايجابية فى اطار تجريبى مما يفسح المجال لتوسيع نطاق الادراك الجمالى برؤى منفتحة والوصول الى معاني تستند الى معاير جمالية قد تم الاستدلال عليها مسبقا , ويبتعد بذلك كليتا عن التلقى السلبى للمعلومات والاحكام المسبقة .
نموذج أندرسون للنقد الفنى لاستخدامه في التعليم (أندرسون، 1988)
يستمد بناء هذا النموذج من أصول التدريس المجرب و الفعلى للنماذج السائدة في الولايات المتحدة الامريكية التي تفصل بين أنواع و مستويات البيانات و المعارف وهى الطريقة السائدة في النقد الفني من ديوي و مونرو و فيلدمان و سميث , و الاختلاف بين" أندرسون" و بين سميث أن هذا البناء يشير بصورة ضمنية إلى أنه من الصحيح البدء بالمادة السياقية والتاريخية. وهذا لايتفق عادة في المواقف التي تتعلق بالعملية التعليمية. و ذلك لأن النقاد المحترفين لديهم اطار معرفى وخلفية ثقافية ذات طابع تاريخى يشكل نقطة البداية فى التحليل الفنى . وقد يصاب طلاب الفن بالعجز البالغ حيال ما يذكر من مادة تاريخية ، كحقائق يصعب على لدى طلاب الفن الالمام بتلك المعارف مسبقا مما يرسخ التسليم بها كحقائق غير قابلة للجدال وعلى الجانب الآخر يستبعد فيلد مان (1970- 1987- Feldman) ، التخلص بصورة كلية من المعلومات التاريخية أو السياقية، إلى أن يتم التوصل إلى مرحلة التقييم الأخيرة، وعندئذ يكون الطالب قد تأخر أكثر من اللازم في تطوير المعنى المستند إلى تلك المعلومات. و يعتقد "أندرسون " أن المعلومات السياقية تعد حاسمة في تطوير المعنى، ولكن بعد أن تتاح الفرصة للطلبة لتطوير معانيهم الشخصية الخاصة. و لــذا فأن ما يذكره الخبراء يوفر مصدرا ثريا للتنوع أو التأكيد بإجراء المزيد من المناقشات. وفى عملية الوصف تبعا "لفيلد مان" (فمهمتهة حصر العناصر التى يشتمل عليها العمل الفنى بغرض ملاحظة ما هو مرئى , دون تلميحات عن معنى أو قيمة ما تم وصفه.إذ ان عبارات القيمة وتبريرها فى رأى فيلد مان" تعطل عملية الوصف .)( محسن عطية 2002-170) و لا يتفق "اندرسون " مع فيلدمان (1970- Feldman) أن الوصف يمكن أن يحاول أو يجب أن يحاول أن يكون محايدا. وفي الواقع أن الوصف الذي يحاول الحياد، ينتهي بعرض قائمة طويلة من الخواص التي لا تتصف بالترابط بالنسبة للمعاني. و يتفق "اندرسون" مع على أنه ( ليس من الممكن استبعاد إصدار الأحكام من الدخول في الإدراك الجمالي أو على الأقل أن يجيء فوق الانطباع الأول الذي لم يتم تحليله.) ( Dewey-1958-298) وعلى هذا الأساس يجب توجيه الوصف نحو اكتشاف تلك الخواص التي تؤيد (أو تعارض) إصدار الحكم الأولي. وعن طريق تأمل المشاهد تلك الخواص، يتحدد اتجاهه الرامي إلى اكتشاف معاني العمل.
يتكون نموذج "أندرسون " للنقد الفنى على النحو التالي:

التفاعل Reaction
التحليل الإدراكي Perceptual Analysis
(أ) التمثيل Representation
(ب) التحليل الشكلي Formal Analysis
(ج) التوصيف الشكلي Formal Characterization
التفسير الشخصي Personal Interpretation
الفحص السياقي Con****ual Examination
التركيب Synthesis (التوليف بين مختلف النتائج)
(أ) القرار Resolution
(ب) التقييم Evaluation
و تتكون المرحلة الأولى "التفاعل Reaction" من الاستجابة الأولية الحدسية التقييمية ( نعم ، ذلك يذكرني بكذا أويشبه كذا .) وفي الواقع أن ذلك يسمى تفاعل.
و تشمل المرحلة الثانية من "التحليل الإدراكي Perceptual Analysis " وصف الهدف من الخواص الموضوعية التي يمكن ملاحظتها التي تتسبب في إحداث الاستجابة الأولية. و يبدأ التحليل الإدراكي "بتمثيل Representation " الخواص الأكثر وضوحا التي تجذب الانتباه، التي تشمل مادة الموضوع و العناصر المرئية الأساسية و التقنيات الواضحة. و يجب تعميق هذا التحليل الإدراكي، لكي يمكنه التعامل مع الخواص الدقيقة مع استطراد عملية النقد. وخلال مرحلة الوصف، قد تتغير الفكرة الأولية بسبب التوصل إلى أدلة خفية. ويجب أن يسمح بهذا التغيير في العملية الجارية.
و تتضمن المرحلة الثانية للتحليل الإدراكي وجود مرحلة أعمق للوصف، تعرف باسم "التحليل الشكلي Analysis Formal"و يتم خلال هذه المرحلة التأكيد على اكتشاف العلاقات ذات الدلالة بين الأشكال والمحتوى الموضوعي. وتوجد المعاني في الأعمال الفنية على الدوام، حيث توجد العلاقات ذات الدلالة. و تعد مبادئ التصميم من بين أدوات التحليل الجيد التي تنطبق على هذه المرحلة. ويجب توجيه الطلبة ليجربوا كل منها للتعرف على ما إذا كانت ملائمة و ما سبب ذلك و لماذا. و على الطلبة استبعاد المبادئ التي لا تتواءم مع الموقف واستخدام ما يشير إلى المعنى.
و يعد " التوصيف الشكلي Formal Characterization " المرحلة الأخيرة في التحليل الإدراكي. كما تمثل كيفية حمل الطراز للموضوع، محور المعنى في العمل، و على هذا الأساس فأنه من المهم للغاية توصيف الخواص النوعية ببعض الحساسية. و يشمل ذلك تكوينا من التحليل و الإسقاط الإبداعي، كما يصلح كجسر مؤدي للتفسير. وقد يصبح التوصيف الشكلي أكثر رقيا و تلخيصا متعمقا للاستجابة الأولية، إذا ما كانت الاستجابة ما تزال ملائمة أو قد تكون مختلفة للغاية. و قد يتصف التوصيف الشكلي بالاتساع ولكن قد يكون مختصرا في حالة النقد التعليمي.
و تتضمن المرحلة الثالثة " التفسير الشخصي Personal Interpretation " التي يتم خلالها إسقاط المعنى. وهذا المعنى عبارة عن تخليق للمعلومات الإدراكية، التي تم جمعها على ضوء الاستجابة الأولية و التحليل الناتج لكل من المحتوى و الشكل و الطابع العام. وتمثل المرحلة التفسيرية تحولا كبيرا في الوظائف المعرفية، بداية من المأخذ التحليلي السائد مسبقا إلى الإسقاط الحدسي، المخلق مسبقا. وكما هو الحال في العملية النقدية، قد يتم الرجوع إلى الأدلة البصرية في هذه المرحلة المتعلقة بالإسقاط الإبداعي، والهدف من هذا الرجوع التأكد من استمرار الطالب في مجال الشيء أو الحدث موضوع النقد. و يترتب على التفسير الناجح، تداعي الخبرات الشخصية، بافتراض أن الأشكال مقصودة و ذات معني و أنه يوجد في الأعمال الفنية، ما هو أكثر من مجرد الشكل السطحي. و يلي التفسير، من المناسب للمدرس أن يعرف الطلبة أو يكلفهم بإجراء الأبحاث في مجالي المعلومات السياقية أو التاريخية. و يطلق على هذه المرحلة أسم " الفحص السياقي Con****ual Examination".
و تقدم هذه المرحلة منظورا مضافا حول ظروف تنفيذ العمل الفني و حياته منذ تنفيذه. ويشمل الفحص السياقي طرح الأسئلة التالية: ما الذي يحيط بالعمل؟ و ماذا؟ و كيف؟ و أين؟ و لماذا؟ تتضمن الإجابات الحصول على معلومات حول العمل.
و تشمل مرحلة الأخيرة المتعلقة "التركيب Synthesis " عمليتين: الأولي عقد العزم على اتخاذ" القرار Resolution "، التي تتضمن التوصل للحلول للتفسيرات المتطورة سواء الشخصية أو المتفاعلة، من خلال الاستعانة بتفسيرات الخبرات التي تحددت خلال الفحص السياقي. و مع تذكر أن قوة الخيال المرئي تستند إلى الطبيعة التمثيلية ـ بحيث يعني ذلك أشياء مختلفة لأفراد مختلفين ـ مع أخذ جميع المعاني في الاعتبار. و من الضروري احترام وجهات نظر الطلبة، الذين يقدمون حججا للمعنى تخالف حجج الخبراء أو حتى الفنانين. و عند هذه النقطة قد تطرح بعض الأسئلة الجمالية، على سبيل المثال هل للفنان الكلمة الأخيرة بالنسبة للمعنى في الأعمال الفنية؟ هل الفنان يتمتع بحق أكبر في تحديد المعنى بالمقارنة بالمشاهد المتعلم؟ و إذا رفضنا قبول وجهة نظر الفنان، فهل يعني رفض كلماته بصورة كلية؟ كيف يمكن مزج التفسير الذي توصلنا له مع ما يقوله الفنان أو النقاد الآخرين؟ و يعد ذلك أيضا وقتا مناسبا للمدرس لطرح النظرية الجمالي، وفي مثل هذه الحالة فأن الأسئلة ستدور حول القصد الفني.
و تعد النظرية الجمالية أساسية بالنسبة للعملية الثانية التركيب: أي" التقييم Evaluation" ويجب الاستعانة بالنظريات المختلفة خلال إصدار الأحكام الموجزة حول عمل فني ما و يشمل ذلك النظريات التالية: الشكلية والتعبيرية و المحاكاتية و العملية و المفاهيمية . و على سبيل المثال من الممكن أن يشير الطلبة إلى الأشكال المبالغ في تصويرها و الألوان العشوائية و أعمال الفرشاة المتسمة بالحيوية، لتبرير قوة العمل الفني في إطار تعبيري. وهل يمكن توسيع نطاق العمل بحيث يمتد إلى المجال الاجتماعي؟ هل الموضوع في مختلف جوانبه له مغزى بالنسبة للكائن البشري؟ هل الموضوع قليل الأهمية؟ هل الخواص التقنية و التكوينية ضعيفة أم قوية؟ كيف يؤثر التداول التقني للمحتوى على الموضوع؟ و سيكون من المناسب في هذا الوقت تقييم خبرات مواجهة العمل، أي كيفية تغيير أو دعم المدركات والقيم المرتبطة أثناء العملية. وكما هو الحال بالنسبة للتفسير، يجب أن تستند جميع بيانات الأحكام على المعيار و أن تتصف بالطابع المنطقي في مواجهة الأدلة التي يمكن ملاحظتها.
النتائج
1. بالنسبة للأغراض التعليمية فأن طرق التفكير النقدي في النقد التعليمي البنائي أو التجريبي للتربية الفنية يقدم بديلا عن الانجراف نحو سيولة المعايير لفنون ما بعد الحداثة النسبية. فالطريقة النقدية التفكيكية، قد يواجه معلم الفن بعض الصعوبات اثناء عمليات التطبيق ، حيث أن عمليات التفكيك و إعادة السياق تشير بصورة ضمنية إلى مايجب ان يكون عليه الشخص المقبل على استخدام تلك الطريقة من فهم و مستوى متقدم للافتراضات الثقافية و الأخلاق و المعتقدات ووعى بالرموزودلالتها . وقد لا تتوافر قاعدة مؤسساتية لدى بعض الطلاب خاصة فى السنوات الاولى من مراحل التعليم , واستخدام تلك المعلومات الثقافية والفنية يحتاج الطلاب إلى بنائها وتحديد سياقها و العمل على تكامل معانيها , قبل أن يتمكنوا من تفكيكها و إعادة ترتيب سياقها. وعلى هذا الأساس فأن النقد التعليمي البنائي أو التجريبي يمثل النماذج الملائمة بدرجة أكبر للاستخدام التعليمي، نظرا لأنهما يتناولان العلاقات البنائية بكيفية شكلية وموضوعية و أيضا سياقيا في إطار النقد البنائي، ومن ثم يتم تدريجيا العمل على التوحيد المفاهيمي لما يتم اكتشافه من قيم فنية وجمالية . ويسعى كل من النقد التقليدي والبنائي، من خلال توحيد العلاقات إلى بناء المعاني، بينا يسعي نقد التفكيك إلى تحقيق اختلاف المعاني و العمل على إعادة بناء سياقها و ربطها بسلسلة لانهائية من الدوال المتعددة .
2. لم يعد دور التربية الفنية مقتصرا على اداء نشاط تقنى فنى فقط بل, إن عمليات النقد اثتاء النشاط الفنى داخل الاستوديو تمثل تدريبات على عمليات التفكير النقدى يقوم الطلبة من خلالها بتحليل أعمالهم الفنية. فى اطار يهدف معلم الفن من خلاله تحقيق الوصول الى افضل التقنيات والربط بين الخامات والادوات المناسبة لتحقيق القيم التعبيرية والمفاهيمية وفقا لتصورات الطلبة.
3. يعلم النقد الفنى الطلبة مهارات التفكير النقدي وفي نفس الوقت يحررهم من قيود خبراتهم المحدودة ، مما يؤدي إلى توصلهم إلى توسيع دائرة المعارف للقيم الفنية والجمالية للتراث الانسانى فى العصور المختلفة التي يمكن العثور عليها في الفن.
4. عند تكامل النقد الفني فى التربية الفنية مع طرق ومهارات التفكير النقدى ، باعتبارها وسائل للتفكير، يتخطى بذلك الطالب حدود التحليل الجمالى والفنى للعمل الفنى فقط , ويتجاوز ذلك الى آفاق ارحب لرؤية الواقع والحياة بصورة مكتملة.
5. ويقوم الطلاب من خلال النقد الفني بمهارات التفكير النقدى بتحليل الأعمال الفنية للفنانين المعاصرين أو فى الحضارات القديمة و أيضا الأعمال الفنية لطلاب الفن فى مجتمعهم أو مجتمعات أخرى, و الهدف تحدد المعنى والدلالة للعمل و ما يذكره بالنسبة للظروف الإنسانية. و عندما يتم ذلك بصورة منهجية، فأنه لا يؤدي فقط إلى تطوير قاعدة محتوى الطالب وحساسيته، التي تنشأ من خلال رفع مستوى الوعي، ولكنها تتضمن أيضا التدريس من خلال طرق التفكير النظامية في الفن و التفكير بصورة عامة.

التوصيات
يوصى الباحث
1. بتطبيق مناهج النقد التعليمي البنائي أو التجريبي للتربية الفنية لتحسين وتنمية مهارات التفكير النقدي.
2. تطبيق النماذج النقدية وفق مناهج ومدارس النقد الفنى , وطرح نماذج بديلة ومتنوعة يختار فيها معلم الفن مناهجه ومعاييره للقيم فى ضوء التجربة الجمالية وتستوعب التنوع الكبير للاعمال الفنية , و تتناسب والموقف التعليمى .
3. تطبيق مهارات التفكير النقدى تؤكد على جعل التجربة الجمالية خلال النقد هدف وغاية فى ذاتها , واختبار التفسير والحكم القيمى اثناء التجريب يعطى لها صفة الفرضية فيمكن اعادة مراجعتها , وليست احكاما قاطعة أو نهائية .
4. استخدام عمليات النقد اثتاء النشاط الفنى داخل الاستوديو لممارسة التحليل النقدى والادراك الجمالى وبالتالى اثراء الوعى الفنى والتجربة الجمالية بشكل متكامل.
5. الاهتمام بربط مناهج التربية الفنية مع المؤسسات الثقافية ( كالمتاحف والمعارض والمكتبات العامة وغيرها ), التى يمكن من خلالها اقامة النشاط بطرق ومهارات التفكير النقدى لتوسيع الرؤية الفنية الثقافية .