الأسس العامة للنهوض الإبداعي

[align=justify]جمعه وأعده / عاشق تعليم الفن
[align=center]
ما هي الأسس العامة للنهوض الإبداعي ؟[/align]
يرى الباحث أن هناك أسس تتعلق بالفرد وأخرى تتعلق بالمجتمع تساعد على النهوض بالمستوى الإبداعي ، وهي كآلاتي :


(أ)ما يتعلق بالفرد

أولا: عدم الاعتماد على الحلول الجاهزة :-
يعتمد الأفراد ـ غالباً ـ عند مواجهة أي طارئ أو بحث أية مسألة مستجدة على مخزون ذاكرتهم من نظريات وحلول مماثلة أو مشابهة لما يحدث لهم ، ونقل التجربة السابقة كاملة أو مبتورة لمعالجة الطارئ الجديد أو القادم باعتبار هذه الطريقة افضل الخيارات وأسرعها في حل المشاكل وإنهاء الأزمات. ونجاحها مرة لا يعني بأي حال من الأحوال اعتمادها مرهماً لكافة الجروح، فقد أثبتت التجارب أن التكرار ممل وقاتل وخصوصاً في معظم المسائل، لذلك يلزم ترك التقليد والمحاكاة في الفن ، و السعي إلى ما يحمل من نجاحات واخفاقات، والتنقيب عن حلول جديدة تفاجئ الجميع.

ثانياً: التأني في حسم المواقف :-
لا شك أن السرعة مطلوبة في الكثير من القضايا، ولكن لا على حساب الجودة والنوعية أو الإحاطة والإلمام بجوانب الموضوع المختلفة، فالبعض من الناس بحجة ضيق الوقت والإسراع في إنجاز المهمة والبرنامج يتوقف عند حدود معينة ويكتفي بما حصل عليه من نتائج متواضعة أو جزئية، في حين يتطلب الموقف ضغطاً اكبر على العقل لا خراج كل ما لديه من إبداعات مع مراعاة عنصر الزمن ـ طبعاً للطوارئ أحكام ـ واكتشاف أرقى الرؤى وانضج الحلول .

ثالثاً: زرع الثقة بالنفس :-
الحياة تجارب، والتجارب قد تصيب حيناً، وتخطأ حينا آخر، (وفي التجارب علم مستأنف) كما قال أمير المؤمنين…، والعاقل من اتعظ من هفواته وأخطاءه، ونهض مسرعاً لتقديم المزيد من النتائج للوصول للهدف المنشود، ودون أن يعيق توقفه عمليات نمو تفكيره الإبداعي . وينقل عن الكاتب البريطاني (شكسبير) أنه لم يصل إلى قمة المجد والشهرة إلا بعد نكسات غير عادية مرّ بها في مشواره الأدبي، ربما تخطت ألف رفض لإنتاجه الأدبي من قبل الصحف البريطانية، وبمواصلة الطرق المتواصل للعقل استطاع أن يقدم أعمالاً إبداعية فريدة خلدت اسمه إلى اليوم. وأيضا في مجال الفن التشكيلي فهناك من الفنانين الرواد من مر بمثل هذه الانتكاسات في رأي من حوله أمثال الفنان فان جوخ .
ثم أن الفشل في جانب معين لا يعني بأي صورة عدم طرق الجوانب الأخرى فالإنسان لم يخلق ليبدع في هذا الجانب دون ذاك، وإنما عليه بذل الجهود للوصول إلى الحالة التي تفتق عقله وترفع مستوى تفكيره.

رابعاً: رفع المستوى الثقافي والعلمي :-
العقل يحتاج إلى إمداد ثقافي وعلمي رفيع وغير منقطع، حتى يتمكن من طرق الجديد وفتح نوافذ غير معروفة أما الجمود على المخزون الماضي وقطع التواصل مع العلوم المستجدة يضيّق عمليات تحرك العقل ويقتل محاولات انطلاقته في آفاق الدنيا الواسعة. وخطاب الحق تعالى إلى نبيه  وقل رب زدني علماً يشير إلى مسألة استمرارية طلب العلم والتواصل مع الثقافات الأخرى . ويتضح ذلك جلياً في أعمال الفنانين على مختلف مستوياتهم الثقافية والتعليمية ، وما تعكسه أعمالهم الفنية من فكر ودلالات ومضمون .

خامساً: الانفتاح على الآخر
الاختلاف سنّة الحياة، والانفتاح على الآخر المختلف حالة حضارية تفرضها آليات الإبداع، لأن وجود الآخر مفروض منه، ومعرفته تتطلب جهداً غير بسيط لرفع المسبقات الفكرية عنه وعن فكره، وقراءته قراءة منطقية مجردة عن كل التأثيرات.
وسواء كنا في حوار أو مواجهة مع الآخر ينبغي لنا أن نكون على دراية تامة واطلاع دقيق بما يفكر ويخطط ويعمل حتى نكون بمستوى الحوار والمواجهة . أما التمحور على الذات وتحريم القرب من الآخر وما يتعلق ويتصل به لا يمكن أن يعطي نتائج طيبة أو حقيقية والحكم على الشيء قبل معرفته خطأ قاتل.
ثم أن مسألة رفض الآخر أو قبوله لا تخضع لقواعد ثابتة أو محددات علمية واضحة، ولو تركت للبعض لعممها على كل من خالفه الرأي قريباً كان أو بعيداً، صديقاً أو عدواً، وحسمها بالانفتاح عليه يقطع تدخلات الأهواء والمصالح.
ونلاحظ هذا جليا عندما يقوم بعض النقاد في الفن بنقد معارض فنية حديثة ، دون معرفة الاتجاهات والأساليب التي اتبعها هذا الفنان أو هؤلاء الفنانون ، فقد تواجه أعمال بعض الفنانين بالرفض والنقد التام ، ويعود ذلك إلى عدم الانفتاح والدراية بجديد الفن واتجاهاته ومداخله الحديثة والمعاصرة .

سادساً: البرنامج المفتوح :-
من المسلّم به علمياً أن نمط العادات والتقاليد له تأثير سلبي كبير على مستوى التفكير العقلي، وبالتالي على نوعية الإنتاج الإبداعي المنبثقة من هذا التفكير، فالرتابة المملة والجمود النمطي يمنع الفرد من قبول غير المألوف ويعتبره خروجاً عن العادة والتقاليد المعروفة .
والبرنامج المفتوح الذي يعتمد على سلوك غير متعارف في طرق التفكير والعمل (مكاناً وزماناً) يقدم رؤى وتصورات غير مطروقة للفرد ويطلقه في رحاب عالم وسيع.

سابعاً: احترام الوقت واستغلاله :-
اغلب الناجحين والمبدعين أولئك الذين عرفوا كيف ينظمون أوقاتهم ويستغلون الزمن الضائع في تنمية مهاراتهم واستنهاض عقولهم، فالوقت عنصر هام في صناعة النهضة الفردية والاجتماعية، والمستقبل لمن استغل الوقت وبرمجه في عمليات التحول والانتقال من مرحلة إلى مرحلة ، ودون ذلك ضياع وانقراض.

ثامناً: إيجاد ملكة الإبداع في النفس :-
فإن طرق حل المشاكل لا تتحدد في نمط معين، كما أن استنتاجات الإنسان لأية مسألة لا تتوقف على شكل خاص أو ثابت، فكلما عوّد الإنسان نفسه على إعمال عقله ورفع درجات توقد ذهنه وتفتقت لديه إبداعات لم يتوقعها أحياناً، لذا على الفرد أن لا يرضى بما وصل وحصل عليه العقل، وإنما عليه ـ في كل مسائل التفكير ـ أن يضغط على عقله بقوة للحصول على اكبر قدر من النتائج غير المسبوقة ، وبتكرار هذه العملية تتكون لدى الإنسان ملكة الإبداع الحاضرة في كل زمان ومكان.

تاسعاً: مواجهة التحديات :-
الظروف الطبيعية والعادية لا تخلق رجالاً مبدعين ولا تصنع عقولاً مفكرة، وإنما التحديات الكبرى والإشكالات الفنية هي التي تصقل المواهب وتنمي الإبداع وتطلقه في آفاقها الواسعة، أما الانسحاب من المواجهة والاستجابة للتحديات أو مسايرتها ما هو إلا هروب من الواقع واستخفاف بالعقل البشري، بينما رفض الواقع ومقاومة الضغوطات والصبر عليها ومعالجتها بتأني وحكمه يكفل التغلب عليها وإيجاد أكثر من مخرج للخلاص منها فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

عاشراً: التشكيك بالنتائج والنظريات :-
العقل السليم والمبدع لا يستسلم بسهولة للنظريات العلمية ولا يعتبرها حقائق ثابتة لا تقبل الخدش والتسقيط ما لم يمررها في مختبرات التشكيك والتدقيق والمناقشة، كما أن اعتبار أي خيارات خاتمة المطاف لأية فكرة هو خضوع وانقياد لما هو موجود ومتعارف.
والمبدع من يشكك بكل نتيجة ويمطرها بوابل من الأسئلة والاستفسارات، ويتوقع بطلانها ووجود بدائل أخرى افضل منها.

إحدى عشرة: المناقشة :-
تعوّد الفرد في مجتمعاتنا على تلقي التعليمات والحلول الجاهزة و طاعتها وتنفيذها دون زيادة أو نقصان، لأنه تعود المحاسبة والمعاقبة على أي تصرف في الفكرة ولو كان إيجابيا. لذلك تشاهد اغلب إنتاجنا تكراري خاوي من الإبداع والتميز ، والسر في ذلك إننا ننفذ ولا نناقش في كل شيء ولا نرى في أن المخول إلينا مسؤولية علينا تفحصها ومناقشتها قبل التنفيذ وليحصل ما يحصل، ولو استدام كل فرد على عدم تقبل الأمر ـ تمرد ـ إلا بعد قناعة تامة به لرأيت الإثراء والإبداع مسيطراً على جميع مناحي الحياة وتشعباتها.


(ب) ما يرتبط بالمجتمع

الأول: رفع الحصانة (( الوساطة )) :-
أحد أسباب فشل السلطة القضائية في تنفيذ مهامها هو تمتع الخارجين على القانون وأصحاب التجاوزات ـ من وزراء ونواب ومسؤولين ـ بالحصانة التي تحول دون القرب منهم أو التحقيق معهم . وفي المجال العلمي والفكري أيضاً هناك حصانات وهالات خلقت للبعض وحالت دون القرب منهم أو مناقشة نتائجهم وحتى ذكر أسماءهم باعتبارها محرمات ـ خطوط حمر ـ لا يجوز التطاول عليها أو المساس بأمنها، فصرنا خاضعين لأعمال ونظريات باطلة وفاشلة، نساق بها إلى الضياع والدمار ، فغاب الإبداع، وتحجرت العقول، ومات الاجتهاد، وعاشت الخرافة، وظهرت البدعة، وتعطلت المعالم والسنن، بقيود نحن زرعناها وأقمناها وقدسناها. وهذا ينطبق على جميع مجالات العلم والمعرفة ككل وليس الفنون فقط .

الثاني: ترقية الأمة ثقافياً :-
تكريس الجهود للقضاء على الأمّية، التي تسيطر على نسبة عالية من السكان، ففي العالم العربي زادت نسبة من لا يجيدون القراءة والكتابة على ثلث السكان البالغ عددهم 275 مليون نسمة . أما الذين يجيدونها فلا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يتعمقون أو يحللون!
فالمسؤولية كبيرة جداً على المؤسسات والهيئات التعليمية لإيجاد مخرج واقعي لمحو الأمّية بالدرجة الأساس ومن ثم التفكير في ترقية المستوى الثقافي للامة. والثقافة هي الأخرى ما زالت محددة في أطر ضيقة ولا تحمل تلك الروحية التي تساعد على تنمية الإبداع أو تنشيطه، فالدخيل هو الغالب، والقديم ما زال مسيطراً على ذهنية الفرد حتى بتنا في وضعية يرثى لها نردد كل ما يقول غيرنا .

الثالث: إيجاد البرامج التربوية والتعليمية المحفزة :-
يعتبر الخبراء المناهج التربوية أهم عنصر ينمي عملية الإبداع ، وأكثرها خصوصية في رفع المستوى العقلي والتكاملي لدى الطلبة، وأي تقصير أو انحراف في هذا الأساس الأولي يحيل كل الأمة إلى كتلة من الجهل والتخلف.
وإذا راجعنا المستوى الإبداعي في جميع مؤسساتنا التربوية والتعليمية نشاهده متدنياً جداً ولا يوحي بوجود مناهج حقيقية تحفز عقل الطالب وتثير مواهبه، فالتلقين هو الصفة الغالبة لجميع المواد الدراسية، والاستذكار مهمة الطالب الأساسية ولا غير.
وإذا أريد حقاً الحصول على جيل مبدع علينا قبل كل شيء إعادة تأهيل مستمرة للكادر التربوي بما يتلائم مع متطلبات العمر واحتياجات التنمية، وتطوير المناهج ورفع قدرة إثارتها، وبرمجة الأجواء الدراسية المحفزة لأسس التفكير، وتشجيع المبادرات الفردية وعمليات الانتقاد وكل ما يدخل في صناعة الإبداع.

الرابع: توفير معامل للإبداع والتفكير :-
المكان له تأثير فاعل في عملية الإبداع، لذلك تعمل بعض الدول والمؤسسات المتقدمة على إيجاد أمكنة خاصة تثير كوامن المواهب وتنشط عملية التفكير، وهذه الأمكنة خاضعة لإشراف خبراء ومتخصصين في صناعة الإبداع فكل شيء فيها ثابت أو متحرك، مسموح به أو ممنوع يخضع لموازين دقيقة ومحددات وضوابط معرفية خاصة، وحتى الأطعمة يقدم منها ما يقوي الفكر وينميه ومن ابرز مهام هذه المصانع، تقديم الحلول والبدائل المبتكرة للقضايا والمشاكل الطارئة والمستقبلية.

الخامس: الإحاطة بالمبدعين والعناية بهم :-
المبدع مفكر، والمفكر إذا أريد منه تحقيق النجاح والوصول إلى الغايات فيلزم الاهتمام به مادياً ومعنوياً، وتلبية متطلباته الشخصية بما يخدم العملية الإبداعية وثباتها وعدم انحرافها عن الهدف المنشود.
وأن العناية بكل ما يدعم ذات المبدع ويشحذ هممه عامل استقرار للمبدعين وحاجز كبير أمام هجرة العقول والكفاءات، وبنفس الوقت هو حلقة تواصل بين الحكومات والمبدعين من أبناء الأمة.
السادس: حماية الملكيات الفكرية
الإبداع حق لمبدعه، وعلى المجتمع والمؤسسات الحقوقية والقانونية حماية هذا الحق من الضياع وسطوة القراصنة، وإيجاد روادع متعددة تحول دون التعدي على هذه الإبداعات وتمنع الاستفادة منها دون إذن مسبق. كما يلزم تقديم التسهيلات والمساعدات التي تكفل المبدع وتوفر له كافة مستلزمات البحث والتحقيق وتقف دون لجوءه إلى جهات أو مؤسسات مشبوهة تسرق إبداعاته.

السابع: زرع التنافس البناء :-
كثيراً ما تكون إبداعات الآخر وإنتاجه عامل إثارة وتحفيز للفرد والأمة في تقديم كل ما هو مبدع وجديد. فالتنافس حالة إيجابية يلزم زرعها بين الأفراد وبين الأمم ليرتفع مستوى تفكيرها ولا تقدم إلا ما يرضي أنفسها ويسبق الآخر.

الثامن: رفع الرقابة :-
العمل الإبداعي فن جمالي راقي يتفتق في الأجواء الحرة والمفتوحة، فكل ما يخل بهذه الأجواء هو انتهاك لأبرز أسس النهوض الإبداعي، والرقابة تلجم الإبداع والمبدعين وتحجر عليهم وتتعدى على حقوقهم الأولية التي أقرتها تعاليم السماء والقوانين الوضعية.

وإذا أريد للعمل الإبداعي الانطلاق وتخطي السائد المعاد، ينبغي إعطاء الفرصة للجديد وغير المألوف لإثبات صحته وفاعليته في المجال المخصص له . أما أن نشطب هذا بحجة الخروج عن الأعراف والتقاليد! ونمنع ذاك لتمرده على القيم والمثل التاريخية! فلنتوقع هروباً يومياً من حدود هذا الوطن الذي لا يتحمل الجديد ولا يريد لنفسه البقاء بالجديد. فيرى الباحث رفع الرقابه في حدود معينه بمعنى لا تفقد ولا تنقد .[/align]

___________________
المراجع لدى الباحث