[align=center]


" ألفنون الأردنية الجميلة "



بقلم الدكتور المهندس علي الغول

( أستاذ العمارة والفنون في كلية الهندسة - الجامعة الأردنية )



نشرت في مجلة الاجنحة

" مجلة المسافر على متن طائرات الملكية الاردنية

تصدر عن دائرة العلاقات العامة في الملكية الاردنية

ص .ب 302 عمان الاردن

السنة الثامنة عشرة

العدد 216- كانون أول( ديسمبر) 1996[/align]

[align=justify]الفنون الجميلة الأردنية


الفنون الجميلة في الأردن كانت وما تزال هي الجو الحضاري التاريخي والبيئة الثقافية اليومية ، فالإنسان العربي عامة والأردني خاصة يعيش في محيط من الفن والجمال طوال نهاره .


إن جغرافية الطبيعة الأردنية غنية في سحرها الجميل من مناظر ذات ألوان وأشكال متنوعة ومتعددة تخلب الفؤاد وتدغدغ النظر ، فالجبال في رم والبتراء بألوانها المتميزة بتدرجات اللون الوردي وطيورها وسمائها التي تتحد في وحدة جمالية خلابة ، وكذلك جبال عجلون بألوانها الخضراء بأشجار البلوط والزيتون التي لا تذبل ولا تموت ، خالدة مدى الأيام . وغور نهر الأردن برماله الخصبة وأشجار الموز والبرتقال ، والعقبة ونخيلها والبحر الأحمر ومرجانه وأسماكه التي استهوت عشاق الجمال من أنحاء العالم . كل هذا الجمال انعكس على الإنسان الأردني في لباسه وأدواته وبيوته . فالملابس الأردنية برسوماتها وزينتها تعتبر من أجمل الأزياء الشعبية في العالم ، وتتميز كل منطقة من مناطق الأردن بأزيائها ومطرزاتها بألوانها وبأشكالها رغم توحدها في مضمونها وهويتها . فالطبيعة في الأردن ذات خصائص متعددة . فهناك الصحراء والبادية ، والجبال والهضاب ، والأراضي الغوراء ونهر الأردن والبحر الميت ووادي عربة وخليج العقبة ، حيث تتعدد فيها المناخات والأقاليم رغم صغر حجم هذا البلد الغالي . إن هذا الغنى في الأقاليم وتعدد خصائصها الطبيعية والجيولوجية والنباتية والحيوانية ، فتحت للإنسان الأردني فرصآ كبيرة للتمتع بالجمال والبحث عنه بل ومحاكاة هذا الجمال والتفاعل معه بإضافة الفن الجميل إلى البيئة الأردنية مما أضفى على الجمال جمالآ .


لقد عبر الإنسان الأردني عن انفعالاته الجمالية وسلوكياته الحضارية منذ أقدم العصور العالمية ، فمن آثار عين غزال التي تعود إلى الألف السادس قبل الميلاد ( العصر الحجري الحديث ) كما أثبتت الحفريات والإكتشافات الأثرية أن الوجود الحضاري في الأردن يعود تاريخه إلى خمسمائة ألف سنة قبل الميلاد . وقد أكتشف أن الفخار في الأردن يعود وجوده إلى الألف السادس قبل الميلاد كما استخدم الإنسان الأردني المعدن في العصر الحجري النحاسي ( 4500 - 3000 ق.م ) . ومن دول الأردن القديمة دولة العمونيين في عمان ودولة المؤابيين قرب مادبا والكرك ودولة الآدوميين قرب الطفيلة . ودولة الأنباط وعاصمتها البتراء التي عرف عنها الخط النبطي والصفويون الذي عرف عنهم الخط الصفوي ، وكذلك دولة الغساسنة . كما مرت على الأردن عدة حضارات وشعوب منهم الفراعنة والهكسوس والآشوريون واليونان والرومان التي تنتشر آثارهم في ربوع الأردن ، وتوج التاريخ الحضاري الأردني بالحضارة العربية الإسلامية وشواهدها كثيرة منها القصور الصحراوية الشهيرة والقلاع العديدة .


يقول محمد أبو زريق وأحمد الكواملة في كتابهما ( بانوراما الفن التشكيلي في الأردن - 1990 ) :" إن هذا التراث الحضاري والفني الهائل الذي خلفه الإنسان الأردني عبر العصور يؤكد على جذورنا الحضارية الفنية الضاربة في أعماق التاريخ الإنساني ، ويؤكد من ناحية أخرى أن هذه المنطقة كانت المكان الأمثل لتفاعل وتقاطع وتلاقي سائر حضارات العالم .... لترفد فناننا الأردني وعلى مر العصور بمعين لا ينضب من المعرفة والإلهام والجمال .... ولم يقف موقف المتلقي وحسب انما كان في موقف المبدع والمضيف أيضآ " .


ومع ذلك فإن النظرة إلى الفن في المجتمع الأردني بقيت تنظر إلى الفن بنظرة الفلسفة الإسلامية وهي النظرة النفعية والنظرة التعبيرية الجمالية . ولذلك اقتصرت على تجميل المحيط الإنساني وأثاثه والإنسان وملابسه وأدواته وابتعدت عن التعبير التصويري بالإعتماد على الكلمة وصورتها الجميلة التي طورتها أساليب الخط العربي البديع . لهذه الأسباب وصل موروثنا الجمالي إلينا بصور معمارية وزخرفية وبالخطوط العربية المتنوعة . أما في الوقت الحاضر تأثر الفنان الأردني بما تأثرت به الثقافة العربية والثقافات العالمية بحكم المعاصرة والتجديد بتوحيد الثقافات العالمية في ثقافة واحدة نتيجة للثورة الصناعية والثورة المعلوماتية وتطور وسائل الإتصال وأصبحت الصورة ضرورة ملازمة لكل ذلك .


فكان لا بد من أن يتأثر الفنان الأردني بذلك وبدأ يبحث لفنه عن دور تعبيري ثم دور ثقافي ثم الدور الإبداعي ، وخاض الفنان الأردني دوره الحديث في مجالات فنون العمارة والنحت والرسم والزخرفة والخط والكاريكاتير والخزف والسيراميك والرسم على الحرير وفن الجرافيك بالإضافة إلى فنون السينما والمسرح والتلفزيون ، والدعاية والإعلان في الصحف والمجلات ونوافذ المحلات التجارية وفي الشوارع والميادين والحدائق .


إن الحركة الفنية الحديثة في الأردن تمتد جذورها إلى أوائل القرن العشرين إذ تأثرت الساحة الفنية بادئ ذي بدء بحياء أثر زيارة المستشرقين إلى المنطقة ووجود بعض الفنانين في رجال الدول المستعمرة أو كتبهم أو منشوراتهم أو أدواتهم .إلا أن ما تم توثيقه في الحركة التشكيلية المعاصرة لا يتعدى بعض المعلومات التاريخية التي تعتمد على ذكريات بعض الرواد أمثال رفيق اللحام ومن عاصره من فنانين الذين زاولوا العرض الفني الثقافي في الصالونات ومحلات الحلاقة بالإضافة إلى مزاولة أعمالهم الفنية النفعية كالتصاميم للدعاية والإعلان والكتب وتصاميم العملة الأردنية . أما التظاهرة الفنية الأولى فقد تمت عام 1951 م حيث أقيم معرض جماعي في المنتدى العربي وكان بذلك بداية النصف الثاني للقرن العشرين حيث الحركة الفنية الفعلية في الأردن .


إن الحركة الفنية لم تبدأ من عدم فقد كان المجتمع الأردني الخاص يحوي بذورآ فنية تفعم بالفاعلية والزخم أمثال الفنان جمال بدران والمغفور لها سمو الأميرة فخر النساء زيد ذات الثقافة الفنية العميقة وصاحبة المدرسة ذات التجربة الفريدة . لقد لمعت أسماء في الساحة الفنية أمثال الفنان مهنا الدرة الذي أسس مركز الفنون الذي كان يتمنى له أن يصبح معهدآ أكاديميآ للفنون الجميلة ، ثم الفنانة الرائدة سمو الأميرة الدكتورة وجدان علي التي رفعت لواء الفن الحديث في العالم الإسلامي من خلال المتحف الوطني ومن خلال نشاطاتها وإبداعاتها الشخصية . وكذلك أعضاء رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين ذات العدد الكبير من الأعضاء ثم مؤسسة شومان ودارة الفنون وكذلك الجاليريات العديدة منذ عام 1990م حتى اليوم مثل رواق البلقاء وصالة بلدنا وصالة الفينيق وجاليري عالية . ثم إنشاء كلية الفنون الجميلة في جامعة اليرموك ثم في جامعة العلوم التطبيقية بالإضافة إلى كليات الهندسة المعمارية التي تخرج المئات من المهندسين سنويآ . وبدأ الفن ينتشر من عمان إلى الألوية والمحافظات وأصبحت المعارض تقام في كل مكان من خلال الدوائر الثقافية والنوادي والجامعات والمدارس والمؤسسات الخاصة . ثم انتشرت المراسم الخاصة وأقدمت الجمعيات على تشجيع الفن وممارسته مثال جمعية البيئة الأردنية التي ألفت لجنة خاصة بالفن قوامها أساتذة الفن الأردني المعاصر وتقيم المعارض وتنشر الكتب والمنشورات والملصقات الفنية .


لقد تأثرت الحركة الفنية الأردنية بعدة مؤثرات خاصة وعامة وداخلية وخارجية .

أولى هذه التأثيرات هي الجذور الثقافية للبيئة التي ولد وترعرع فيها الفنان التشكيلي ثم المعاهد التي درس فيها واختلافها باختلاف جنسياتها وثقافاتها فهي تتعدد من أصول أوروبية وعربية . وكل معهد يتأثر بمناخاته وتجاربه وتاريخه الإجتماعي والسياسي مما أغنى الساحة الأردنية بعدة تجارب متنوعة من مدارس وأساليب ، فسيطرت على الساحة الفنية مؤثرات إنطباعية وتجريدية وسريالية ورمزية وإسلامية وحروفية . كما ساد مؤخرآ أسلوب ما بعد الحاثة واستعاراته التاريخية والآثارية والفكرية كما يستعير من المدارس المحلية والعالمية . وبدأ الفنان الأردني يختار مفردات البيئة والتراث بوعي وإدراك عميق .


أصبحت عمان الآن مركزآ لامعآ يجذب الفنانين العرب والأجانب حتى أنه أصبح يقام معرضآ جديدآ كل يوم على مدار السنة لمعارض خاصة ومعارض جماعية ، كما أصبح الفنان الأردني يشارك في المعارض العالمية بانتاجه الفني أو بأبحاثه الأكاديمية .

أما الإتجاهات الفنية السائدة الآن فهي :

1- المدرسة الفطرية - المتسمة بالسذاجة والمتأثرة بمدرسة هنري روسو وغالبيتها من الهواة والمتأثرين بالفنون الشعبية .

2- المدرسة التجريدية - وغالبيتها من الفنانين المثقفين الذين ملوا الأسلوب الأكاديمي ومن المعماريين الذين يمارسون الفن التشكيلي - أو من التشكيليين الذين يميلون للفن المعماري ، ولكن لا يخلو الأمر من تواجد بعض الفنانين الذين يجدون في العبثية والعشوائية منطلقات تجريدية وغالبيتهم من الهواة .

3- المدرسة التجريدية التعبيرية - واتجاهها نحو البنائية والإنشاء والتراث وغالبية أعضاء هذه المدرسة يمارسون الحروفية من خلال استعمال الخط العربي في أعمالهم .

4- وكثير من الفنانين يمارسون الرمزية والسريالية للتعبير عن المشاكل الإجتماعية والسياسية والقضايا الوطنية .

5- المدارس الطبيعية - وهم من عشاق الطبيعة الذين يرسمون الطبيعة والزهور وهم في الغالبية من الفنانين الرومانسيين .


أما ما لم يتناوله الفن الأردني من إتجاهات ومواضيع بصورة جدية :

أ- الفن الأكاديمي : المتميز بالتشريح والتصوير الكلاسيكي لفن البورتريه ، ورسم الجسم البشري عاريآ وكاسيآ والطبيعة الصامتة .

ب- الأسس الأكاديمية والعلمية في التعبير الفني كالمنظور والظل والنور والقواعد اللونية والتقنيات الفنية واستخدام المواد المتعددة .

ج- أزمة الإبداع الفعلي : وهي تتركز في الجرأة في التجديد ورفع مستوى الجمهور وتنوع طرق الرسم والإبتعاد عن التقليد في الأساليب الفنية .

د- حركة النقد الفني : وهي حركة ضعيفة وغير متخصصة وتخلو من اتساع المعرفة والخبرة والإطلاع ويعتمد الناقد فيها على المكتبة الفنية الضعيفة في الوسط المحلي ، وعلى معلوماته النظرية .


الخلاصة :

إن الحركة الفنية التشكيلية في الأردن تمتلك أعلامآ متميزين ولهم مدرسة خاصة بهم ويمكن اعتبارها تعود إلى المدرسة التعبيرية التجريدية أو الرمزية أو السريالية أو الإنطباعية وأغلبية روادها يتجهون نحو التجريدية التعبيرية وخاصة الإتجاه نحو استعمال الحرف العربي كمفردات ثقافية وفنية .


وكثيرآ من الفنانين لا يلتزمون بالمعلومات الأكاديمية ، وتتجه الحركة في غالبية أعضائها نحو النفعية على حساب الثقافية - كإنتشار الخزف النفعي والتقليد فيه وتلبية طلب الجمهور ويعود الفضل لنجاح الحركة التشكيلية في الأردن إلى الدعم الحكومي من خلال وزارة الثقافة والمركز الثقافي الملكي وإلى الملكية الأردنية ودعمها المستمر من خلال جاليري عالية وإلى الجمعية الملكية للفنون الجميلة والمتحف الوطني وإلى مؤسسة شومان ودارة الفنون - وإلى كل الفنانين التشكيليين الأردنيين الذين صمدوا صادقين مخلصين للفن والتقدم به رغم جميع الظروف الصعبة التي مروا بها .
_______
الـــمصدر

[/align]