الأشعة تحت الحمراء تكشف أسرار فنون عصر النهضة

هل من الممكن ان ترى تحت جلد الانسان دون ان تفكر في نزعه؟ وهل يمكنك رؤية ما وراء لوحة زيتية عمرها مئات السنين؟ لقد تحقق ذلك باستخدام الأشعة تحت الحمراء، التي كشفت ما كان ينويه كبار الفنانين في عصر النهضة قبل رسم لوحاتهم الشهيرة.

استطاع باحثون الوصول إلى التصاميم الاولية خلف لوحات فنية لكبار الفنانين في عصر النهضة مثل رافائيل وبروجلي وكريفلي وكراناس. الذين كانت اعمالهم من مقتنيات المتحف الوطني بلندن من عشرات السنين.

وعرضت امام الجمهور لأول مرة التصاميم الاولية لهذه اللوحات مؤخراً بعد تصوير بالاشعة تحت الحمراء. التصاميم الاولية هي اللوحات الحقيقية قبل اضافة الألوان والاصباغ وقبل ان تأخذ اللوحات شكلها النهائي.

اكتشف الباحثون من هذه العملية ان التصاميم الأولية غنية بالكربون لأن مواد مثل الفحم والاحبار والاصباغ استخدمت في رسمها واعدادها ولذلك امتصت الاشعة تحت الحمراء بنهم.

ولذلك تبدو هذه المساحات قائمة في الصورة المنعكسة بالضوء. وهناك بعض التصاميم تظهر فيها تفاصيل دقيقة للصورة وبعضها جميل جداً رغم انه مجرد تصميم اولي من هذه الصور عمل رافائيل بعنوان «مادونا والطفل» التي رسمت في عام 1509 وهو عمل رائع في حد ذاته كما يقول امين المتحف المتخصص في ترميم اللوحات ديفيد بومفورد.

هناك لوحات اخرى تكشف كيف غير الفنانون رأيهم خلال القيام بالعمل. مثلاً لوحة «يوسف مع يعقوب في مصر» التي رسمها الفنان الايطالي جاكوبو بونتورمو عام 1518، بدأت كصورة في المرآة للنسخة النهائية.

وتوضح خلفية الصورة فراش الموت في الركن الاعلى الايمن. في التصميم الاولي لهذه الصورة يقع هذا المشهد في المنتصف تجاه اليسار من خلفية اللوحة، ويوجد في الركن الاعلى الايمن مشهد لاحدى المدن. وكان بونتورمو قد اعترف من قبل بأنه عندما بدأ رسم الصورة بأن تغيير رأيه ليصل إلى الشكل النهائي لها كان لأنه اعتقد ان هذا الشكل سوف يكون اكثر تعبيراً.

وتشير التصاميم الاولية ايضاً إلى الجانب العملي في فن عصر النهضة. لم يكن هناك فنان يعمل وحده في ذاك الوقت، فقد كان الجميع يعملون فيما يشبه ورشة عمل. كان هناك مساعدون ومتدربون يقومون بأعمال مثل اعداد الالوان وخلطها. والبعض الآخر كان يقوم بتلوين الاجزاء التي لا تحتاج إلى ابداع كبير مثل خلفية اللوحة او السماء،. وهناك بعض الاعمال كانت من انتاج المتدربين وحدهم، لكن توقيع الفنان الكبير الشهير عليها وتباع باسمه.


التصاميم الاولية

انت التصاميم الاولية من الاعمال الروتينية بالنسبة للمتدربين. وتوضح صورة «رحلة إلى مصر، أقوى الأعمال في عام 1518 أن هناك اسلوبين مختلفين على الأقل في الرسم، قد تكون من انتاج المساعدين الذين تخصصوا في مكونات معينة من الرسم والتلوين. رسم أحدهم الخلفية بالتفصيل، وقام الآخر برسم الشخصيات بشكل مبدئي غير مفصل.

وهناك تصاميم أولية غاية في الدقة بحيث تبعها الرسام بحذافيرها. هنا تبدو الخطوط الأولية هي الحدود المرسومة لتسير عليها الفرشاة بالألوان. هناك أعمال أخرى من التصاميم غير دقيقة، مثل لوحة البرخت التدورفر بعنوان «المسيح يأخذ السعفة من أمه» التي رسمت عام 1515 ـ 1520. التصميم الأولي لهذه اللوحة التي تحتوي كثيراً من الاشجار، كان عبارة عن خطوط مشوشة غير منظمة تشير إلى أوراق الأشجار.

وغالبا ما يرسم الفنانون تصاميم أولية على الورق ثم ينقلوها إلى لوحة خشبية ذات حدود بيضاء. ويقومون بذلك عن طريق تخريم الرسم الأولي بالابر ثم يلقون عليه مسحوقا من الفحم الحجري حتى يتخلف خط أسود على اللوحة. هذه الثقوب تظل واضحة في التصميم الأولي كما في لوحة «الفرسان» التي رسمها رافائيل عام 1504. وقد استخدمت الاشعة تحت الحمراء لفحص الصور لمدة تزيد على ثلاثين عاماً. قبل ذلك كان لابد من رسم صورة كاملة باليد لمجموعة من الصور الفوتوغرافية لاجزاء اللوحة الفنية بسبب انخفاض جودة آلات التصوير بالاشعة تحت الحمراء. الآن يستطيع الحاسب الآلي اكتشاف مناطق التداخل بين المربعات المتجاورة في اللوحة ويقوم بتجميعها في صورة واحدة متكاملة.




اشرف رفيق جريدة البيان
|51|